في وقت تشتد فيه أزمات العالم المتعددة من حروب ومجاعات وتغير مناخي في ظل هذا النظام الدولي الأحادي المتهاوي ، وتتصاعد فيه الجرائم ضد شعبنا في محاولات تنفيذ مراحل متقدمة من مشروع الحركة الصهيونية الذي يواجهه شعبنا بالثبات والصمود والمقاومة الشعبية المتصاعدة .

فإن الأزمة الخاصة باللاجئين المستضعفين بالأرض والتي تتعدى حدود الدول لتأخذ الطابع الإنساني والبعد الدولي اصبحت تاخذ منحى شبهة الجرائم ترتكبها بعض حكومات الدول الاوروبية بتقاعسها عن عمليات الإنقاذ المفترضة لهؤلاء البشر المساكين ، حيث بعد انتشال حوالي ٨٠ جثة هامدة من بينهم فلسطينين من أبناء شعبنا اللاجئين من مخيمات سوريا ، فما يزال هنالك ٥٠٠ مفقود من ضمنهم ١٠٠ طفل على اثر حادثة غرق سفينة اللاجئين قبل اسبوع قبالة الشواطئ اليونانية . بمقابل كل الإمكانيات اللوجستية التي وضعتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على مدار الايام الماضية من أجل البحث عن خمسة أثرياء ذهبوا ضحايا ليشاهدوا في رحلة تحت الماء حطام السفينة "تايتنك" في غواصة خاصة " تيتان" انفجرت بهم ووجدوها أمس على بعد أمتار من حطام السفينة التي غرقت قبل مئة عام ، تلك هي سياسات النفاق وازدواجية المعايير حتى بالتعاطي مع قضايا البشر الإنسانية حين تصبح حياة خمسة افراد اهم من خمسمائة ما زالوا تحت مياه المتوسط منذ اسبوع مع توقف البحث عنهم ، رغم وجود إمكانيات الأسطول السادس الأمريكي وبحرية الناتو ، انها عقلية فكر النيوليبرالية المتوحشة الذي يسود انظمة الغرب .

لذلك وفي ظل تلك المفارقات الغير عادلة ، وامام هذا المنحى أحيت الأسبوع الماضي منظمات دولية وانسانية يوم اللاجئين العالمي الذي يصادف بالعشرين من هذا الشهر حزيران من كل عام ، وذلك للتذكير بالمعاناة والمشكلات التي واجهت اللاجئين عندما تركوا وما زالوا أوطانهم قصرا .

وهو يوم أممي حددته الأمم المتحدة تكريماً للاجئين في جميع أنحاء العالم ، يسلط الضوء على حجم هذه الماساة الانسانية التي تتسع من جهة ، وعلى عزيمة وشجاعة الأشخاص المجبرين على الفرار من أوطانهم هرباً من الصراعات أو الأضطهاد او الفقر من جهة اخرى .

 ان يوم اللاجئ العالمي مناسبة لقرع الجرس لحشد التضامن والتفهم لمحنتهم والأعتراف بعزيمتهم من أجل إعادة بناء حياتهم ، والعمل على محاولة حل قضاياهم في اوطانهم بالأساس للحد من هذه الظاهرة المتنامية اليوم ، أو على الأقل تمكينهم من العيش بظروف كريمة وانسانية بالدول التي لجأوا اليها قصرا أو نتيجة الظروف لحين عودتهم إلى اوطانهم عند انتهاء النزاعات وظروف القهر الاقتصادي والاجتماعي قي غياب العدالة والمساواة . 

ويحظى هذا اليوم بخصوصية كبيرة لدى شعبنا الفلسطيني الذي عانى اللجوء والتهجير القصري خلال جريمة النكبة وما تبعها من احتلال ما تبقى من اراضي فلسطين عام ٦٧ وما بعدها على اثر جرائم الاحتلال المستمرة ، حيث تعرض ما يقارب من مليون فلسطيني للجوء والتشرد في حينه نتيجة سياسات التطهير العرقي والاحلال الاستعماري وباعداد كبيرة اخرى في المراحل اللاحقة ، علمًا بأن عدد اللاجئين الفلسطينيين تضاعف عشرات المرات منذ نكبة عام ١٩٤٨ ، رغم القرارات الدولية الهامة التي صدرت للاجئين الفلسطينيين كان اهمها القرار رقم ١٩٤ الذي أكد على حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى بلادهم وحقهم بالتعويض إلى جانب الحق بتقرير المصير لشعب ما زال يتعرض لابشع جرائم الاستعمار الاحلالي الحديث ومحاولات تصفية قضيته بمسميات مختلفة اليوم . 

