الترهل الوظيفي والإداري ظاهرة تعاني منها الكثير من المؤسسات وتنتشر هذه الظاهرة بصورة أكبر في القطاع العام مقارنة بالقطاع الخاص. فما هو الترهل الوظيفي والإداري؟ وما هي الأسباب التي تقف وراء تفشي هذه الظاهرة؟ ومن هو المسؤول الأول والأخير في تفشي هذه الظاهرة؟ وما هي الآثار المترتبة عليها؟ وكيف يمكن معالجتها أو التخفيف من حدتها؟
اتفق علماء اللغة على تعريف كلمة ترهل بالاضطراب والاسترخاء، ومنهم من قال الانتفاخ أو التورم، أما المعنى الاصطلاحي في علم الإدارة فهو وجود إدارة بلا فاعلية وانتاج، أي أن الترهل الوظيفي يشير إلى وجود عدد من الموظفين في القسم أو الدائرة يتقاضوا الرواتب والحوافز والعلاوات دون الحاجة إلى وظيفتهم بالأساس حتى وإن كانت هناك حاجة لتلك الوظيفة فإنهم لا يبذلون الجهد والعطاء المطلوب بطريقة تتساوى مع ما يتقاضونه، وهو ما نسميه أيضا بظاهرة البطالة المقنعة وهي التجسيد الحقيقي للترهل الإداري.
إذا أمعنا النظر والدقة في البحث عن جذور المشكلة نستطيع من خلال ذلك رصد عدد من الأسباب التي أثرت ولا زالت تؤثر في الترهل الوظيفي سنجد أن التعيين الخاطئ وغياب الرقابة والمساءلة يُعد من أهم تلك الأسباب وهو ما يسمى بالفساد الإداري وذلك من خلال قيام القيادات الإدارية وأصحاب المناصب العليا باستغلال السلطة الممنوحة لهم بموجب مركزهم الوظيفي لتحقيق منفعة أو مصلحة خاصة على حساب المصلحة العامة للمؤسسة، أو ربما نتيجة ضغوطات مجتمعية لتعيين أفراد في أماكن لا يوجد بها شواغر أو توظيف أشخاص دون الأخذ بعين الاعتبار الكفاءات والتخصصات والمؤهلات والمهارات المطلوبة لشغل تلك الوظيفة أو تعيين الأقارب والمعارف ومسؤولية ذلك تقع على عاتق من هم في أعلى قمة الهرم الإداري، فما بُني على باطل فهو باطل.
وهناك العديد من الآثار السلبية لظاهرة الترهل الوظيفي والإداري ومن أهمها:
1. الفساد الإداري نتيجة التوظيف بالواسطة والمحسوبية والمحاباة بدلاً من التوظيف وفق معايير الكفاءة والمؤهلات ومتطلبات شغل الوظيفة والذي ينتج عنه أيضا الفساد المالي نتيجة الأعباء المالية التي تتكبدها المؤسسة.
2. عدم قدرة المؤسسة على منح زيادة سنوية للموظفين وصرف رواتبهم بانتظام.
3. تدني مستوى الانتاجية للعاملين وهجرة أصحاب الكفاءات والعقول.
4. انخفاض ربحية المؤسسة نتيجة الأعباء المالية والتكاليف الإدارية التي تتكبدها المؤسسة.
وللحد من ظاهرة الترهل الوظيفي والإداري بطريقة علمية مدروسة وذات استمرارية أيضا فهنالك العديد من الحلول من أهمها:
1. إيقاف عملية التوظيف والبدء باستغلال الموظفين الحاليين وإعداد كوادر إدارية وتنفيذية وفنية من خلال تدريبهم وتطويرهم وتدويرهم في أقسام أخرى بحاجة إليهم.
2. إعداد تصور واضح لعدد الوظائف الموجودة داخل المؤسسة والمطلوبة أيضا من خلال تحليل الوظائف أولاً يليه إعداد وصف وظيفي يوضح المهام والمسؤوليات الرئيسية لتلك الوظائف.
