مؤشرات عديدة ومهمة تدعو إلى الاعتقاد المتفائل أن المملكة العربية السعودية تعمل على بلورة مشروع/ عربي للمنطقة بقيادتها يفرض وجوده إلى جانب المشاريع القائمة (تركي -إيراني -إسرائيلي). خصوصاً وقد ظلت المنطقة تفتقر لهذا المشروع العربي لسنوات طويلة (منذ غياب عبد الناصر وتراجع دور الدولة المصرية بشكل عام).
وزاد افتقار المنطقة العربية لمثل هذا المشروع بعد أحداث ما عرف بـ "الربيع العربي" التي طالت العديد من الأنظمة العربية وما رافقها من مشاكل وخلافات وتعقيدات.
من بين المقدمات والمؤشرات التي تدعو الى هذا الاعتقاد المتفائل:
- المؤشر الأول، اجتماع /مؤتمر دول مجلس التعاون الخليجي في كانون الثاني من عام 2021 والذي عُقد في مدينة العلا بالسعودية. إذ تم فيه الاتفاق على فتح الأجواء، والحدود البرية والبحرية بين قطر والسعوديّة، المغلقة منذ اندلاع الأزمة الخليجية في حزيران 2017. وشكّل هذا الاتفاق الخطوة الأولى في طريق إنهاء الأزمة الخليجية وعودة اللحمة والوفاق الى مؤسسة مجلس التعاون الخليجي.
وأهمية هذه الخطوة ان مجلس التعاون كمؤسسة، وبدوله الأعضاء، يشكل الساحة والإطار الأول والأقرب والأهم دعماً وإسناداً لأي فعل او تحرك تقوم به المملكة او تنوي القيام به على مساحة الخليج العربي او مساحة الوطن العربي.
- المؤشر الثاني، كان التعامل الباهت / البارد/ غير الحميمي مع الرئيس الأميركي بايدن عندما زار المنطقة - السعودية بالدرجة الأولى - خصوصاً إذا ما قورنت هذه الزيارة مع الزيارة التي قام بها الرئيس الأميركي السابق ترامب. وتلا هذا التعامل الباهت إصرار السعودية على عدم التجاوب مع الطلب الأميركي بزيادة إنتاجها من النفط، بل تصدرت قرار "أوبك بلس" في خفض كبير في الإنتاج بمقدار مليوني برميل.
- المؤشر الثالث، كان فتح العلاقة مع الصين اقتصادياً وتجارياً أولاً ثم سياسياً.      وقد وصلت العلاقة الى درجة عالية من التفاهم ما شجع الصين على تبني مبادرة   تدعو الى الصلح والعودة إلى علاقات طبيعية وتعاون بين السعودية ودولة ايران بشكل عام. وكانت أولى الخطوات الاتفاق على إعادة فتح سفارتي البلدين في كل منهما، ثم التوجه الإيجابي والجاد نحو تطوير وتنمية العلاقة بين الدولتين بشكل عام، وقد لقي هذا المؤشر قبولاً واسعاً في المنطقة وفي مختلف دولها.
المؤشرات المذكورة بشكل عام والسرعة في تنفيذها بسلاسة وإيجابية أحدثت حالة من الإيجابية والقبول والتفاؤل من دول المنطقة.
في المقابل فإنه لم يصدر عن السعودية أي مؤشر على تغيير في موقفها تجاه العلاقة مع دولة الاحتلال. حصل ذلك في تناقض ورفض وإحباط واقعي للآمال والوعود التي أغدقها رئيس الحكومة الإسرائيلية على ناخبيه ومؤيديه بان التطبيع مع المملكة مضمون وقريب (وفي جيبه).
لم تقتصر المواقف والتحركات السعودية على ما تقدم. بل امتدت للتعامل بإيجابية وحيوية ومسؤولية اعلى مما ذُكر مع الواقع الرسمي العربي وبعض الأحوال السلبية بين دوله ومكوناته. يشجعها على ذلك ان القمة العربية القادمة ستعقد على ارض المملكة وتحت رئاستها السياسية، وتبقى وتستمر كذلك طوال السنوات حتى موعد القمة اللاحقة أيضاً.
وللتحضير لهذه القمة، تحرص السعودية في كل تحركاتها ومواقفها عبر قادتها ومسؤوليها وممثليها على تحقيق أعلى مشاركة وأكثرها إيجابية ووحدة في الرؤى والمواقف. إنها تبدو في منتهى الجدية ومنتهى الحرص وتعمل كل ما هو مطلوب لكي يكون انعقاد القمة ومجرياتها بأعلى ما يمكن من التجاوب والإيجابية – والأهم القبول والوحدة - ولكي تخرج القمة بأفضل النتائج، أملاً في ان تقود القمة بمحصلتها الى نقل الواقع العربي الى حال أفضل وأكثر تماسكاً من الحال الذي هو عليه الآن.
لقد فرض الموضوع السوري وتغييب الدولة السورية عن الوضع العربي الرسمي العام وعن اجتماعات القمة العربية، فرض نفسه وعدم جواز استمراره على هذا الحال. كما فرض نفسه على الواقع العربي بشكل عام، ووجد قبولاً وربما حماساً من القيادة السعودية، فجاء تحركها الإيجابي والمسؤول لتصحيح هذا الحال.
وقد أخذ هذا التحرك أكثر من وسيلة من أهمها:
-  دعوة الدولة السورية لحضور أعمال اجتماع جدة التشاوري لدول مجلس التعاون الخليجي إلى جانب دولتي مصر والأردن. وقد أكد هذا الاجتماع على وحدة سورية وضرورة عودتها الى محيطها العربي ودورها فيه.
وأيضاً مشاركتها (السعودية) في اجتماع حول سورية استضافته المملكة الأردنية الهاشمية وشارك فيه إضافة إلى السعودية والأردن وزراء خارجية سورية والعراق ومصر.
ومجدداً أكد الاجتماع على وحدة سورية وعلى ضرورة عودتها إلى محيطها العربي وممارسة عضويتها في الجامعة العربية.
ويأتي التوجه الجاد الذي تتبناه وتقوده السعودية لتحقيق المصالحة، ووقف حال الاشتباك الدموي الدائر في اليمن منذ سنوات ليصب في المسار الوحدوي العام نفسه الذي تتبناه السعودية وتعمل على تحقيقه.
وفي النهاية، يبقى الأمل ان يتمخض هذا الحراك والتفاؤل عن قيام مشروع عربي يتناسب مع ضرورات واحتياجات المنطقة العربية ودولها.