رام الله - صدى نيوز - لفظ ببضع كلماتٍ وهو يحتضر، بعد أن تلقى الرصاصات الغادرة في صدره، وقال لمرافقيه في السيارة التي نقلته إلى المستشفى في محاولة يائسة لإسعافه "يعلم الله أنني ما فعلت شيئا إلا من أجل وطني".. هذه كانت آخر كلمات المفكر المصري  فرج فودة قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد إطلاق الرصاص عليه من جانب متطرفين مصريين في العام 1992 .

وكشف الدكتور مدحت خفاجي، أستاذ الجراحة، والذي كان ضمن الفريق المعالج للدكتور فودة في غرفة العلميات التي نقل إليها عقب إطلاق النار عليه، أن الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك كان يتصل بالمستشفى كل ربع ساعة، ويطلب معرفة آخر التطورات بالنسبة لحالة المفكر الراحل، ويشجعهم ويطالبهم ببذل كل الجهد من أجل إنقاذ حياته.

وقال الدكتور خفاجي إن رئاسة الجمهورية خصصت خطا ساخنا مع المستشفى لإبلاغ الرئيس أولا بأول بتطورات حالة فودة، ومثل خبر إعلان وفاته صدمة للرئيس وصدمة للجميع بعد أن نفذت إرادة الله.


الواقعة وتفاصيلها يرويها الدكتور مصطفى الفقي، سكرتير الرئيس مبارك السابق للمعلومات ومدير مكتبة الإسكندرية الحالي، خاصة أنه كان من يتصل بالمستشفى، ويبلغ مبارك أولا بأول بحالة المفكر الراحل.

ويقول في مقال له نشر بصحيفة" المصري اليوم" في يوليو من العام 2013 إنه بعد أن بذل الفريق الطبي بقيادة جراح القلب الشهير نقيب الأطباء السابق د.حمدي السيد جهدا كبيرا في إنقاذ حياة فودة، نفذت إرادة الله فقد كانت أسبق وأقوى، وليلتها كنت أتابع الموقف مع المستشفى كل عشر دقائق، وأبلغ الرئيس الأسبق مبارك بالتطورات، وعندما أعلن الجراح الكبير أن الله قد استرد وديعته شعرت بأن فصلاً في حياة هذا الوطن قد انتهى فجأة، خصوصاً أن ذلك المفكر المتميز قد رحل عن عالمنا، بعد مقال له في مجلة "أكتوبر" انتقد فيه أحد الأئمة .

وقال الفقي لقد ظهرت فتاوى غير مسؤولة تهدر دم فودة، وتبيح أمام ضعاف العقول وموتى القلوب قتل ذلك المجتهد، الذي قدم قراءة مختلفة لكثير من المواقف الإسلامية وطرح قضايا يعزف الكثيرون عن التطرق إليها، ولست أنسى جلساتنا معاً بعد صلاة الجمعة كل أسبوع في الصالون الثقافي للواء الدكتور عبدالمنعم عثمان، مدير مركز القلب في مصر الجديدة، حيث تلتقى نخبة من المسؤولين والمثقفين في منزل ذلك الرجل، وكان فودة يطل علينا بأفكاره الجديدة ورؤاه المختلفة وفكره المتوهج وحماسه المتألق، بعد أن قرأ كثيراً وأبحر طويلاً، وأصدر كتباً، وقدم دراسات وكتبا ومقالات، تمثل بحق رؤية عادلة للإسلام الحنيف وسماحته المبهرة.


وأضاف سكرتير مبارك قائلا: على الرغم من أن فودة يحمل الدكتوراة فى علوم الزراعة فإن اطلاعه الموسوعي وحرصه على احترام العقل جعله يؤمن بأن الإسلام العظيم قد جعل التفكير فريضة وفتح باب الاجتهاد أمام كل المؤمنين.

وتابع الفقي: ترجع صلتي بالراحل فودة إلى سنوات الشباب، عندما كنا معاً جزءاً من جيل منظمة الشباب العربي الاشتراكي في العصر الناصري بأمجاده وشوامخه وتحدياته، وقتها كان فودة متميزاً وواعداً ومختلفا، وما زلت أتذكر عندما أوفدني الرئيس الأسبق مبارك إلى الكاتدرائية المرقسية لمقابلة قداسة البابا الراحل شنودة الثالث لاستطلاع رأيه فيمن يرشحهم من الأقباط لعضوية مجلس الشورى بالتعيين، وفوجئت بالبابا شنودة يملي على اسماً واحداً هو الدكتور فودة.

وواصل الفقي شهادته: أبديت دهشتي للبابا الراحل، وقلت له إن فودة مسلم، فقال لي لا يوجد لدى فرق بين مسلم ومسيحي، إنما أريد فقط من يدافع عن قضايا الإنسان وحقوقه، ويؤمن بالعدل والمساواة بين أبناء الوطن الواحد، ويدعو إلى المحبة والتسامح، مثلما يفعل فودة فيما يقوله وما يكتبه.

العربية