إن المتشائمين ومتوقعي الكوارث والملمات في بلادنا هم الأكثر عددا، لأن نشر وتوزيع التشاؤم والإحباط يتم بالعدوى السريعة، فهو يماثل نشر الإنفلونزا، إنَّ المحبطين والمتشائمين لا يرتاحون إلا عندما يوقِعون الضحايا في شباكهم، فنشر الإحباط والتشاؤم أسهل بكثير من بثِّ روح المرح والسعادة!
لذلك لم تعد تحليلات وتوقعات الاستبشار والسعادة هي الأحاديث المرغوبة في مجتمعنا، لقد أصبح توقُّع المآسي والكوارث هو الحديث الجاذب والأكثر شعبية وهذا دليل على مرض اجتماعي خطير!
هذا الاستنتاج أعادني مرة أخرى إلى كثيرين من الباحثين والكتاب ممن راقبوا نفسيات الشعوب وحاولوا أن ينشروا التفاؤل بدلا من التشاؤم، لأن التشاؤم يقضي على العمل المنتج وينشر اليأس في نفوس الجميع، ما يحوِّل المجتمع السليم إلى مجتمع سقيم غير منتج، فيصير المجتمع طاردا للمتفائلين قاتلا للسعادة في مهدها!
افتنَّ علماء كثيرون في إنقاذ البشر من هذه الكارثة، سأظل أتذكر كتابا مُهما قرأته في ثمانينيات القرن الماضي، اسمه (قوة التفكير الإيجابي) للكاتب نورمان بيل، بلغ عدد الكتب المطبوعة من هذا الكتاب في ذلك التاريخ أكثر من خمسة ملايين نسخة، وكان للكتاب أثر بالغ في سيرة حياة كثيرين من القادة في العالم، أثَّر الكتابُ كذلك على حياة ملايين البشر، وتمكن من إشفاء عدد كبير من المحبطين واليائسين، وأصبحوا متفائلين حالمين!
بدأ نورمان كتابه بعنوان بسيط وهو، ثِق في قدراتك، فمن لا يثق بنفسه وقدراته فإنه لن يبلغ مراده، لأن صدمات الحياة تهزم كثيرين، تصيبهم بمرضٍ نفسي خطير، والحل الوحيد هو تحويل الهزيمة إلى دافع محبوب لإعادة الثقة بالنفس وقدراتها!
حكى في كتابه قصصا عديدة عمن لجؤوا إليه ليساعدهم، وهو يصف أحد كبار رجال الأعمال ممن طالهم الإحباط واليأس بعد انهيار رصيدهم المادي وإفلاسهم قال: "جاءني رجل أعمالٍ فوق الخمسين من العمر وهو يبكي ويقول: لقد انتهى كل شيء لا فائدة لم يبقَ لي شيءٌ أبدا، قلت له: اجلس، هل لك زوجة؟ قال نعم وهي امرأة رائعة لن تتركني حتى بعد إفلاسي، هل لك أطفال؟ لدي ثلاثة أحبهم، وهم يحبونني، هل لك أصدقاء؟ نعم لي أصدقاء لطيفون، عرضوا عليَّ مساعدتهم، هل أنت بصحة جيدة؟ نعم، هل ارتكبت خيانة في عملك؟ لا، فأنا مخلص في عملي!
إذاً، فأنت تملك رصيدا كبيرا من سعادة الحياة وما إفلاسك المالي سوى عارض بسيط يُصيب كثيرين، لماذا غيَّبتَ كل بواعث السعادة التي ذكرتها، وظننت أن إفلاسك سيكون هو النهاية؟! بسرعة، بدأت تظهر على وجه هذا الرجل ابتسامة كانت مخبوءة في أعماقه، وشرع في الحديث بتحدٍ عن رغبته في مواجهة أزمته المالية، وقال: سأبدأ من جديد"!
في الكتاب نفسه وصفات علاج عديدة، بخاصة عندما لا يجد الشخص طبيبا وناصحا مرشدا يساعده على التخلص من تشاؤمه!
وصف الكاتب علاجا بسيطا وسريعا قال: خذ قلما وورقة، واسرد فيها إيجابياتك، وما إن تنتهي من سردها حتى تشعر بأن هناك طاقة جديدة بدأت تتشكل في نفسك تُزيل عنك الكآبة واليأس، تجنب التفكير في الهزيمة والإحباط، حاول وأنت تقرأ أن تقتبس كل ما يدعو للتفاؤل والقوة والثقة بالنفس!
في هذا الكتاب المهم برامجُ لإعادة الثقة بالنفس لمن اغتالت منهم المصائب ثقتهم بأنفسهم، أبرزها: يجب أن تتخيل نفسك رجلا ناجحا، وامنع محو هذه الصورة من مخيلتك، ألغِ كلَّ فكرة سلبية مُحبطة، لا تضع عوائقَ أمام خيالك المستبشر، ادرس هذه العوائق لمواجهتها، فككها إلى أجزاء صغيرة حينئذٍ ستجد أنها سهلة الحل، لا تتأثر بالآخرين ولا تقيس تجربتك بمقياس غيرك، لأنك مختلف عنهم، لا تنسَ أن تستشير ناصحا يحظى بثقتك! أفرغ عقلك كل يومٍ مرتين لهذا الناصح، ثم اشحنْهُ بأفكار مملوءة بالجمال والسلام، استدعِ صورة البحر الجميل والواحات والغابات والجبال، تعوَّد على فترة صمتٍ يومية، فإنها فعالة في إبعاد الكآبة!
تذكَّر دائما: (كلُّ فريق رياضي يفكِّر في الهزيمة فإنه سيُهزم فعلا)!