تتعامل المستعمرة الاسرائيلية مع السلطة الفلسطينية في رام الله، بطريقة مزدوجة، فهي تعمل على استمرار الاعتراف بها والتمسك بوظيفتها، باعتبارها العنوان الأبرز الذي يحظى بالشرعية من قبل الفلسطينيين والعرب والمجتمع الدولي، و في نفس الوقت تعمل بشكل منهجي منظم مدروس على إضعافها لسببين:
أولا حتى تفقد مكانتها وشرعيتها أمام شعبها، فتعمل على تقليص صلاحياتها الإدارية والمالية والتنظيمية والأمنية، واقتصار عملها على التنسيق الأمني والإداري مع مؤسسات الاحتلال وأجهزته، بما فيها بث الإشاعات والأخبار الكاذبة على تعاونها مع أجهزة الاحتلال ضد شعبها وقواه الكفاحية.
ثانيا حتى يسهل القضاء عليها، بعد رحيل الرئيس محمود عباس، ولا تجد من يقف معها أو يحميها أو يطالب بعودتها، فهي تكون قد فقدت شرعيتها الجماهيرية، واهتزت مكانتها الدولية، وغير قادرة على مواجهة الاحتلال، وتكون ضعيفة أمامه، ولم يعد الرهان عليها باعتبارها : المشروع الوطني الفلسطيني البديل عن الاحتلال.
هي تفعل على إضعاف السلطة الفلسطينية في رام الله عبر وسيلتين: الأولى تمكين إدارة الاحتلال على حل مشاكل الفلسطينيين اليومية او المستمرة او المستعصية، فهي التي تمنح تصاريح الدخول والخروج، والتحكم باستقبال السلع والاحتياجات، و صاحبة القرار بالاستيراد و التصدير، مما يجعلها صاحبة القرار في تسيير شؤون الحياة اليومية للمواطنين الفلسطينيين.
والثانية عبر توفير الخدمات لحركة حماس وفق شروط معينة، مدروسة منظمة، تعمل من خلالها على بقاء حركة حماس عنوانا واقعيا مقبولا كسلطة موازية مؤهلة تدريجيا لتكون عنوان التفاوض بعد عمليات التدجين المتواصلة تحت عنوان التهدئة الأمنية بوساطة مصرية قطرية تركية.
فهي توفر لحركة حماس مكاسب متعددة تمنحها قدرة المواصلة على ادارة قطاع غزة منفردة:
1- إدخال الأموال القطرية الشهرية لتوفير ثلاث احتياجات أولها رواتب العاملين الذين لا يتقلون رواتب من مالية السلطة في رام الله، وتم تعيينهم بعد سيطرة حماس وتفردها في إدارة قطاع غزة منذ عام 2007، وثانيها توفير دعم للأسر الفقيرة بواقع 100 دولار للعائلة بما يشمل مائة ألف أسرة وبما يوازي عشرة ملايين دولار ، وثالثها تغطية نفقات الوقود والغاز لقطاع غزة.
2- السماح بإدخال 17 ألف عامل من قطاع غزة إلى مناطق 48 يومياً، مما يوفر تغطية مالية للعائلات تشكل رافداً لتحريك عجلة السوق، وتوفير القدرة المالية لمواصلة سلطة حماس دورها ومكانتها ونجاحها في إدارة القطاع، وهذا كله مقابل عنصر التهدئة، ونقيضها تنفيذ عمليات الاغتيال لقادة حماس كما تفعل في تصفية قيادات الجهاد الإسلامي.
المستعمرة تعمل حثيثا على بقاء الانقسام بين فتح وحماس ،بين الضفة والقطاع ليس فقط بهدف اضعاف القدرات الكفاحية للشعب الفلسطيني بل لبقاء الانقسام عبر تمكين حركة حماس في إدارة سلطة غزة مما يوفر الغطاء السياسي الأقوى والأوضح و حجة عدم توفر "قيادة موحدة" وعدم "وجود شريك فلسطيني متمكن" يمكن الوصول معه إلى اتفاقات.
ليست بريئة، وليست ساذجة سلطات المستعمرة حينما تفعل ذلك في مواصلة عملها لإضعاف السلطة الفلسطينية في رام الله، وليست بريئة في تقديم عناوين الدعم لمواصلة دعم سلطة حماس في إدارة قطاع غزة ، إنها سياسة تستهدف بقاء الإنقسام، كعنوان للضعف و التنافس غير الشريف، والتصادم السياسي بين طرفي الإنقسام، بين الضفة والقطاع، أحدهما محتل كاملاً، والثاني محاصر برياً وجوياً وبحرياً، بشكل كامل.