صدى نيوز -(أ ف ب) -وافق طرفا الصراع في السودان الجمعة على هدنة جديدة قصيرة، وفق ما أعلنت الوساطة السعودية-الأميركية، بعد ساعات من إعلان الحكومة السودانية مبعوث الأمم المتحدة شخصا "غير مرغوب فيه" واتهامه بالانحياز.
ومنذ بدء النزاع في 15 نيسان/أبريل بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، أبرم الجانبان اتفاقات لوقف إطلاق النار، سرعان ما كان يتمّ خرقها.
وأعلنت الرياض وواشنطن موافقة الجيش وقوات الدعم على "اتفاق وقف إطلاق نار في كافة أنحاء السودان لمدة 24 ساعة اعتباراً من الساعة السادسة من صباح يوم 10 حزيران/يونيو 2023" (الرابعة فجرا ت غ)، وفقا للخارجية السعودية.
وعكست الرياض وواشنطن اللتان تقودان وساطة شملت مباحثات في مدينة جدة، خيبتهما من فشل كل محاولات التهدئة.
وأكدتا أنهما "تتشاركان مع الشعب السوداني حالة الإحباط من عدم الالتزام بالهدن السابقة، وعليه تم اقتراح هذه الهدنة لتيسير وصول المساعدات الإنسانية وكسر حالة العنف والمساهمة في تعزيز تدابير بناء الثقة بين الطرفين مما يسمح باستئناف مباحثات جدة".
وأعلن الوسيطان الأسبوع الماضي تعليق المباحثات بعد قرار الجيش الانسحاب منها واشتراطه خروج قوات الدعم من المنازل والمستشفيات. لكنهما حضّا طرفي النزاع على إبرام اتفاق جديد، وأكدا بقاء ممثلَي الطرفين في جدة على رغم تعليق المفاوضات المباشرة.
وحذّر بيان الجمعة من أنه "في حال عدم التزام الطرفين بهذه الهدنة، فسيضطر المسيّران الى تأجيل محادثات جدة".
ويأتي إعلان الهدنة بعد زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الى الرياض، حيث أقر نظيره السعودي فيصل بن فرحان بأن مساعي وقف النزاع لم تحقق "نجاحًا كاملًا". لكنه أكد استمرار التعاون مع واشنطن في الملف.
وأودى النزاع بأكثر من 1800 شخص، حسب مشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح (أكليد). إلا أن الأعداد الفعلية للضحايا قد تكون أعلى بكثير، بحسب وكالات إغاثة ومنظمات دولية.
ووفق المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، تسبّب النزاع بنزوح حوالى مليوني شخص، بينهم أكثر من 476 ألفا عبروا الى دول مجاورة.
وسبق إعلان الهدنة توتر إضافي بين سلطات الخرطوم التابعة للبرهان، والأمم المتحدة ممثلة بالألماني فولكر بيرتس، مبعوث أمينها العام للسودان.
فقد أعلنت الخارجية السودانية أن الحكومة "أخطرت الأمين العام للأمم المتحدة بإعلان فولكر بيرتس (...) شخصا غير مرغوب فيه، وذلك من تاريخ" الثامن من حزيران/يونيو.
وأتى ذلك بعد طلب البرهان أواخر أيام/مايو من الأمين العام أنطونيو غوتيريش استبدال بيرتس، متّهما إياه بتأجيج النزاع. الا أن الأمين العام جدد في حينه "ثقته الكاملة" بمبعوثه.
وقال مصدر حكومي سوداني لفرانس برس الجمعة إنه نظرا لعدم استجابة الأمين العام لطلب البرهان لم تجد الحكومة السودانية بدّاً من اتخاذ هذا القرار".
وتابع المصدر أن بيرتس "انحاز الى أطراف سياسية محددة وشدد على أن تقتصر العملية السياسية على أطراف معينة وتستبعد آخرين".
واعتبر الباحث في جامعة غوتنبرغ السويدية علي فرجي أن البرهان يسير على خطى الزعيم السابق عمر البشير الذي سبق أن طرد المبعوث الأممي يان برونك في العام 2006.
وأضاف لفرانس برس "كما في ذلك الحين، التركيز على بيرتس هو في المحصلة ملهاة عن الصور الأوسع: ما الذي سيمكّن الأمم المتحدة بأن تكون أكثر فاعلية في خضم ما قد تكون أزمة وجودية بالنسبة الى السودان؟".
واعتبر أن "محاولة الحفاظ على منصب بيرتس لن يساعد كثيرا في حلّ القضايا الأكبر التي يواجهها السودان الآن".
واتهم البرهان في رسالته الى الأمم المتحدة بيرتس على وجه الخصوص بأنه "أخفى" في تقاريره الوضع في الخرطوم قبل اندلاع المعارك. وقال إنه لولا "هذه الأكاذيب" ما كان قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، "ليطلق عملياته العسكرية".
ومطلع حزيران/يونيو، مدد مجلس الأمن الدولي لستة أشهر مهمة "بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان" (يونيتامس)، وعلى رأسها بيرتس.
وكانت البعثة أنشئت في حزيران/يونيو 2020 لدعم الانتقال الديموقراطي في السودان بعد الإطاحة بنظام البشير. ومددت مهمتها بشكل سنوي لعام واحد.
ميدانيا، تواصلت المعارك الجمعة في مناطق عدة خصوصا في الخرطوم.
وأفاد شهود فرانس برس عن سماع "أصوات اشتباكات قرب مصنع اليرموك" للصناعات الدفاعية التي كانت قوات الدعم السريع أعلنت الأربعاء سيطرتها عليه.
ويعدّ المجمع الواقع في جنوب العاصمة، أبرز منشآت التصنيع العسكري في السودان. وتعرّض في تشرين الأول/أكتوبر 2012 لقصف جوي اتهمت الخرطوم إسرائيل بالوقوف خلفه، وهو ما لم تعلّق عليه الأخيرة بشكل رسمي.
ويشهد محيط المجمّع منذ الأربعاء اشتباكات، رافقها اندلاع حريق جراء انفجار أحد صهاريج تخزين النفط في منشأة الشجرة للنفط والغاز المجاورة.
وأكد شهود الجمعة أن سحابة الدخان الناتجة عن الحريق لا تزال ظاهرة.
وتقع المنشأة على مسافة قريبة من المجمع العسكري المترامي الأطراف، وتحيط بها أحياء سكنية.
وفي شرق الخرطوم، أفاد سكان عن قصف جوي من الطيران التابع للجيش، وسماع أصوات رشاشات ثقيلة مضادة للطيران.
وتكرر المنظمات الإنسانية التحذير من خطورة الوضع الإنساني في السودان.
ووفق ما تؤكد مصادر طبية، باتت ثلاث أربع المستشفيات في مناطق القتال خارج الخدمة. ويخشى أن تتفاقم الأزمة مع اقتراب موسم الأمطار الذي يهدد بانتشار الملاريا من جديد وانعدام الأمن الغذائي وسوء تغذية الأطفال.
وتفيد تقديرات الأمم المتحدة بأن 25 مليون من أصل 45 مليون نسمة عدد سكان في البلاد يحتاجون الى مساعدات.