نتفهم أن كُتاب الرأي منشغلون هذه الأيام بلقاء الفصائل قي القاهرة وما يأملونه من احراز تقدم ولو نسبي كما ينشغلون بكتابة نداءات وبيانات ويجتهدون في الحصول[k1] على أكثر عدد من الموقعين، وإن كنت أشاركهم هذه الاهتمامات متمنياً بأن تصل مناشداتهم لآذان قادة المقاومة وتؤثر على مواقفهم المسبقة التي ذهبوا للقاهرة وهم لا ينوون التراجع عنها، إلا أن هذا يجب ألا يلهينا عن الوضع الداخلي ومستقبل قطاع غزة في ظل سلطة حماس وتراجع القضية الوطنية بشكل عام بفعل الممارسات الصهيونية وحالة العجز التي تعيشها كل الأحزاب وقوة تدخل الأجندة الخارجية، التي بات تأثيرها على مجريات الأمور يفوق تأثير الأحزاب والإرادة الشعبية كما أنها غيبت القرار الوطني الفلسطيني المستقل، ولكن سأتحدث عن تخوفات حول مستقبل القطاع بعد الهدنة وتوقف حالة الصدام المباشر بين القطاع ودولة الكيان والتحول في اهتمامات الناس والحكومة.
حيث تبرز للسطح ظواهر وسلوكيات في غزة وإن كان ممارسوها يريدون الظهور بمظهر الحريص على الإسلام إلا أنها في الحقيقة تسئ له وتعبر عن عقلية جاهلة ومتخلفة تريد تغيير الأولويات وحرف الأنظار عن القضايا الوطنية الأساسية، وإغراق المجتمع في متاهات ستؤدي إلى إثارة الفتنة، وسلوكيات تقتل الفرحة في نفوس الناس وخصوصاً الأطفال ويسعى ممارسوها لتنصيب أنفسهم أوصياء على الدين، وقد أشار الكاتب يسري الغول إلى بعض هذه الممارسات في رسالة وجهها لقيادات حركة حماس قبل أيام ، بالاضافة الى ظواهر اجتماعية سلبية قد تؤدي لتفكيك النسيج المجتمعي وقدرته على الصمود:
أولاً: المشرفون على بعض المواقع الإلكترونية والنشطاء فيها الذين يترصدون كل صورة لفتاة حتى وإن كانت طفلة تحتفل بنجاحها أو تعرض موهبتها في مجال فني أو رياضي في المدرسة أو وسط أهلها ألا وتنهال عليها وعلى أهلها الشتائم والقذف واتهامها بالتبرج والتعري وعدم التربية والخروج عن تعاليم الإسلام الخ، وكأن الفنون والرياضة والغناء تتعارض مع الإسلام! يحدث هذا في غزة البئيسة بينما كل الدول الإسلامية منفتحة على هذه المجالات كدول الخليج وإيران وتركيا وحتى السعودية التي انقلبت رأساً على عقب في هذا المجال.
ثانيا: مع أن المساجد منتشرة بكثافة في القطاع وأحياناً لا يفصل بين المسجد والآخر إلا أمتار ومع ذلك نجد بعض السلفيين يفرشون الحصر والسجاد على ممرات الراجلين على الكورنيش ويقيمون الصلوات مما يعرقل السير ويحرج المصطافين وخصوصا ًفي فصل الصيف. يحدث هذا بينما المساجد منتشرة على طول الشاطئ من الشيخ عجلين إلى مسجد الخالدي وبينها وبين الشاطئ الشارع فقط! فهل هذه المساجد مساجد كفرة أو أصحاب ملل أخرى لا يجوز الصلاة فيها؟ وهل يريد هؤلاء منافسة المساجد على استقطاب المصطافين والمتنزهين؟ والإسلام دين يسر وهؤلاء ( السلفيون) ليسوا أكثر حرصاً على الإسلام وتأدية فرائضه من بقية الناس ، وفي ظاهرة جديدة منهم من يطوف على الشاطئ بين الناس يحملون مكبرات الصوت ويعظون وكأنهم ينشروا الدين من جديد ، أعتقد أن مسؤولية تقع على حكومة حماس خصوصاً وزارة الاوقاف وعلى بلدية غزة للتدخل في هذه الأمور والا ستتدحرج الأمور ويتعاظم شأن هؤلاء الذين ينصبون أنفسهم وكلاء الله في الأرض بحيث يصعب كبح جماحهم حتى من الحكومة.
ثالثا: تزايد عمليات النصب والاحتيال من شركات وأشخاص تحت مسمى توظيف الأموال وهروب المحتالين خارج البلاد بسهولة بعد جمعهم لملايين الدولارات.
رابعا: تزايد اعتماد السكان والحكومة والأحزاب على المساعدات والتمويل الخارجي من وكالة الغوث إلى المنحة القطرية والعمل في إسرائيل بالإضافة الى الأموال الإيرانية المقدمة ل( فصائل المقاومة) وخلف هذه الأموال تكمن أجندة غير وطنية وتشكل حالة ابتزاز للأحزاب والشعب، كما أن هذا الاعتماد على الخارج يقطع الطريق على بناء اقتصاد حر وتنمية شمولية. والسؤال : ماذا لو توقفت هذه الأموال أو تقلصت بشكل كبير؟.
في ظل الوضع الراهن ولحين إنهاء حالة الانقسام وتشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع ما بين غزة والضفة تلتزم بالقانون الأساسي الفلسطيني ، مطلوب من فلسطينيي قطاع غزة أن يثبتوا جدارتهم ويديروا أمورهم الداخلية بإقتدار وبأسلوب ديمقراطي حضاري ، يبلغ رسالة للعالم أن الفلسطينيين ليسوا مجرد جماعات مسلحة وأحزاب تتصارع على سلطة تحت الاحتلال و بشروطه وليسوا مرتزقة لهذه الدولة أو تلك أو لجماعات اسلاموية خارجية، بل شعباً متحضراً وله تاريخ كما أنه ساهم في النهضة الحضارية لكثير من الدول العربية وأثبتوا جدارتهم في كل المجالات حتى في الدول الأجنبية التي يعيشوا فيها، وبالتالي فإنهم يستطيعوا أن يجعلوا من غزة بالرغم من صغر مساحتها وقلة إمكانياتها وحصارها قاعدة تؤسس للدولة الفلسطينية المنشودة المستقبلية على كامل أرض فلسطين .