اقتصاد صدى: أصدر صندوق النقد العربي العدد الثامن عشر من تقرير "آفاق الاقتصاد العربي"، الذي يتضمن توقعات الأداء الاقتصادي الكلي للدول العربية على عدد من الأصعدة خلال عامي 2023 و2024.
تناول العدد الثامن عشر من تقرير آفاق الاقتصاد العربي أهم التطورات الاقتصادية التي يشهدها العالم والتي من المتوقع أن ترسم معالم الاقتصاد العالمي خلال أفق التقرير (2023-2024)، بشكل خاص الموجة التضخمية وما تبعها من تشديد السياسات النقدية من قبل البنوك المركزية حول العالم. يرصد التقرير كذلك أحدث توقعات المنظمات الدولية (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، الأمم المتحدة) لآفاق النمو الاقتصادي ومحددات اتجاهات الاقتصاد العالمي، حيث تراوحت توقعات المنظمات الدولية للنمو الاقتصادي العالمي الصادرة بداية عام 2023 ما بين 1.7 و2.9 في المئة لسنة 2023، وما بين 2.7 و3.1 في المئة لسنة 2024.
يستعرض التقرير الآثار المتوقعة للتطورات الاقتصادية العالمية على المنطقة العربية، مع التركيز على آثار تشديد السياسات النقدية، والتقلبات في الأسواق المالية الدولية وأسعار السلع الأساسية.
بحسب التقرير، فإن التراجع في النمو الاقتصادي العالمي المتوقع لعام 2023 سيؤثر على حجم الطلب الخارجي في العديد من الدول العربية، بالتالي سيسهم في تراجع النمو في الدول العربية، وهو ما يعني أهمية استمرار الدول العربية في تبني الإصلاحات التي من شأنها تعزيز تنوع ومرونة هياكل اقتصاداتها وكذلك معالجة التحديات الهيكلية التي تحول دون تحقيق معدلات نمو مرتفعة مستدامة.
استعرض التقرير نتائج توقعات الخبراء بالدول العربية، حيث يتوقعون نمواً اقتصادياً معتدلاً خلال السنتين القادمتين، بما يتماشى والنمو الاقتصادي العالمي. هذا وستتأثر مسارات النمو بالدول العربية خلال عامي 2023 و2024 بمجموعة من العوامل، منها ما يتعلق بالظروف العالمية التي تنطوي على حالة عدم يقين، إضافة إلى آثار تشديد السياسة النقدية التي استمرت تقريباً طيلة سنة 2022 وبداية عام 2023، ومدى قدرة تلك الإجراءات في السيطرة على التضخم، ففي حين تمكنت بعض الدول العربية من إحكام سيطرتها على معدلات التضخم (مثل حالة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية)، لا تزال دول أخرى تكافح لتحقيق ذات الهدف.
تتباين آفاق النمو الاقتصادي خلال العامين المقبلين ما بين الاقتصادات العربية وفق عدد من العوامل، حيث يتحدد الأثر الصافي للتطورات الاقتصادية العالمية على الدول العربية على طبيعة تأثيراتها على النمو الاقتصادي في الدول العربية المُصدرة للنفط (التي تسهم بنحو 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة الدول العربية بالأسعار الثابتة)، والتي تعتبر بشكل عام مستفيدة من الأسعار المعتدلة للنفط، في حين يواجه عدد من الدول العربية (بشكل خاص الدول المستوردة للنفط) تحديات تتعلق بارتفاع مستويات العجوزات الداخلية والخارجية ومحدودية مستويات قدرتها على تعزيز الإنفاق الداعم للنمو مقارنة بالدول المصدرة للنفط.
كما سينعكس موقف كل من السياستين المالية والنقدية على آفاق النمو المتوقعة خلال عامي 2023 و2024 من حيث مدى استمرار قدرة هاتين السياستين على دعم النمو الاقتصادي في ظل تفاوت الحيز المالي المتاح ما بين دولة عربية وأخرى، لاسيما تباينه ما بين الدول العربية المُصدرة للنفط التي تعزز لديها الحيز المالي نتيجة التطورات الداعمة لموقف توازناتها الداخلية والخارجية بفعل الارتفاع في كميات إنتاج النفط والغاز وارتفاع أسعارهما في الأسواق الدولية، والدول العربية المستوردة للنفط التي شهد الحيز المالي لديها مؤخراً ضعفاً نتيجة التطورات غير المواتية التي شهدتها خلال العامين الماضيين، واضطرتها إلى زيادة مستويات الإنفاق والاقتراض، تلك التطورات التي زاد من حدتها الانعكاسات الأخيرة للتطورات العالمية الراهنة.
أشار التقرير كذلك إلى أن تأثر القطاع المالي العربي التقلبات المالية التي شهدتها بعض الدول المتقدمة وحالات إفلاس واندماج البنوك فيها كان محدوداً، ويعود ذلك إلى الارتباطات المحدودة للقطاع المالي بالمنطقة العربية بهذه الأسواق إضافة إلى المستوى المرتفع لمؤشرات الملاءة المالية للقطاع المالي العربي التي تحققت من خلال الجهود الكبيرة المبذولة من قبل البنوك المركزية ومؤسسات النقد العربية خلال السنوات الماضية لتعزيز متانة القطاع المالي العربي.
