أمام إرهاب المستوطنين المتصاعد بحق ابناء الشعب الفلسطيني العزل في مدن وقرى الضفة الغربية ، والممارسات الرسمية الاسرائيلية من ابتلاع اراض وضمها وتوسع واستيطان ، واستباحة مناطق امتياز السلطة الفلسطينية المعروفة باسم ( A ) بشكل شبه يومي وتنفيذ اغتيالات بحق شبان في مقتبل العمر تحت ذرائع "امنية" واهية لا تصل عقوبتها ( ان جازت العقوبة عليها ) الى القتل عن سبق الاصرار والترصد ، والتي يتضح منها انتهاج قواعد جديدة في اللعبة لم تكن اجهزة امن الاحتلال تتبعها سابقا ، خاصة فيما يتعلق بالاغتيالات من خلال القصف بالطائرات ، وحصار السلطة الفلسطينية ماليا واحتجاز اموالها في محاولة لخنقها اقتصاديا واظهارها بمظهر العاجز عن الايفاء بالتزاماتها تجاه الشعب ، والاقتحامات الاستفزازية للاماكن المقدسة في القدس الشريف وعلى رأسها المسجد الاقصى المبارك ، والاعلانات الكثيرة عن نوايا سلطات الاحتلال تحقيق احلامها في احد اكثر الاماكن قدسية للمسلمين ، والالتفاف على الوصاية الهاشمية ، وغيرها من الممارسات المخالفة لكافة القوانين والاعراف والشرائع الدولية . 
أمام هذه المعطيات ، والتي كان لها الاثر الكبير في حشر السلطة الفلسطينية بالزاوية ، واظهارها بمظهر العاجز المريض ، الى درجة الفشل ، في معالجة ما يتعرض لها شعبها ، والاكتفاء ببيانات الغضب والشجب ، وعمل دبلوماسي غير مجدي حتى اللحظة ، وأمام مجتمع دولي يكيل بمكيالين وبات لا يضع القضية الفلسطينية ضمن سلم اولوياته ، حيث يصب اهتمامه للحرب الروسية الاوكرانية والملف الايراني النووي والانشغالات الداخلية له ، ويكتفي هو الاخر ببيانات الادانة والاستنكار والتي لا تغني ولا تسمن جوع ، ومطالبات خجولة وغير ملزمة لسلطلت الاحتلال باحترام القوانين الدولية وكبح جماح المستوطنين ، دون وسمهم بصفة الارهابيين ، لادراكه ان هؤلاء الذين تدل اعمالهم الوحشية على همجيتهم وبربريتهم وارهابهم والتي فاقت ممارسات المغول والنازية والفاشية ، بحق الشعب الفلسطيني الاعزل ، ما كانت لتكون لولا دعم الجانب الرسمي الاسرائيلي واجهزته الامنية لهم ، وتوفير الحماية لارهابهم ، وابعد من ذلك يمكن القول ان ما جرى ويجري في الضفة الغربية ما هو الا تبادل للادوار فيما بينهم ، حيث يقوم هولاء الارهابيون من غلاة المستوطنين بارتكاب الجرائم ، عوضا عن القيام بعملية عسكرية واسعة ، قد توقع خسائر في قوات الاحتلال هي في غنى عنها حتى لا تزيد من التوتر وحالة التأزم بين الاسرائيليين وتسقط الحكومة . 
من دون شك ان ما جرى في بلدة ترمسعيا ، ومن قبلها بلدات حوارة وعوريف وسنجل وام صفا وغيرها من القرى والبلدات في الضفة الغربية ، يعيدنا الى عقد الاربعينات والعصابات الصهيونية وممارساتها الوحشية من قتل وتفجير وحرق للمنازل وترويع للامنين من الفلسطينيين ، هي ذات الوسيلة لدفع الشعب الفلسطيني الى هجرة طوعية ، واللجوء الى الشتات خوفا على اعراضهم وانفسهم ، ولكن مع اختلاف لا يمكن القول انه بسيط انما خطير للغاية ، وهو ان هذه الهجرة واللجوء ، والذي اشك ان يقدم عليه ابناء الشعب الفلسطيني بعد تجربتين قاسيتين من العذاب في اصقاع الارض ان يتم ، والفارق في هذه المرحلة هو وجود سلطة فلسطينية تسيطر بشكل بات شكليا على 9 بالمئة من الضفة الغربية ومن المفترض ان تقدم ما بوسعها لمنع ارهاب المستوطنين بحق العزل من ابناء شعبها ، والذي يتم على مرأى ومسمع منها ، خاصة وان اكثر من سبعين الف عسكري ومسلح تحت إمرتها ، دون فعل عملي يواجه ارهاب وجرائم المستوطنين ، مع الاشارة والاشادة ، بان ان الاجهزة الامنية الفلسطينية كانت قد التحمت وابناء شعبها في وقت ما تصديا للعدوان الاسرائيلي ، وقدمت مئات ان لم يكن الالاف من الشهداء والجرحى والمعتقلين .
