صدى نيوز - أطلق الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) تقريره السنوي حول تطورات واقع النزاهة ومكافحة الفساد في فلسطين للعام 2022، في قطاع غزة، وذلك بعد أن أجّل إطلاقه نتيجة العدوان الإسرائيلي علىى القطاع.
يهدف التقرير المعنون بشعار"الاحتلال والانقسام والفساد السياسي حلقة مغلقة يغذي كلٌّ منها الآخر"، حيث ركز التقرير على ما يدور من فساد سياسي ناتج عن البيئة التي يوفرها النظام السياسي المتفرد، والتي تتيح لكبار المسؤولين التنصل من الواجبات الرسمية المتصلة بخدمة المصلحة العامة في الوظيفة العامة مستغلين هذه السلطة الممنوحة لهم في إدارة الشأن والمال العام لتحقيق مصالح خاصة أو للإفلات من العقاب.
يهدف التقرير إلى رفع توصيات محددة لصناّع القرار الفلسطيني والأطراف ذات العلاقة، من أجل مساعدتهم في تبني إجراءات وتدابير لتعزيز النظام الوطني للنزاهة وتحصين مناعته ضد الفساد، مشددا على ضرورة قيام القائمين على الحكم باتخاذ قراراتهم لمصلحة المواطنين أو المنفعة العامة من أجل إستعادة ثقة المواطن بمؤسسات الدولة، الأمر الذي سيساهم في تحمله أعباء المرحلة.
مواصلة الاحتلال الإسرائيلي سياسته العنصرية غير الشفافة أو النزيهة في إدارة العلاقات المالية مع وزارة المالية الفلسطينية
استهل الدكتور كمال شرافي، نائب رئيس مجلس إدارة ائتلاف أمان كلمته في المؤتمر، مركزا على مواصلة الاحتلال الاسرائيلي سياسته العنصرية في انتهاك الحقوق الوطنية والمدنية للشعب الفلسطيني عبر الاستيلاء على مقدّراته وثرواته الطبيعية واستغلال موارده العامة، وتمكين المستوطنين الإسرائيليين من الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية المحتلة، والحيلولة دون بناء مؤسسات فلسطينية فاعلة في خدمة الفلسطينيين، وباستمرار احتكار الضباط الإسرائيليين لسلطة منح التصاريح والموافقات المتعلقة بحركة الفلسطينيين وتجارتهم دون وجود رقابة مسؤولة وجادة عن أعمالهم، ما أتاح المجال لاستشراء ظواهر الابتزاز والرشوة للحصول على حقوق أساسية تتعلق بالحركة والبناء واستخدام الأراضي الخاصة والعامة.
وفي كلمته، ذكر الشرافي أن أغلبية المواطنين الفلسطينيين خلال العام 2022 عبروا عن حالة الإحباط وفقدان الثقة بالسلطتين سواء في الضفة أو القطاع في معظم استطلاعات الرأي، حيث ترى الأغلبية منهم أن موضوع الفساد من ضمن أهم القضايا والمشاكل التي تواجه الشعب الفلسطيني، إذ أشار استطلاع رأي المواطنين حول واقع الفساد ومكافحته في فلسطين، الذي تمّ إجراؤه في أيلول/ سبتمبر 2022، إلى أنّ الرأي العام الفلسطيني متشائم وأنّ أهم التحديات التي من الضروري التصدّي لها إضافة إلى الأزمة الاقتصادية هي مكافحة الفساد، وسياسات الاحتلال، وضعف سيادة القانون، واستمرار الانقسام.
استمرار الانقسام وتراجع نزاهة الحكم في كلٍّ من الضفة والقطاع عزز مظاهر الفساد السياسي
استعرض السيد وائل بعلوشة، مدير مكتب أمان الإقليمي في القطاع، حول استمرار حالة انقسام السلطة الوطنية الفلسطينية في مكوناتها الثلاثة "التنفيذية والتشريعية والسلطة القضائية" في كلٍّ من الضفة الغربية وقطاع غزة، ورغبة السلطة السياسية الممسكة بالحكم في شقيْ الوطن في تعزيز مواقعها واستحواذها على مراكز اتخاذ القرار (لصالح السلطة السياسية) من خلال تبني سياسات واتخاذ قرارات لخدمة السلطة السياسية أو المنتفعين من وجودها دون أنْ تكون للمصلحة العامة، ما أدّى إلى تعميق الانفصال المؤسساتي.