3. إعادة الهيكلة الإدارية داخل المؤسسة لرفع مستوى الفاعلية والكفاءة والانتاجية بما يتناسب مع رؤيتها ورسالتها وأهدافها الاستراتيجية.
4. التقييم الدوري للموظفين والذي يوفر تغذية راجعة ويحدد مواطن القوة والضعف للموظفين للعمل على تحسينها ويحدد من هم بحاجة إلى التدريب مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية تحديد المعايير التي سيتم التقييم بناءً عليها وربط نماذج التقييم بالوصف الوظيفي ومقابلة الموظفين لمناقشة نتائج التقييم ومراعاة أن لا يقتصر التقييم على مرة واحدة سنوياً.
5. التقييم الدوري لأداء المنظمة لمعرفة مدى تحقيقها للأهداف وهل تسير وفقاً لما هو مخطط له.
6. قياس مستوى انتاجية العاملين من خلال التقارير الشهرية.
7. تعزيز المعرفة المؤسسية وعلى كافة المستويات الإدارية من خلال عقد اللقاءات الدورية.
8. إعداد دراسات رضا العاملين والعملاء.
9. تطوير أنظمة الرقابة داخل المؤسسات.
10. وقف التدخل في التعيين وتشكيل لجان متخصصة لاختبار واختيار أفضل المتقدمين لشغل الوظائف حسب الكفاءات والمؤهلات والتخصصات للقضاء على المحسوبيات والفساد الإداري.
11. مشاركة القطاع الخاص في وضع الخطط لاستيعاب أكبر عدد ممكن من القوى العاملة من خلال تنفيذ المشاريع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة لتخفيف عبء تأمين الوظائف عن القطاع العام وبالتالي تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة التي تستند على المعارف والخبرات والتنوع.
12. اختيار القيادات الإدارية المناسبة ذات الفاعلية والكفاءة التي تسعى إلى تحقيق الأهداف والمصلحة العامة للمؤسسة والابتعاد عن المصالح الشخصية.
13. تطبيق أفضل الممارسات الداخلية مع الأخذ بعين الاعتبار التدرج في تطبيقها وعدم فرضها دفعة واحدة لأن التغيير المفاجئ سيصطدم بالثقافة السائدة داخل المؤسسة.
14. دراسة الاحتياج الفعلي للتخصصات المهنية والأكاديمية الحالية والمستقبلية بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة.
15. استحداث إدارات وأقسام ووظائف جديدة داخل المؤسسة تتماشى مع توجهها وأهدافها الاستراتيجية.
16. رفع مستوى الانتاجية داخل المؤسسة وتحسين جودة الخدمات والمنتجات المقدمة.
وفي الختام فإن مشكلة الترهل الإداري لا يمكن أن تُحل بشكل قطعي إلا من خلال تطبيق الرقابة الذاتية أولاً فكل شخص رقيب على نفسه، وكما قيل: إن الله تعالى يُحبُ إذا عَمِلَ أحدكم عملاُ أن يتقنه. كما أن العديد من الدراسات والأبحاث العلمية أشارت إلى أن تطبيق أنظمة الرقابة لها أهمية ودور كبير في تحسين إمكانية تحقيق أهداف المؤسسة وتعزيز كفاءة وفاعلية أعمالها وتحسين القدرة على اتخاذ قرارات حكيمة وتأكيد التقيد بالقوانين والأنظمة وأن القيادات الإدارية وأصحاب المناصب لهم دور إيجابي في تحقيق الأهداف والمصلحة العامة للمؤسسة ولهم دور سلبي أيضا في تعطيل تحقيق الأهداف وإفساد النظام داخل المؤسسة إذا تمَّ تفضيل المصلحة الشخصية على المصلحة العامة وعدم الإحساس بالمسؤولية والانتماء والولاء تجاه المؤسسة.