ما يمكن القول عنه ان هذه الجرائم ونتائجها المتوخاة منها وفق الترتيب الاسرائيلي ، ان سلطات الاحتلال تحاول شرعنتها من خلال وجود من يمثل الشعب الفلسطيني على جزء من ارضه المحتلة ، وهو ما أجج مشاعر السخط والغضب للمستهدفين في البلدات الفلسطينية وجعلهم يتسائلون ، أين افراد الامن مما يجري في مناطقنا ؟ وما هو دورهم ان لم يقوموا بتوفير الحد الادنى من الجماية للمواطنين ؟ خاصة وان اجهزة الامن الفلسطينية تحظى بنصيب الاسد من موازنة السلطة المالية ؟ فأين تذهب هذه الاموال وكيف تصرف ؟ 
في ظل ما ذكر وقد يكون المخفي اعظم مما ذكر، هل ستستطيع السلطة الصمود امام الغضب الشعبي المتأجج ، وارهاب المستوطنين المتصاعد ؟ أم أن هناك ما يمكن للسلطة الفلسطينية القيام به لحماية نفسها اولا ان كانت لا تفكر الا بذلك ، ومن ثم شعبها الذي يرتكز عليه وجودها وديمومتها ؟ 
في الوسط الرسمي الفلسطيني ، ومن اعلى سدة الهرم ، يدعون الى المقاومة الشعبية السلمية ، ربما ذلك حق ولكن هل يمكن للمقاومة الشعبية ان تنتصر وارهاب المستوطنين وحكومة الاحتلال في تصاعد ، وتواجه المقاومة السلمية غير المسلحة بالسلاح الفتاك ؟ وهل المقاومة السلمية الشعبية يجب ان تقتصر على الشعب الذي بات يشعر انه يغرد في واد ، وقيادته تغرد في واد اخر بعيد !! 
من دون شك ان المرحلة خطيرة للغاية ، والساحة الفلسطينية تغلي الى درجة الانفجار ، وهو ما يدعو الى خطوات رسمية وشعبية فلسطينية على الصعيدين المحلي والعربي والدولي ، تعيد للقضية الفلسطينية اولويتها على الساحات كافة ، وعدم الاكتفاء ببيانات الشجب والاستنكار ودعوات للمجتمع الدولي بالتدخل قبل فوات الاوان ، او الاتصالات الهاتفية مع المتضريين ، او زيارات ميدانية محدودة دون تضميد جراح المكلومين من الارهاب الاسرائيلي ، الاخذ بالتصاعد وفق اهداف مبرمجة سلفا الهدف منها ، كسر معنويات الشعب الفلسطيني والحيلولة دون تحقيق الاحلام والطموحات الفلسطينية بالحرية والاستقلال ، وكل ما سيجري فعله يصب في خانة المصلحة الوطنية العليا واعادة بناء الثقة بين الهرم والقاعدة . 
وربما ان الوحدة الفلسطينية مهمة للغاية ، ولكنها باتت صعبة المنال حاليا ، لكن هناك خطوات ، ان جرى الشروع بها فمن شأنها ان تدرء المخاطر المحيطة بالشعب الفلسطيني ، وفي مقدمتها وجود مواقف وطنية عملية من كافة التنظيمات الفلسطينية تستجيب لارداة الشعب الفلسطيني ، وتلتحم مع الجماهير الغاضبة ، ووضع استراتيجية وطنية يتبناها الجانب الرسمي الفلسطيني ، تحدد ملامح المقاومة الشعبية وآلياتها ووسائلها ، ومنها تشكيل لجان شعبية في كافة القرى والبلدات الفلسطينية تساندها قوات امنية فلسطينية بتنسيق مشترك ، بعيدا عن التنسيق الامني المدون باتفاقيات اوسلو ، وهو ما سيلقى ترحيبا شعبيا واسعا من الجماهير ، وتساعد في التصدي لارهاب قطعان المستوطنين . ومن شأنها ايضا ان تمهد الطريق لترتيب البيت الفلسطيني على قاعدة الوحدة الوطنية واتمام عملية المصالحة المتعثرة . والا فبانتظار الساحة الفلسطينية في الضفة الغربية حالة من الفوضى والفلتان ، ستلحق اضرارا بالشعب الفلسطيني ومقدراته اكثر بكثير من ممارسات الاحتلال . 
على القيادة الفلسطينية الاطلاع بمسؤولياتها واتخاذ قرارات جدية ومصيرية ، ترتقي الى مستوى الحدث خاصة فيما يتعلق بالعلاقة مع الاحتلال والتوجه الى الشارع الفلسطيني والاندماج معه والتوقف عن الرهان خلف مجتمع دولي لا يعيرها اية اهمية تذكر في ظل تراجع القيمة السياسية والمعنوية لمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني في كافة اماكن تواجده والعمل الجدي لاعادة الاعتبار لهذا الكيان الضي قدم لاجلة الفلسطينييون التضحيات الجسام .