أظهر مؤشّر حرّية الصحافة العالمي الذي نشرته منظمة صحافيون بلا حدود، الأسبوع الماضي، تراجع إسرائيل إلى المرتبة الـ97 من بين 180 دولة يشملها المؤشّر، بعد أن كانت تحتل المرتبة الـ88 عام 2022. وورد فيه، من ضمن أمور أخرى، أن ما يصفها بأنها البيئة السليمة لحرية الصحافة الإسرائيلية تقوّض، بعد أن وصلت إلى سُدّة الحكم حكومةٌ تهدّد حرّية الصحافة، في إشارة إلى حكومة بنيامين نتنياهو السادسة الحالية.
وبموجب متابعة دقيقة، يمكن القول إن نتائج المؤشّر قوبلت بتجاهل تام تقريباً في وسائل الإعلام الإسرائيلية نفسها من أقصاها إلى أقصاها، مع وجود استثناءاتٍ قليلة، أبرزها الموقع الإلكتروني، العين السابعة، المتخصّص في نقد الإعلام، والذي نقل تعقيب رابطة الصحافيين في إسرائيل على المؤشّر، مؤكدة أنه بعد خفض الائتمان المستقبلي للاقتصاد الإسرائيلي، نشهد الآن خفض تصنيف إسرائيل في مجال حرّية الصحافة، ما يثبت أن ثمة أموراً عديدة مقلقة آخذة بالتراكم، وترسم صورة قاتمة لخطر واضح وفوري يتهدّد الديمقراطية في البلد.
وبغية إظهار حدّة النتيجة المتعلقة بإسرائيل في المؤشر، تعمّد الموقع ذاته أن يلفت الأنظار إلى أمرين: الأول، أن تدريج إسرائيل في المؤشّر هذا العام جاء أدنى من دول لا تُعدّ ديمقراطية، مثل ألبانيا والغابون ومنغوليا وزامبيا وغينيا بيساو وقبرص الشمالية وتوغو وليبيريا وغانا وبوركينا فاسو وساحل العاج وغيرها. الثاني، أن لإسرائيل تأثيراً في تدريج دولة أخرى هي اليونان التي تدهورت إلى المرتبة الـ107 بسبب استخدامها منظومة تجسّس إسرائيلية ضد صحافيين.
مؤشّر حرية الصحافة العالمي هو تدريج سنوي للدول تعدّه منظمة مراسلون بلا حدود، وتنشره بناءً على تقييم المنظمة لسجل حرية الصحافة في كل دولة. ويجري اعتماده على أساس استبيان يُرسَل إلى منظمات مشاركة مع المنظمة المذكورة، بينها 14 مجموعة لحرية التعبير في خمس قارّات و130 مراسلاً في العالم، بالإضافة إلى صحافيين، وباحثين، وخبراء قانونيين، وناشطين في مجال حقوق الإنسان. ويطرح الاستبيان، كما يرد في الموقع الرسمي للمنظمة، أسئلة عن اعتداءات تطاول صحافيين وإعلاميين، بالإضافة إلى وقائع تثبت وجود ضغوط على الصحافة الحرّة.
وفي تقارير سابقة من المؤشّر ورد مزعم أن "الصحافة الإسرائيلية تتمتع بحرية حقيقية قلّ نظيرها في المنطقة"، وعلى الرغم من ذلك "يواجه الصحافيون في معظمهم عداء وزراء الحكومة بالإضافة إلى الرقابة العسكرية وقرارات منع تغطية بعض المسائل، منها ما يتعلّق بالفساد، فضلاً عن إجراءات تكميم الأفواه التي تعتمدها دوائر المال والأعمال". ووصفت التقارير كيف تواترت عديد من "حملات التشهير ضد وسائل الإعلام من بعض السياسيين المدعومين بأحزابهم ومؤيديهم، بحيث تعرّض عدد من الصحافيين لمضايقات وتهديدات مجهولة الهوية، ما اضطرّ بعضهم إلى طلب حماية شخصية حفاظاً على سلامتهم".
وأُشير في حينه إلى أن الصحافيين الذين قاموا بتحقيقات استقصائية متعلقة بشبهات الفساد التي تحوّلت إلى بنود في لائحة الاتهام الرسمية المقدمة ضد رئيس الحكومة نتنياهو كانوا أكثر من تعرّض لملاحقات وتهديدات.
بطبيعة الحال، بالإضافة إلى ما تحمله الحكومة الإسرائيلية الحالية في أحشائها من مخاطر على حرية الصحافة، التي تشي بآخر التحوّلات الطارئة على المجتمع الإسرائيلي وحقله السياسي، يتوقّف مؤشّر العام الحالي، كما مؤشّرات الأعوام السابقة، عند مخاطر ينعتها بأنها تقليدية تتهدّد حرية الصحافة وإسرائيل مبتلاة بها منذ أعوام طويلة، مثل التضييق على الصحافيين الفلسطينيين، وقيود الرقابة العسكرية الصارمة، وإكراهات قطاع المال والأعمال.
ولم تتعذّر أي محاولة من التقارير السابقة للإمساكِ بمفاعيل هذه المخاطر، أو تكوين إحاطة عنها اعتماداً على الوقائع فقط. وبخصوص الرقابة العسكرية وحدها، جاء في تقرير حديث لمنظمة فريدوم هاوس الأميركية أن المقالات المطبوعة عن المسائل الأمنية تخضع كلّها لرقابة عسكرية، كذلك فإن المكتب الصحافي الإسرائيلي الحكومي يحجُب من حين إلى آخر بطاقات صحافية من صحافيين لمنعهم من دخول إسرائيل بحجّة "الاعتبارات الأمنية". عن "عرب ٤٨"