تكاد محافظة سلفيت ان لم تكن فعلاً الامور "حسمت" فيها لصالح الاستيطان الاستعماري غير الشرعي الذي يشيده دولة الاحتلال في الاراضي الفلسطينية منذ احتلالها التي تأتي ذكراها السادسة والخمسين فيما يعرف بنكسة حزيران حيث تمتد المشاريع الاستيطانية منذ العام 1968 على اراضي المحافظة وحتى اليوم، وعندما يتم استخدام مصطلح حسمت فان هذا لا يعني بطبيعة الحال الاعتراف بسياسة الامر الواقع الاحتلالي على الاطلاق او تفسير امكانية التعايش مع هذا الواقع .
وبالعودة لهذا الموضوع يمكن القول ان سلفيت التي نهش ارضها وحش الاستيطان هي المحافظة الوحيدة التي يزيد عدد المستوطنين فيها عن عدد السكان، وسلفيت لمن لا يعرف ايضاً هي المحافظة الوحيدة التي يزيد عدد المستوطنات فيها عن عدد القرى الفلسطينية 21 قرية 24 مستوطنة هذا عدا عن كونها تضم اكبر او احدى اكبر التجمعات الصناعية في الضفة الغربية المسمى منطقة بركان الصناعية التي تضم عشرات المصانع التي نقلت بطريقة غير مشروعة من الداخل لصالح مشروع غير مشروع في قلب الضفة الغربية وما تنشره من تلويث للبيئة والارض، وتدمير للمزروعات والحقول، واغلاق مساحات شاسعة مما تبقى من اراضيها لاسباب امنية او عسكرية او غيرها، وايضا هناك منطقة واد قانا التي يجري الاستيلاء عليها تحت مسمى محمية طبيعية اضافة لمصطلحات قانون املاك الغائبين او ما يسمى اراضي اميرية او اراضي دولة وكلها تم اقرار قوانين لها بما يخدم ويغذي التطبيق الفعلي العملي المباشر لنهب الارض واحكام القبضة عليها، وسلفيت لمن لا يعرف في ذات السياق تقع على احدى اهم الاحواض المائية التي تمثل مطمعاً هاماً للاحتلال اضافة لتربعها جغرافيا على موقع مطل على مناطق الداخل المحتل الامر الذي يجعلها تتمتع باهمية استراتيجية ويضعها بطبيعة الحال في عين المطامع الحساسة بالنسبة للاحتلال .
وشهدت المحافظة بدايات المشروع الاستيطاني فيها بعيد الاحتلال فورا وصولاً لبدء انشاء مستوطنة ارئيل وهي احدى الكتل الاستيطانية (المدن) التي تضم كل مقومات المدن الرئيسية داخل الخط الاخضر ففيها جامعة ومرافق خدماتية تضاهي تل ابيب او غيرها من المدن ويتم وصفها اي ارئيل بانها الحديقة الخلفية لتل ابيب ووضع حجر الاساس لها وزير جيش الاحتلال في حينه ارئيل شارون نهاية سبيعينات القرن الماضي وسميت على اسمه، ومن هذا نستدل بما لا يجعل مكان للجدل الاهمية التي تعكس التوجهات الايدولوجية لما يجري في الاراضي الفلسطينية والتي لا تختلف الا في بعض القضايا الشكلية لكن جذر المشروع الاستيطاني هو ذاته القائم على طرد العرب وتطهير البلاد من اصحابها، وممارسة كل اشكال الاقتلاع بكل الوسائل للاستيلاء على الارض وما سلفيت الا مثالاً حيا مباشراً لهذا المشروع والتوجهات العنصرية القائمة على نفي الاخر، والسعي لانهاء وجود الشعب الفلسطيني برمته .