ومؤخرا يتزايد هذا العدد من اللاجئين خاصة خلال العقد المنصرم مع ابتداء موجات من اللجؤ الجديد لأبناء شعبنا من قطاع غزة على اثر حصار الأحتلال وسياسات الاضطهاد والتضييق على قطاعات شبابنا هنالك من جانب سلطات الأمر الواقع بالانقلاب الاسود ، كما واعداد اخرى من أبناء شعبنا اللاجئين اساسا في سوريا والعراق نتيجة ما آلت اليه الاوضاع خلال السنوات السابقة وحتى اليوم من صراعات ارتبطت بمشروع صهيو امريكي للمنطقة وبما سُمي بالربيع العربي نفذت خلاله عصابات الإرهاب والتكفير الجرائم بحق المواطنين هنالك واجبرتهم على اللجؤ القصري مرة اخرى .

ان رحلات اللجؤ بسفن الموت التي تكررت في شكل مأساة انسانية مستمرة منذ عام ٢٠١٤ مع بدء تدفق اللاجئين من دول الشرق الأوسط بما فيها فلسطين وتحديدا من قطاع غزة ومن شمال أفريقيا إلى أوروبا عبر اليونان ، ادت إلى فقدان مئات الآلاف أرواحهم منذ ذلك التاريخ من بينهم مئات من أبناء شعبنا الفلسطيني الفارين من أوضاع قطاع غزة الحبيب ، حيث ساهمت عصابات الانقلاب الأسود في ترتيبات خروجهم بالتعاون مع عصابات من مصر وتركيا بهدف تجارة المال عبر البحر إلى اليونان مقابل الاستحواذ على ٥٠٠٠ دولار عن كل شخص .

لقد فُقدت ارواح ما لا يقل عن ١١٦٦ مهاجرا أثناء محاولتهم عبور البحر الأبيض المتوسط ​​منذ بداية هذا العام من بينهم عدد من الشباب الفلسطيني .

هذه مأساة إنسانية ، تتطلب مسوؤلية دولية جماعية وملاحقة عصابات تجار الموت الذين يستغلون طالبي اللجوء إلى أوروبا نتيحة الاوضاع القائمة في عدد من الدول .

ووفق بيانات الجهات المختصة بهيئة الأمم والمنظمات الانسانية ، فإن عدد الأشخاص المجبرين على الفرار من ديارهم كل عام قد ارتفع على مدار العقد الماضي ، ليبلغ أعلى مستوى هذا العام ، وهو منحى لا يمكن عكس اتجاهه إلا من خلال إعطاء دفعة جديدة ومنسقة نحو صنع الاستقرار والسلام والعدالة الاجتماعية واشاعة مبدأ حق تقرير المصير للشعوب بما فيها شعبنا حتى ينعم بحريته واستقراره وأمنه ، كما و تفعيل المبادئ الإنسانية المشتركة بين الدول والاتفاقيات المتعلقة بهذا الخصوص ، بما يضمن لأي شخص كان وإينما كان وفي أي زمان ومكان الحق في التماس الأمن والأمان ، وهو ما تضمنه شعار يوم اللاجئ العالمي لهذا العام .

فوفق القوانين الدولية لا يمكن إجبار الأشخاص على العودة إلى بلدٍ تتعرض فيه حياتهم وحريتهم للخطر ، لذا يجب العمل على ضمان 

الوصول الآمن للاجئين . لذلك يفترض أن تبقى الحدود مفتوحة أمام كل الأشخاص المجبرين على الفرار ، وضرورة أن يحظوا بالحق في طلب اللجوء ، والمعاملة الإنسانية وعدم التمييز .