تراجع الحالة الديموقراطية وإلغاء السلطة التشريعية المنتخبة
أشار التقرير إلى استمرار السلطة القائمة في قطاع غزة بالتفرد في إدارة الشأن والمال العام ولمصلحة استقرار سلطتها من خلال السيطرة على مراكز القرار في السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، وحافظت على بقاء مجلس تشريعي انتهت مدته الدستورية، وتحكمت في تشكيل مجلس قضاء، ناهيك عن الامتناع عن إجراء انتخابات لمجالس الهيئات المحلية في قطاع غزة؛ إذ رفضت إجراء الانتخابات لمجالس الهيئات المحلية في القطاع في الأعوام 2012 و2017 و2021و2022 التي جرت فيها انتخابات الهيئات المحلية في الضفة الغربية فقط، وأبقت السلطة القائمة في قطاع غزة على وسيلة الاختيار والتعيين لأعضاء المجالس الجدد عند إجراء تغييرات في عضوية المجالس البلدية في قطاع غزة.
اعتماد المحسوبية في التعيينات للوظائف العليا في كل من الضفة والقطاع
استمر تحكم السلطة التنفيذية في الوصول إلى الحكم ومراكز اتخاذ القرار من خلال استمرار السلطة السياسية الفلسطينية في التحكم بالتعيينات المرتبطة بمراكز اتخاذ القرار دون الاستناد لمبدأ الشفافية ولمعايير الكفاءة والجدارة والإنصاف والأهلية وإنّما لمعايير أخرى مرتبطة بدرجة الولاء للنظام الحاكم. واستمرت السلطة القائمة في قطاع غزة باحتكار سلطة مجلس الوزراء بالتحكم في تعيين الجسم الإداري المسؤول عن إدارة الشأن والمال العام.
استمرار محاولات تضييق على فضاءات المجتمع المدني من خلال فرض طلب تصريح أو إشعار لوزارة الداخلية
شهد العام 2022 فرض السلطة القائمة في قطاع غزة إجراءات تضييقية على عمل منظمات المجتمع المدني والتجمع السلمي من خلال فرض طلب تصريح أو إشعار لوزارة الداخلية (جهاز الشرطة/ قسم مباحث المؤسسات)، يحدد طبيعة النشاط وحيثياته قبل موعد النشاط بعدة أيام، إذ قامت أجهزة الأمن بإيقاف ومنع بعض النشاطات المقامة في أماكن مغلقة مثل احتفالية اليوم العالمي لحقوق الإنسان، ومنع عقد ورشة عمل في مقرّ مؤسسة فلسطينيات، ومنع نشاط رياضي للفتيات دون سنّ 12 عاما بحجة عدم ملاءمته للقيم الاجتماعية والإسلامية، واستدعاء أحد أفراد المؤسسة لقسم المباحث لاستجوابه حول معلومات تفصيلية عن النشاط.
استمرار هذه الإجراءات استهدف المساس بحرية عمل الجمعيات الخيرية، وشكّل مخالفة للقوانين الفلسطينية الخاصة بالحق في تشكيل الجمعيات الخيرية والتجمع السلمي، وإضعافاً لنزاهة الحكم من خلال اتخاذ سياسات وقرارات وإجراءات تخدم اعتقادات وتوجهات الحزب الممسك بالسلطة القائمة بقطاع غزة لتدجين حراكات المجتمع الفلسطيني.
رصد أمان تعيينات لكبار المسؤولين لشغل المواقع الإدارية العامة
لاحظ التقرير استمرار السلطة القائمة في قطاع غزة في تعزيز سيطرتها على المراكز العليا في منظومة الحكم بتبني سياسة إدارية مركزية بواسطة لجنة متابعة العمل الحكومي التي احتكرت سلطة التعيين لكبار المسؤولين لشغل المواقع الإدارية الهامّة، إذ مارست سياسة تدوير مواقع المسؤولين في مراكز الحكم والإدارة، كان جلّهم من مؤيدي الحركة، وعززت الإمساك بالسلطات العامة الرئيسية وأخضعت قراراتها لمصلحة السلطة السياسية.
