ما يجري يهدف على الاستيلاء على الارض والموارد وإشاعة الفوضى وتهديد وحدة السودان مرة أخرى واضعافها إلى أبعد الحدود .
خلال مراحل مختلفة من تاريخ هذا البلد ادخل عسكر السودان البلاد في دوامة الحرب بدافع واحد هو الحفاظ على مكاسبهم ومصالح الدول الطامعة في ثروات وموارد البلاد ، هذه المكاسب التي انتزعوها وسرقوها من الشعب السوداني وراكموها عبر سنوات طويلة من تبدل الانقلابات العسكرية التي عاشها السودان منذ استقلاله عام ١٩٦٥ وحاصل الاستبداد ضد شعبها ، دون أن يحظى هذا الشعب بحرياته الحقيقية من ديمقراطية وسيادة وطنية ، ودون عيش كريم .
هذا البلد الغني الذي تتركز موارده باحتياطي اليورانيوم الذي يقدر بمليون ونصف طن ، وهو ثالث أكبر احتياطي للخام في العالم وفق بعض المصادر ، ويقدر سعر الكغم الواحد منه بخمسين دولار ويتم إنتاج ١٠٠ طن سنويا ، لكن ما يدخل خزينة الدولة يقدر بثمن ٣٠ طنا فقط .
كما أن نسبة إنتاج الذهب بالسودان بلغت عام ٢٠٢٢ حوالي ١٩ طن ، رغم أن السودان لا يظهر بالتصنيف العالمي كدولة موردة للذهب ، حيث تقدر عمليات تهريب الذهب بحوالي ٥ مليار دولار بالسنة .
كما يوجد بالسودان معادن وعناصر أخرى مثل البلاديوم ، بلاتين والليثيوم وغيرها إضافة إلى زراعة القطن والقمح .
أن تلك الأرقام التي قد تشكل جانب من تفسيرات ما يجري لهذا البلد لا تنعكس على مستويات التنمية الأساسية كالصحة والتعليم وعلى معالجة هموم المواطن السوداني الذي بقي يعاني الفقر والجوع . حيث تعمل عشرات الشركات الأجنبية في احتكار التنجيم عن الذهب واليورانيوم مقابل اتفاقيات مع عسكر البلاد ، ولهذا فقد كان السودان دائما وما قبل استقلاله في عين عاصفة قوى الغرب الاستعماري وشركاتها المتوحشة دون سيادة حقيقية على موارده .
لقد أصبح واضحاً أن السودان سيبقى في مهب الرياح الإقليمية والدولية بغياب الاستقرار السياسي، الناتج عن تغييب القوى المدنية والديمقراطية الحقيقية وتدخل العسكر المباشر وغير المباشر في مجريات الأحداث منذ استقلاله . هذا التدخل كان دائما في ظل الأجواء الاستبدادية التي خيمت على البلاد هو السبب الأهم في الحروب الأهلية وتقسيم السودان إلى شمال وجنوب في عام ٢٠١١ في بدايات ما يسمى "الربيع العربي" ، الذي دمّر المنطقة، وما زلنا نعيش جميعاً وبشكل خاص نحن الشعب الفلسطيني تبعاته الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلى حين أن يتغير ذلك ، وهو ما يمكن ان تؤشر عليه المتغيرات والانحيازات السياسية الجديدة الجارية بالاقليم اليوم .
وقد يكون أحد اسباب الأحداث ايضا هو أن يؤخر تفجير الوضع الأمني في السودان المصالحة السعودية الإيرانية وانعكاساتها على سوريا والعراق ولبنان واليمن الذي أُعلِن عن انتهاء الحرب ضده.
كما سيخدم هذا التفجير الدموي للاحداث حسابات الأطراف المتورطة في هذا البلد بما في ذلك أميركا وفرنسا اللتان لا تخفيان قلقهما وانزعاجهما من الدورين الروسي والصيني، ليس فقط في السودان بل في القارة الافريقية خاصة بعد أن اعفت روسيا قبل شهر عدد من دول تلك القارة من الديون المستحقة عليها ، كما ودورهما المتصاعد في الشرق الأوسط عموما بعد أشكال التحدي الجديد لسياسات الهيمنة الأمريكية المتهاوية الآن من جانب دول الاقليم .
