أكَّد المفكر فرانسيس فوكوياما في كتابه (مستقبل ما بعد البشرية) الصادر عام 2002 وهو الأستاذ في جامعتي جون هوبكنز، وستانفورد، وغيرها من الجامعات الأميركية، أكد في الكتاب؛ أن التكنولوجيا الحديثة ترمي إلى تحرير البشر من قيمهم التقليدية، وأشار في الكتاب إلى بداية الخطة حين تمَّ اختراع أدوية خاصة لتغيير المزاج الطبيعي للبشر، وذلك بتغيير الحزن إلى فرح، وهناك أدوية قادرة على محو الذاكرة، وهناك وسائل لتغيير الجينات، بالإضافة إلى إعادة ضبط عضلات الجسد البشري، وغيرها من تقنيات حديثة! يقترح فوكوياما حلولا لهذا الخطر المحدق بالإنسان، وذلك بتأسيس كُتل ولوبيات، وجماعات للتصدي إلى خطر ما بعد الإنسانية، فهو يقول: "إذا بقيت التكنولوجيا تعمل بلا رادعٍ فإنها بالتأكيد ستؤدي إلى قمع كل الإبداعات والحريات الفردية، فعندما يصبح البشر أكثر قربا من التكنولوجيا، يصبحون في الوقت نفسه بعيدين عن بشريتهم، وأقل إنسانية"!
هناك نظرياتٌ متفائلة تعتبر هذا الذكاء الصناعي صاروخاً قادراً على نقل العالم من عالم بطيء مثقل بالأحمال والأوزار غير المجدية إلى وميضٍ فائق السرعة لا يعترف بالمسافات والحدود والتمايز والقدرات، فهو يُقصِّر عمليات الإنتاج أيا كان نوعها، ويوصل منتجات قادة الذكاء الصناعي ومخططات مسيريه بسرعة فائقة، لذلك فعلى كل الذين يرغبون في ركوب هذا الصاروخ أن يكونوا مستعدين لنزع عباءاتهم الثقافية التقليدية البطيئة المعوقة لمسيرة هذا الذكاء الصناعي والتخلص من أفكارهم التراثية الآسرة، والتخلي عن العقائد الدينية ومبادئ الأخلاق الموروثة، وإغلاق صفحات سِير أبطال التاريخ، وتمزيق خرائط البلدان الطبيعية والجغرافية والثروات المخبوءة في باطن الأرض، كلُّ من يفعل ذلك سيجد له مكاناً في دفيئات هذا الذكاء الصناعي، أما البشر الباقون فهم فضلاتٌ وزوائد بشرية يجب التخلص منهم!
لم يُعالج فوكوياما أثر الذكاء الصناعي على البشر، ولا سيما على منظومة الأخلاق التقليدية المتوارثة، لأن (مُستحضر) الذكاء الصناعي لم يكن قد نضج بعد في زمن تأليف الكتاب، هذا المستحضر هو سلاح نووي جديد، فهو كما ظهر وما وصل إلينا منه في وسائل الإعلام، وما جرى تجريبه بالفعل، وفق الرؤية المتشائمة، سيحطِّم كل أسس البناء البشري، المؤسس على الحريات والإبداعات، لأنه سيصبح بديلا عن كل المجهودات، ويتحول البشرُ في عهد هذا الذكاء من منتجين ومبدعين مختلفين في القدرات إلى آلاتٍ صماء وشحنات في قطار الذكاء الصناعي، ويتحدد موقعها وفق قدرتها فقط على تسيير إحدى زوايا هذا الذكاء المحكوم بمسيّريه وأباطرته بعد أن يُثبتوا ولاءهم المطلق لهذا المستحضر!
مالكو ومسيّرو هذا الذكاء يستطيعون في رمشة عين إلقاء كل حمولة زائدة ومعوقة لمسيرة الذكاء الصناعي في القمامة، بعد أن تجري عمليات تصفيتهم بسلاح رخيص بلا عتاد حربي، بنقرات سريعة على لوحة مفاتيح الكمبيوتر!
كشف بعض الباحثين عن بعض أسرار هذا الذكاء الصناعي ونشروا أبرز أهداف مخترعيه، فأشاروا إلى أن العقول التي أبدعتْ هذا الذكاء الصناعي غايتها الرئيسة، التقليل من البشر فوق سطح الأرض، وإنقاص عددهم بغير حروبٍ تقليدية، وذلك بالتأثير على العواطف البشرية، وإعادة ضبطها من جديد، بحيث يصبح الزواجُ الطبيعي بين الرجل والمرأة تراثاً غابراً مكروهاً، لتحل بدلاً منه المثليات الجنسية لتصبح هذه المثليات هي القانون الطبيعي للبشر، أما الزواج التقليدي يصبح شذوذاً!
وصار ممكناً في الذكاء الصناعي، الحب والعشق وحتى الزواج الإلكتروني، بين البشر وبين صور ناطقة مُخلَّقة ومدبلجة إلكترونياً، بدون الزواج التقليدي!
كذلك فإن هناك خطراً آخر يتمثل في التشكيك في كل الأمور المقدسة الُمسلَّم في صحتها تقليدياً، بحيث تنتفي القدسيات والتابوات المعتادة، وهذا ينطبق على العقائد والأديان، لهذا فإن الذكاء الصناعي يمكِّنُ زبائنه أن يُحاكوا الصور والأصوات للرسل والزعماء والمسؤولين الغابرين والحاضرين، ويمكنهم أن يُزيِّفوا أقوالهم، ما يؤدي إلى بذر الشك في هذه العقائد تمهيداً لإلغاء المصداقية والإيمان القاطع بحقيقة الأشياء، ما يجعل عالم البشر عالماً افتراضياً!
أخيراً، هل هذه نظريات وتحليلات خيالية، أم أنها ستتحقق بالفعل؟!