التشاركية والشفافية في إدارة المال العام في قطاع غزة
لم تقُم السلطة القائمة بالحكم في قطاع غزة بنشر أيٍّ من بنود الموازنة العامة سواء الإيرادات العامة التي تجبيها من المواطنين أو النفقات العامة التي يتمّ إنفاقها، وما زالت تمتنع عن إجراء مشاورات مع منظمات المجتمع المدني لتحديد الأولويات والحاجات الوطنية، ولم يتم إصدار بيانات دورية عن كيفية إدارتها لموازنة عام 2022. كما استمرت السلطة القائمة في قطاع غزة في العام 2022 بمناقشة عدد من مشاريع القوانين واللوائح، مثل مشروع قانون الأراضي الجديد ونظام مشاريع توليد الطاقة الكهربائية من مصادر الطاقة المتجددة ولائحة تنظيم نشاط شركات الطاقة المتجددة، دون مشاورات أو نقاش مجتمعي من قبل الأطراف المختلفة والشركاء من القطاعيْن الخاص والأهلي كمنظمات المجتمع المدني ومراكز البحث المختصة والاتحادات والنقابات الشريكة.
إضافة لذلك، أصدرت لجنة متابعة العمل الحكومي وثيقة الإطار الاستراتيجي للأعوام 2022-2024 وخطة التنمية للأعوام 2022-2024 للمحافظات الجنوبية بشكل منفرد دون إشراك منظمات المجتمع المدني.
واقع عمليات الشراء العام ومدى شفافيتها في قطاع غزة
شهد العام 2022 الإعلان عن 112 عطاءً على الموقع الإلكتروني لوزارة المالية في قطاع غزة لعدد من الوزارات والمؤسسات. ورغم التحسن في مجال نشر المعلومات المتعلقة بعملية المشتريات خاصة في وضع كراسة الشروط وقرار الترسية النهائي، إلّا أنّ هذه المنصّة ما زالت لا توفر معلومات تفصيلية متعلقة بالشراء العام؛ كنشر التقارير الدورية المتعلقة بحجم المشتريات الحكومية، ونشر ملخّصٍ لعقود المشتريات الموقعة مع الشركات، ونشر معلومات عن عقود الشركات التي تمّ التعاقد معها بشكل مباشر وأسباب التعاقد معها، ومصدر المبالغ المخصصة للمشاريع، والقائمة السوداء للمخالفين من الشركات المتعاقد معها على تقديم الخدمات والسلع في السنوات الماضية والعقوبات المفروضة عليها وفقاً للقانون.
ضعف الشفافية في إدارة موازنات قطاع الأمن وإدارة أراضي الدولة.
في قطاع غزة؛ استمرت الأجهزة الأمنية ووزارة الداخلية بعدم نشر الموازنة المخصصة لقطاع الأمن، كما لا يتمّ نشر معلومات حول ما يتعلق بالمشتريات الخاصة بقطاع الأمن.
لا تنشر الحكومة في كلٍّ من الضفة والقطاع أسماء الأشخاص المستفيدين من أراضي الدولة ولا تتيح للمواطنين حقّ الاطّلاع على البيانات المتعلقة بالأشخاص والمسؤولين والحزبيين الذين حصلوا على امتيازات خاصة بهم أو بأقاربهم للتصرف بأراضي الدولة والأملاك الوقفية، وشرط استخدامها في الضفة والقطاع أو الإجراءات التي اتخذت بحقهم في حال عدم الالتزام بالشروط المذكورة رغم تشكيل لجان حكومية لمجابهة التعدي على أراضي الدولة دون خطوات عملية لإنهاء هذه التعديات ودون نشر تقارير عن أعمال هذه اللجان.
استمرار ضعف الرقابة الرسمية على السلطة السياسية... واقع فاعلية نظم المساءلة
في قطاع غزة، استمر ديوان الرقابة المالية والإدارية بتقديم تقريره السنوي إلى المجلس التشريعي (كتلة الإصلاح والتغيير) عن أعماله الرقابية على المؤسسات الحكومية والمجالس المحلية والأهلية، لكن دون نشره، الأمر الذي حَال دون معرفة مدى استجابة هذه المؤسسات لتقارير الديوان في قطاع غزة. ورغم المطالبات المتعددة للمجلس التشريعي بضرورة إتاحة نشر تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية إلّا أنّه لم يتم حتى انتهاء العام 2022 نشرُ التقرير ولا ملخصٍ عنه.