ولن يكون التدخل الأميركي ومعه الإسرائيلي المحتمل الذي أعلن عن نيته التوسط في تطورات السودان، بصورة مباشرة أو غير مباشرة هو السلاح الوحيد الذي تستخدمه الأطراف المذكورة لمنع مسار الانفراج عسكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً في المنطقة عبر المصالحة الإيرانية السعودية، المدعومة من مصر جارة السودان والتي قد تستهدف الاحداث الجارية امنها القومي ايضا ، وهي الحال بالنسبة إلى ليبيا التي تشهد صراعاً عسكرياً وسياسياً بين مصر المدعومة من الإمارات والسعودية وبين تركيا المدعومة من قطر.
ان زيارة وزير الخارجية الأميركي بلينكن للسودان، ولقاؤه دقلو والبرهان جاء ليثبت لُعب الولايات المتحدة على حبال الاطراف المختلفة في محاولة منها للحفاظ على دورها المتهاوي ، وعن مدى الأهمية التي توليها واشنطن وحليفاتها لهذا البلد الاستراتيجي.
لقد اختلفت تطبيقات معاني الهيمنة الأمريكية من خلال سياساتها الخارجية والامنية بالعقود الاخيرة الماضية وتحديدا منذ بداية الحديث عن رؤيتهم للشرق الأوسط الجديد من خلال تنفيذ "الربيع العربي" ودور جماعة الاخوان المسلمين فيه لتحطيم الدولة الوطنية واضعاف قدراتها لصالح هيمنة دولة الأحتلال الأستعماري بالمنطقة وتفوقها فكان تفاوت ذلك بالعراق وسوريا وليبيا ولبنان ومصر والسودان الذي تجري الحلقات المتأخرة بحقه الآن.
وأياً تكن النتائج المحتملة لأحداث السودان ، فالجميع يعرف أن أعداء المنطقة في الخارج والداخل لا ولن يتنفسوا الصعداء إلّا بعد تدمير دولها وشعوبها لمصلحة تفوق دولة الأحتلال الأستعماري إلاسرائيلي والتي تواجه هذه الأيام تحديات جادة تعصف بنظامها السياسي والاجتماعي وقدراتها العسكرية على الردع .
ولهذا هم كانوا وسيبقون ضد شعوب المنطقة، التي تتمنى أن تحقق المصالحة الإيرانية السعودية أهدافها، وأهمها تحقيق الأمن والاستقرار بدول المنطقة العربية الأخرى كما و في السودان بسبب ما لهذا البلد من أهمية استراتيجية بالنسبة إلى الجميع كما ذكرت انفاً ، وخصوصاً لدولة الأحتلال ايضا التي طبع عسكر السودان العلاقات معها مقابل وعود امريكية وإسرائيلية قبل ان تدرك الولايات المتحدة التطورات الجارية الان على المستوى الدولي والاقليمي . ولا يَخفى على احد أن دولة الأحتلال الأستعماري قد أولت أفريقيا أهمية خاصة منذ قيامها على أرض وطننا فلسطين وحاولت مؤخرا ان تحظى بعضوية الاتحاد الافريقي ، الامر الذي افشلته الجزائر واقريقيا الجنوبية وغيرهما من الدول . فدولة الاحتلال هي العنوان الرئيس لكل أحداث عدم الاستقرار بالمنطقة، وستبقى هكذا إلى أن تعود خخحقوق شعبنا الى أصحابها الأصليين بانتهاء نظام الأحتلال الأستعماري والأبارتهايد وانتهاء الهيمنة احادية القطب الامريكية ، ووصولنا إلى حق تقرير مصيرنا واستقلالنا الوطني .