بحسب التقرير، فإن التراجع الذي شهدته أسعار السلع الأساسية خلال الأشهر الماضية يمثل تطوراً إيجابياً لعدد من الدول العربية التي تأثرت من ارتفاعها خلال الفترة الماضية، حيث أدى الارتفاع إلى زيادة فاتورة الاستيراد لهذه الدول مما أثر على ميزان المدفوعات بصورة سلبية وساهم ذلك في الضغط على احتياطيات هذه الدول من العملة الأجنبية، وفي بعض الأحيان ساهم ذلك في الانخفاض في سعر الصرف. كما أن بعض الدول لم يكن بإمكانها عكس كامل الارتفاع في أسعار السلع الأساسية (بالأخص الطاقة والغذاء) على المواطنين لحماية الفئات الهشة وكبح حجام التضخم إلا أن ذلك أدى إلى تحمل الموازنة العامة كلف دعم كبيرة أثرت على حجم العجز المالي ومستوى المديونية وكلفة الاقتراض وخدمة الدين. لمواجهة تحديات تقلبات أسعار السلع الأساسية، تقوم الدول العربية بمراجعة تطوير سياساتها المتعلقة بالأمن الغذائي وأمن الطاقة لتقليل أثر أي صدمات مستقبلية، والاستمرار في تطوير شبكات الأمان الاجتماعي لحماية الفقراء وتسهيل الانتقال لنظام دعم يستهدف الفئات المستحقة للدعم.
بناء على ما سبق، يتوقع صندوق النقد العربي تراجع معدل نمو الاقتصادات العربية في عام 2023 مقارنة بعام 2022 بحوالي 2.2 نقطة مئوية ليسجل نحو 3.4 في المئة، مقابل 5.6 في المئة عام 2022، كما يتوقع تحسن وتيرة النمو الاقتصادي للدول العربية عام 2024 لتسجل نحو 4.0 في المئة، وهو تحسن يمكن إرجاع أسبابه لتوقعات استقرار أسعار النفط وأسعار السلع الأساسية، وتعافي الطلب الخارجي مع تحسن النمو العالمي، وكذلك انخفاض أسعار الفائدة.
على غرار بقية دول العالم، يتوقع أن يشهد عام 2023 تراجع معدلات التضخم في الدول العربية مع بقائها مرتفعةً نسبياً نتيجة للضغوط التضخمية الناجمة عن التطورات الاقتصادية العالمية، بشكل خاص أسعار الطاقة (النفط والغاز) والغذاء، إضافة الى أثر الضغوط التي يتعرض لها سعر صرف العملة المحلية في بعض الدول العربية، وكذلك تأثير عوامل تضخمية أخرى تختلف من دولة عربية لأخرى كالتطورات الداخلية في بعض الدول، وقد ساهم في الحد من أثر تلك الضغوط التضخمية المذكورة الإجراءات والتدابير الاستباقية التي قامت باتخاذها العديد من الدول العربية.
كمحصلة للتطورات المذكورة، من المتوقع أن يبلغ معدل التضخم للدول العربية بعد استثناء الدول التي تواجه ضغوطاً تضخمية كبيرة ما نسبته 6.8 بالمئة في عام 2023، وما نسبته 6.3 بالمئة في عام 2024.
تناول التقرير في الختام عدداً من الموضوعات ذات الأولوية للدول العربية بما يشمل موضوع الأمن الغذائي وموضوع التغير المناخي. فيما يخص الأمن الغذائي، تواجه الدول العربية عدداً من التحديات لتعزيز أمنها الغذائي، من ذلك ندرة المياه، والنمو السكاني السريع، والظروف الداخلية غير المواتية في بعض منها، فضلا عن التحديات الاقتصادية. تبذل الدول العربية جهوداً حثيثة لمعالجة هذه القضايا، بما في ذلك الاستثمار في التنمية الزراعية والتقنيات الحديثة، وتعزيز التعاون الإقليمي والممارسات المستدامة لضمان الأمن الغذائي، وتنويع مصادر الغذاء وسلاسل التوريد وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي. على مستوى مواجهة تحدي التغير المناخي، تشمل التوجهات المستقبلية للدول العربية عدداً من المحاور التي تمكّنها من التحول نحو الاقتصاد الدائري، وتطوير استخدام مصادر الطاقة المتجددة والمستدامة، وتحسين إدارة المياه وتقنيات الحفاظ عليها، وتبني الممارسات الزراعية المقاومة للمناخ، وتعزيز التعاون الإقليمي بين الدول العربية بما يشمل تبادل المعرفة وأفضل الممارسات، وتنسيق جهود التكيف والتخفيف، والمشاركة في مفاوضات تغير المناخ الدولية.