لا تقدم معظم المؤسسات العامة في قطاع غزة بما فيها الوزارات والهيئات غير الوزارية تقارير سنوية عن أعمالها خلال العام 2022، وتقتصر فيما تنشره في بعض التقارير على الإنجازات دون ربطها بخطط الوزارة والتحديات التي تواجهها وما لم تنجزه من خططها المقرّة والمعتمدة، وما زال عددُ المؤسسات العامة التي تنشر تقاريرها محدوداً جداً.
تقاريرالشكاوى الحكومية ما زالت تقليدية
في قطاع غزة، فقد بلغ عدد الشكاوى الواردة لديوان المظالم والمؤسسات العامة خلال الفترة الواقعة ما بين 1/1/2022–31/12/2022 نحو 25,880 شكوى. تمّ إغلاق 24,464 منها، فيما ما تزال 1,416 غير مغلقة.
تتعلق أغلب الشكاوى الواردة إلى وزارة العمل بالاستفادة من برنامج التشغيل المؤقت، واستفسارات حول ملف تصاريح العمل في إسرائيل، أما وزارة التنمية الاجتماعية فكانت 96% من الشكاوى تتعلق بالمنحة القطرية، وشكاوى تتعلق بملف شهداء حرب 2014، وحول حالات الترميم لبيوت الأسر الفقيرة، وشكاوى لها علاقة بالتأمين الصحي، وأخرى حول سوء الوضع الاقتصادي والاجتماعي بسبب تأخر صرف المساعدات النقدية "شيك الشؤون"، وشكاوى المساعدات الطارئة بدل علاج. فيما كانت أهم الشكاوى في وزارة الداخلية تتعلق بسوء تعامل الموظفين، وطبيعة الخدمات المقدمة من الوزارة، والتعسف في استخدام السلطة، والاحتجاز غير القانوني، والحق في الوظيفة العامة، وعدم تنفيذ قرارات المحاكم وغيرها.
تشكيل لجنتيْ تقصي حقائق من قبل كتلة التغيير والإصلاح في المجلس التشريعي دون الإفصاح عن نتائجهما
شهد العام 2022 تشكل لجنتيْ تقصي حقائق تتعلقان بشبهات ومخالفات بعض الشركات العاملة في المجال الزراعي، وأخرى حول شبهات مخالفات مثارة بشأن بلدية النصيرات. كما تمّ توجيه ثلاثة أسئلة لكلٍّ من رئيس لجنة متابعة العمل الحكومي بخصوص أحداث القرية البدوية، وآخر لوكيل وزارة التنمية الاجتماعية حول ما جاء في تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية بخصوص المساعدات الطارئة الواردة إلى قطاع غزة خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أيار/ مايو 2021، والسؤال الثالث كان لوكيل وزارة السياحة والآثار حول المنشآت السياحية، لكن دون الإعلان عن نتائج أيٍّ منها.
ما زالت السلطة القائمة في قطاع غزة لم تفعّل قانون الكسب غير المشروع ولا يتمّ الإفصاح عن الذمة المالية لأعضاء لجنة متابعة العمل الحكومي وأعضاء المجلس التشريعي "كتلة التغيير والإصلاح" وكبار المسؤولين. كما لم يتم إصدار أيّ تشريعات تتعلق بتجنب تضارب المصالح، ونظام الهدايا، وحماية الشهود والمبلغين عن الفساد.
استعادة الحياة الديمقراطية تتطلب تحديد موعد لاجراء الانتخابات العامة
وأجمل دكتور كمال شرافي جملة من التوصيات التفصيلية بناء على النتائج والاستخلاصات، على رأسها ضرورة تبني استراتيجية عامة إصلاحية لتعزيز النزاهة السياسية كمدخل ضروري لمكافحة الفساد، من خلال الاعلان فورا عن موعد لإجراء الانتخابات العامة وتشكيل حكومة وطنية لاستعادة الحياة الديمقراطية ومدخلا ضروريا لإنهاء الانقسام وتجفيف البيئة الحالية المعززة للفساد السياسي، ودعوة مؤسسات المجتمع المدني بكافة أشكالها من اتحادات ونقابات وجمعيات وغيرها لتشكيل تحالف وطني للضغط من أجل اجراء الانتخابات وتقديم مقترحات للقيادة لتذليل التحديات أمام اجرائها ولحشد المجتمع الدولي بهدف الزام الاحتلال ببرتوكول الانتخابات المتفق عليه مع السلطة الوطنية بضمان إجرائها في القدس.