كتب رئيس تحرير صدى نيوز: انقشع غُبار المعركة في غزة، دفنَ الثكالى شهداءهم، واختفت أصوات الطائرات والصواريخ والانفجارات، وصار حتماً علينا الآن فتح ملفات لا تفتح أوقات الحرب، وبات من الواجب طرح أسئلة قد تُكتم في الجوف حتى انتهاء القتال.
كان العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة مختلفاً عن سواه من أيام الحروب، فقد كانت قصيرة ومحددة الأهداف إسرائيلياً ومركزة بكل ثقلها على الجهاد الإسلامي وحدها، حتى تم اغتيال أبرز قيادات الصف الأول، ما فتحت الباب للمحللين للتساؤل عن سبب وقوف حماس على الحياد.
حماس التي ما فتئت تستعرض قوتها وعسكرها، التزمت الصمت العسكري في جولة القتال الأخيرة ضد قطاع غزة، وهي التي لوح رئيسها في قطاع غزة بالرقم 1111 في حال أي عدوان على غزة، إلا أن أياً من هذه الأرقام لم يُترجم عسكرياً، فلمن إذن تجهز الحركة سلاحها؟ أم أن حماس اقتنعت أن الخسائر من دخولها المعركة أكبر بكثير من خسائر صمتها؟
هل كانت محاولة حماس الحفاظ على بعض المكتسبات مثل الأموال القطرية وزيادة عدد العمال في إسرائيل، واستمرار بقاء حكمهم وسلطتهم في غزة، وعدم اغتيال قادتهم الأسباب الرئيسية وراء اختيار الحركة التزام الصمت وعدم مشاركة الجهاد في الحرب؟
كشفت هذه الحرب حجم وقوة التفاهم بين حماس وإسرائيل عبر الوسطاء، لدرجة أن حماس وإسرائيل التزمتا بها على أكمل وجه، ولم تنزلق الحرب كما حدث في الحروب السابقة، رغم ان خسائر الفلسطينيين كبيرة، سواء من حيث عدد ونوعية الشهداء، أو المباني والمزارع والطرق والتي دمرها الاحتلال.
رأى بعض المحللين الاسرائيليين أن حماس تم ردعها تماما في الحروب السابقة، وهي الآن تتعهد بحفظ الأمن ومنع انطلاق الصواريخ من قطاع غزة للحفاظ على مكتسباتها، فيما قال محليين آخرين إن حماس اقتنعت بأن تلك الصواريخ عبثية، وأن أضرارها أكثر بكثير من فوائدها سياسيا وعسكريا، رغم عدم تقبل حماس لهذا النقد سابقا من قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية، فهل أدركت حماس الآن المصلحة الوطنية الفلسطينية على افتراض أن الدخول بحرب عسكرية مع إسرائيل لا يصب بالمصلحة الوطنية؟ وأن البندقية غير المسيسة قاطعة طريق؟.
فلسطينياً كان هناك استهجان من عامة الشعب لموقف حماس وتركها حركة الجهاد الاسلامي وحيدة في مواجهة إسرائيل، رغم شعاراتها التي كانت ولا زالت تطلقها بأن خيار المقاومة هو الخيار الأول والوحيد، وفي نفس الوقت تستمر حماس في تجييش الرأي العام بالضفة الغربية وأراضي الـ48، وتدعي في خطابها أن السلطة وحركة فتح تمنعان المقاومين بالضفة من التحرك ضد إسرائيل.
تساءل كُثر: ما الذي استجد حتى تُغير حماس مواقفها السابقة؟ وأين وحدة الساحات بين فصائل المقاومة؟ مع العلم أن قطاع غزة بمفهوم وحدة الساحات هي ساحة واحدة، بمعنى أن اسرائيل لم تهاجم ساحة الضفة الغربية أو ساحة لبنان، وكيف ستعالج حماس صورتها بين الناس حين تتحدث عن أهمية المقاومة وفي نفس الوقت لا تشارك بها رغم فرضها عليهم بسبب ممارسات الاحتلال.
لا نقول إن حماس اخطأت بسبب عدم دخولها الحرب الأخيرة، بل قد تكون مواقفها السابقة وتقديراتها خاطئة، والكل يدرك ويعترف أن قرار المشاركة في الحرب من عدمه تحدده القيادة الميدانية فقط، وفق معادلة الربح والخسارة سياسيا وعسكريا، وحماس اتخذت قراراً حاسما أعلمت الجميع به وهو عدم المشاركة في الحرب الأخيرة.
بعد هذه الحرب القصيرة، هل باتت حماس مقتنعة بعدم جدوى إطلاق الصواريخ من غزة؟ أو حتى بعدم جدوى المقاومة المسلحة برمتها والتوجه للمقاومة الشعبية أو المفاوضات؟ وهل تحولت حماس للبحث عن المصالح والحفاظ على المكتسبات وإرضاء الإسرائيليين والأمريكان والعرب؟ أم أنها أدركت أنها أصبحت مسؤولة عن شعب وعن بشر في قطاع غزة يُقتل أطفالهم الأبرياء ونساؤهم وشيوخهم وتُدمر بيوتهم وشركاتهم وممتلكاتهم ومزارعهم دون القدرة على تعويضهم؟!
لا تزال حماس غير واضحة في برنامجها للتعامل مع الاحتلال حاليا بعد وقف المقاومة ووقف إطلاق الصواريخ، فهل انعدمت لديهم الخيارات؟
بعد كل كارثة تحل بنا، يصبح الأمر أكثر وضوحاً، فالفصائل عاجزة عن تقديم حلول أو تصور جديد للمرحلة القادمة، ومعظم أحاديث السلطة الفلسطينية لا تمس الجوهر، سواء من ناحية القيادة أو حتى الحكومة، فالفلسطينيون يطالبون بتغيير جذري وقيادات جديدة، وهذا لا يتم إلا بالانتخابات التشريعية والرئاسية، دون حجج لتأجيلها، فدون الانتخابات سيظل الانقسام مستمراً، وسيظل القرار الفلسطيني مشرذماً وممزقاً، ومستفرداً فيه، تماماً كما حدث مع الجهاد الإسلامي.