يحاول إيدي كوهين -الصحفي الإسرائيلي- درء مسئولية قتل الشيخ خضر عدنان عن السلطات الحاكمة في دولته، عن طريق توصيف موته المفجع بالانتحار، في حين تلقفت ألسن بعض المشككين من بني جلدتنا تلك التهمة ورددوها، ربما ليدرأوا عن أنفسهم تهمة التخاذل.
ما عرف عن عدنان هو حديثه المفعم بالأمل وإقدامه و إيثاره وتضحيته وتحمّله للمسئولية تجاه أهالي الأسرى والشهداء، وهذه الصفات تناقض عوامل الخطر والعلامات التحذيرية للأشخاص ذوي الميول الانتحارية. إن من يقابل عدنان مرّة واحدة، يحترمه مدى الحياة.
لقد ترك أثرا إيجابيا كبيرا على نفسي وعلى فريق عمل "ما وراء الجبهات" وعلى مشاهدي الفيلم الذي تمحور موضوعه حول مقاومة وصمود الفلسطينيين. وكان حضوره في الفيلم بمناسبة المقال الذي كتبته "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان"، إذ كانت مقابلته في المستشفى حيث كان يتعافى بعد انتزاعه حريته من السجن بفضل إضرابه عن الطعام عام 2015.
إن من لا يعلمون بمستويات القهر النفسي ومحاولات الإخضاع التي يتعرض لها الأسير الفلسطيني وخصوصا الأسير الإداري الذي لا يعرف لأسره سببا أو نهاية، لا يفهمون خيار الإضراب عن الطعام كنوع من المقاومة ومحاولة أخيرة لمصارعة السجان، وقد يعتبر البعض هذا الخيار ضربا من التطرف النفسي أو محاولة للانتحار. لقد استخدم الإضراب عن الطعام كأداة للمقاومة في الكثير من الحركات والأحداث التاريخية، ومن أشهرها استخدامه من قبل زعيم الاستقلال الهندي مهاتما غاندي، الذي قام بعدة إضرابات عن الطعام للتعبير عن اعتراضه على سياسات الاحتلال البريطاني في الهند، كما تمّ استخدامه أيضًا في السنوات الأخيرة كأداة للمطالبة بالحقوق والحريات السياسية في بعض البلدان.
إن عدنان ضليع بموضوع الإضراب عن الطعام فقد سمعته ذات مرة يتحدث عن الأسباب التي دفعته للإضراب، وكيفية إعداد نفسه للإضراب، كما وضح كيف يشكل الإضراب أداة ضغط على إسرائيل ويحرجها ويكشف تعسفها واستبدادها أمام العالم. لقد ذكرت الدكتورة لينا قاسم رئيسة جمعية "أطباء لحقوق الإنسان" في الداخل الفلسطيني المحتل، والتي أشرفت على حالة عدنان بأنه رفض كسر الإضراب لكنه وافق على أن يتم إنعاشه إن فقد الوعي لأنه لم يكن معنيّا بالموت، بل بالحرية فهي مطلبه الأساسي.
كما أنه طلب بإلحاح أن يتم الضغط لنقله إلى مستشفى مدني، مما يؤكد على أن أي حديث عن أنه انتحر هو محض افتراء. فالانتحار هو قتل الإنسان لنفسه عن نية وقصد لكن قصد عدنان هو التحرر.
من جهة أخرى فقد أوضحت طبيبة عدنان أن علينا التنبه لفرضية التغذية القسرية كأحد الأسباب التي أدت إلى استشهاده خاصة أنه أوضح لها في اليوم الثمانين من الإضراب أن الأطباء والسجانين في عيادة سجن الرملة كانوا قد تحدثوا أمامه أكثر من مرة عن خيار الإطعام القسري، وهو ما يتعارض تماما مع إعلان مالطا الذي أقره اتحاد الأطباء العالمي عام 1991، إذ يحدد بصورة جلية تعليمات التعامل مع الإضراب عن الطعام حيث أشار إلى أن التغذية بالقوة مرفوضة وغير مقبولة من الناحية الاخلاقية إطلاقا.
إن من تركه يموت عن نية وقصد هو القضاء الإسرائيلي الذي ماطل وسوّف في قضيته، ومصلحة السجون التي لم تودعه المستشفى ليتم إنقاذه عند تأخر حالته الصحية، وغياب الظهير الوطني الجامع عن مناصرته. فلكل من يسأل: هل مات عدنان منتحرا؟ الجواب هو: لم يكن ذلك انتحارا بل قُتِل عمدا ونحسبه عند الله شهيدا ولا نزكي على الله أحدا. وسيبقى خضر عدنان نجما ساطعا يضيء عتمة فلسطين المحتلة مثل شيرين أبو عاقلة وغيرهم من الفلسطينيين الأحرار.