وبالامس القريب قبل ايام قليلة فقط تم الاعلان عن مخطط قديم جديد للاستيلاء على الاف الدونمات من اراضي سلفيت يشمل اكثر من 10 الاف دونم غالبيتها اراضي زراعية وتمتد المساحة التي تقع في اراضي غرب المحافظة لمسافات شاسعة تصل الى سينيريا في محافظة قلقيلية لصالح اقامة وتوسيع مناطق صناعية وسياحية، ووحدات استيطانية اضافة الى طرق رابطة بين المستوطنات ومقبرة، ومنطقة صناعية جديدة، وشبكات مياه وكهرباء، وخدمات اخرى الى جانب الاثار التدميرية للاشجار والمزروعات والاراضي ومن شأن تطبيق هذا المخطط ان يضع موضع التطبيق العملي فصل الضفة الغربية وسطها عن شمالها وجنوبها ويعزل عشرات القرى ويمنع حرية الحركة والتنقل فالاستيطان في سلفيت هو نقطة ارتكاز هامة في المشروع الجاري تنفيذه ولو نظرنا لمنطقة ما يعرف بحاجز زعترة واتجهنا غربا فأن الامتداد والاستيطان يتواصل دون انقطاع بشريط عريض وواسع ملتهماً عشرات الاف الدونمات وصولاً لمدينة راس العين، وملبس وتل ابيب في خط متواصل ولا تحتاج الى الكثير من الذكاء اذا انطلقنا من نفس المنطقة شرقاً اي من حاجز زعترة لوصلنا للاغوار بشريط مماثل وكلنا يعرف ايضاً الاهمية البالغة للاغوار التي تعتبر السلة الغذائية للضفة الغربية بمعنى اخر ما يجري في سلفيت يشطر الضفة الغربية الى شطرين منفصلين تماماً وهو ما يعني بصورة ادق ان الدولة الفلسطينية العتيدة في الضفة الغربية قد اصبحت في خبر" كان" انهاء فعلي لامكانية قيام الدولة المستقلة ذات التواصل الجغرافي استيلاء على ثروات طبيعية، ومحميات ومياه هائلة وتقطيع للارض وتحويلها الى معازل، وفرض امر واقع لتكون الصورة حسب المخطط لا تحتمل الا حلين حل الضم لدولة الاحتلال وجرى الحديث عنه علناً مع تشكيل حكومة الاحتلال الحالية مع فرض اجراءات عنصرية على السكان، وعدم منحهم الهوية والعديد من الاجراءات المماثلة هذا اولا او الابقاء على الوضع الحالي مع فرض قيود اكثر صرامة مما يجبر السكان والقرى على المغادرة وهو ما يطلق عليه " الهجرة الناعمة" اي اجبار الناس مع صعوبة استمرار العيش حيث لا مساحة للمزارع، ولا مقومات حياة تليق بالبشر على البحث عن منافذ اخرى هذا جوهر المخطط الجاري بعقلية المحتل الذي يحاول بكل ضراوة نفي الرواية بل هو يحارب على ابسط الامور خذوا مثلا ينابيع المياه في المحافظة فعلاً لا احد يستطيع الوصول اليها انتشار الخنازير البرية المتوحشة التي تمنع المزارع من الوصول الى ارضه، وسلفيت كانت الاولى في اطلاق الخنازير فيها اليوم اصبحت رحلة للوصول لحقل الزيتون محفوفة بالمخاطر بكل معنى الكلمة ناهيك عن اطلاق يد المستوطنين، ومنع الناس من قطف الزيتون وممارسة كل اشكال التعدي على الحقوق الفلسطينية هذا نذر يسير مما يجري في محافظة الزيتون كما تعرف .
وهذا تلخيص مكثف لواقع الحال اليومي نسرده ليس من باب اليأس ولا اللطم على الخدود وليس من اجل جعل هذه الصورة بكل ما تحمل مداعاة للتعاطي مع ما يجري من واقع مؤلم وخطير، وانما هي دعوة لنا جميعاً على المستوى السياسي الوطني الشعبي على السلطة ومرجعيتها منظمة التحرير، وعلينا العمل اليوم قبل الغد بارادة حقيقية وجدية ومساعي ضمن هامش ما هو متاح وطنياً وشعبياً لتجنيد كل الطاقات والامكانات لانجاح حملات التصدي في سلفيت لا اقول هنا وحدها فواقع الحال في كل الارض الفلسطينية مشابه ولا يختلف عما يجري الخان الاحمر، مسافر يطا، او القدس او الاغوار ولكن سلفيت تنزف ويتم تكريس واقع فيها من شأنه حسم الصراع، ولا احد يغرر او تنطلي عليه زيف المصطلحات الذي تحاول بثه والحديث عنه (استملاك للصالح العام) وفقاً للامر العسكري للاستيلاء على اراضي بلدتي بروقين وسرطة غرب سلفيت 42 دونماً اعلن عنه امس الاول وهو امتداد لذات المخطط الذي كشف النقاب عنه قبل ايام لمصادرة عشرات الاف الدونمات في المحافظة فالمشروع الصهيوني هو (استملاك للصالح العام) ولكن استملاك للارض على حساب سكانها واصحابها الذين ورثوها وهو قلب ونسف للصفة القانونية لها وسرقتها تحت مسميات براقة منها " المحميات الطبيعية" التي تخدم مشروع الاستيطان.
اذا لم يكن تحرك فاعل ومسؤول وجدي امام ما يجري في سلفيت هذه الايام على كل المستويات فأن البديل هو تطبيق قانون الاحتلال فيها واضفاء الصفة الرسمية للضم والتوسع، ووضع اليد عليها مطلوب اليوم عبر صرخة ونداء اهالي سلفيت انقاذ المحافظة قبل ان تغرق في بحر الاستيطان الجارف ومدها بمقومات الصمود والبقاء والعمل بارادة من الجميع للتصدي لهذا المشروع الخطير المدمر سلفيت تستغيث تئن تحت وطأة الضم والتهويد لماذا لا يتم العمل على اتخاذ قرار بوقف العلاقة مع حكومة اليمين المتطرف من زاوية وقف الاستيطان في سلفيت والمخططات الاخيرة فيها!!! ولماذا لا تعقد الحكومة اجتماعها القادم في سلفيت مع الامناء العاميين لكل الفصائل والقوى وليكن مؤتمراً شعبياً بعكس ارادة التمسك بالارض والحقوق الوطنية ويعالج قضايا الناس ويعمل على تلبية مقومات وشروط الحياة !! مطلوب العمل دون تأخير ودون تباطؤ.