والسؤال هنا ، متى ستتوقف هذه الكارثة الانسانية المستمرة ؟ فبين فترة واخرى يُصبَغ البحر الأبيض بلون الدم الأحمر نتيجة هذه الماساة وتجارة سفن الموت . 

لقد فقدنا بأسف من أبناء شعبنا المئات بمياه البحر المتوسط منذ بدء الموجة الجديدة من اللجؤ عام ٢٠١٤ ، كنا قد أعدناهم بكل حزن وأسف جثث هامدة إلى ذويهم بقطاع غزة عبر مصر ، ووري البعض غيرهم التراب في شمال اليونان في ظروف كانت صعبة علينا وعلى اهاليهم بالوطن ، كما وقدمنا خلال وجودي بمهام خدمتي كسفير هنالك المساعدات المادية والعينية من ميزانية الصندوق القومي لمنظمة التحرير الفلسطينية لإعداد كبيرة مما يعيشون الآن هنالك في ظروف صعبة بمعسكرات خاصة بهم ينتظرون اذونات الإقامة التي يطول وقتها أو السماح لهم بالانتقال إلى دول الشمال الأوروبي حين ورود موافقتها . لكن ذلك يحتاج الى موازنات دول قادرة للتعامل مع هذه الظاهرة المستمرة نحن غير قادرين عليها بفعل ضيق الإمكانيات ولأن ذلك مسوؤلية دولية يتوجب على هيئة الأمم وجامعة الدول العربية والصناديق التابعة لها تحمل مسوؤلياتهم .  

وعلى حكومات دول الاتحاد الاوروبي تحمل مسوؤلياتهم بالخصوص ايضا والتعاون فيما بينهم وفق قوانين البحار لزيادة المسارات الآمنة بالبحر وإيجاد حلول جماعية لمعالجة هذه التدفقات التي تتسبب بكوارث إنسانية ، كما وتخصيص الموازنات الكافية لدول الجنوب الأوروبي غير الغنية مثل اليونان وقبرص ومالطا وإيطاليا وباعتبارها دول عبور لاستيعاب هذه الاعداد وترتيب استقبال إعداد منهم بدول الشمال الاوروبي ، كما وتفعيل وتطوير أساليب وطرق المراقبة والانقاذ والبحث عن المفقودين بحوادث غرق السفن .

هذا ويلقي يوم اللاجئ العالمي الضوء على حقوق اللاجئين واحتياجاتهم وأحلامهم ، ويساعد في تعبئة الإرادة السياسية والموارد حتى يتمكن اللاجئون من النجاح وليس فقط النجاة لحين العودة إلى اوطانهم . 

وفي حين أنه من المهم حماية وتحسين حياة اللاجئين كل يوم، فإن المناسبات الدولية كيوم اللاجئ العالمي تساعد على تحويل الاهتمام العالمي نحو محنة أولئك الفارين من الصراعات أو الأضطهاد ، رغم عزوف العديد من دول الشمال الاوروبي على تحمل مسوؤلياتها تجاه هذه المحنة ، أو حتى ظهور اتجاهات سياسية يمينية شعبوية معادية للمهاجرين في هذه الدول ، مما يؤدي إلى مضاعفة مأساتهم الحياتية والمعيشية وتعرضهم لمظاهر اضطهاد جديد من نوع آخر . 

كما على الاوروبيين برأيي الوصول الى تعديل الاتفاقات الخاصة ليشمل نظام لجوء حديث وفعال مبني على القانون الدولي والاتفاقيات الدولية والالتزامات الأوروبية ومنها اتفاقية دبلن التي تلزم كافة الدول بما فيها اليونان كمعبر فيما يتعلق باللجوء وحقوق الإنسان والتضامن مع المعرضين للخطر . كما يتوجب 

 القضاء على الحلقات و العصابات التي تستغل نظام اللجوء لتعزيز الاستغلال وتجارة الرقيق الحديثة للمهاجرين ، والتوقف عن سياسة النفاق وازدواجية المعايير تجاه البشر حتى في سفن الموت .