لم نستغرب فشل جولة حوارات المصالحة بين الأحزاب الفلسطينية في مدينة العلمين المصرية وهو فشل كان يتوقعه الشعب وكل المتابعين والمراقبين للشأن الفلسطيني، وأن يتم تشكيل لجنة لمتابعة موضوع إنهاء الانقسام هو تأكيد على الفشل وليس مؤشرا على إحداث تقدم لأن المشاركين في اللجنة سيكونون شهود زور على إدارة الانقسام للمرحلة القادمة. إن لم يكن الهدف من تشكيل اللجنة هو تكليفها بإدارة الانقسام، (ومن المحتمل أن حركتي الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية- القيادة العامة- استشعرت وجود تفاهمات سرية بين حركتي حماس وفتح على إدارة الانقسام ولذا قررت عدم المشاركة)
فبعد مرور 16 سنة على سيطرة حماس على قطاع غزة ما زال البعض يعتقد أن الخلافات بين منظمة التحرير وخصوصا حركة فتح وحركة حماس والتي تعززت بعد الانتخابات التشريعية في 25 يناير 2006 ثم سيطرة حماس على القطاع في منتصف يونيو 2007 هي السبب في الانقسام وفصل غزة عن الضفة، وأنه بمصالحة الطرفين ستعود الأمور الى ما كانت عليه قبل سيطرة حماس على القطاع أي سلطة وحكومة واحدة في الضفة وغزة. في حقيقة الأمر فإن انقلاب حماس على السلطة مجرد حلقة من مخطط بدأ التفكير به إسرائيلياً قبل ذلك ولهذا السبب فإن كل جولات المصالحة لإنهاء الانقسام كانت تفشل بسبب اقتصارها على حركتي فتح وحماس ووجود شكلي لبقية الفصائل وغياب الفاعلين الأساسيين للانقسام ومتعهدي ديمومته.
سبب فشل حوارات المصالحة وإنهاء الانقسام وإن كان يعود جزء إلى وجود طبقة سياسية مستفيدة من الانقسام ومعنية بإدامته وإلى الخلط بين المصالحة والوحدة الوطنية من جانب وإنهاء الانقسام من جانب آخر، وهناك فرق كبير بين الأمرين كما سنوضح، إلا أن السبب الحقيقي، وخصوصا فيما يتعلق بإنهاء الانقسام وعودة وحدة غزة والضفة في سلطة وحكومة واحدة، أكبر من ذلك.
تفشل محاولات إنهاء الانقسام لأن المخططين الرئيسيين والمستفيدين من الانقسام غائبون عن اللقاءات، ودور هؤلاء في صناعة الانقسام وديمومته أقوى من تأثير الأحزاب بل ومن تأثير الإرادة الشعبية المغيبة والمعطلة، وبالتالي تفشل كل الجهود لإنهاء الانقسام على مستوى توحيد الضفة وغزة في سلطة وحكومة واحدة، فإنهاء الانقسام بهذا المعنى يحتاج لتوافق ولو ضمني لهذه الأطراف وهي: إسرائيل وأمريكا وقطر وتركيا وإيران وجماعة الإخوان المسلمين.
ومن هذا المنطلق نفرق بين المصالحة والوحدة الوطنية من جانب وإنهاء الانقسام من جانب آخر. المصالحة والوحدة الوطنية شأن وطني ويمكن إنجازها بتوافق وطني حتى مع وجود ضغوطات وتدخلات لأطراف عربية على بعض الفصائل وخصوصا حركة حماس ، ولا يمكن تحميل إسرائيل وأمريكا ودول المنطقة المسؤولية عن عدم انجاز المصالحة والوحدة الوطنية، فقد سبق وأن تحققت هذه الوحدة مع منظمة التحرير قبل قيام السلطة الفلسطينية، وحتى مع ظهور حركتي حماس والجهاد من خارج المنظمة فإن هناك إمكانية دمجهم في المنظمة حتى مع ايديولوجيتهم الدينية لأن منظمة التحرير جبهة أو حركة تحرر وطني تستوعب الجميع وليست حكرا على فصيل أو أيديولوجيا محددة.
لو ركز المجتمعون في حوارات القاهرة على موضوع منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب وكيفية استيعابها للجميع وتشكيل قيادة وطنية جديدة تنبثق عن انتخابات عامة أو توافقات داخل المجلس الوطني الجديد، قيادة تضع استراتيجية للتصدي للتحديات المصيرية التي تواجه القضية في ظل الحكومة اليمينية الإسرائيلية التي لا تخفي أهدافها بتصفية القضية الوطنية والوجود الوطني في الضفة، وتأجيل موضوع إنهاء الانقسام والفصل الجغرافي وتشكيل الحكومة إلى مرحلة قادمة، لكان من الممكن إحراز تقدم والخروج بوجه مشرف أمام الشعب، ولكن للأسف يبدو أن البعض يرى أن السلطة وامتيازاتها أهم من المنظمة ومن الوطن.
أما الانقسام فهو معادلة تتجاوز الأطراف الفلسطينية فهو مخطط إسرائيلي وظف الخلافات الفلسطينية وبعض الأطراف الفلسطينية وخصوصا حركة حماس وشاركت فيها دول من الإقليم، هدفه تدمير المشروع الوطني الفلسطيني وحل الدولتين من خلال فصل غزة عن الضفة وتمكين حماس من السيطرة عليه، وبالتالي فإن انهائه بما يؤدي لإعادة توحيد الضفة وغزة في سلطة وحكومة واحدة يحتاج لتوافق بين المشاركين في المخطط والمستفيدين منه.
فشل لقاء العلمين يؤكد أن الطبقة السياسية بكل مكوناتها وايديولوجياتها في الضفة وغزة لم تعد أمينة، سواء بسبب عجزها أو تواطؤها، على القضية الوطنية، وللأسف فإن ضعف الفعاليات الشعبية وغياب المجتمع المدني عن المشهد واقتصاره على دور المتفرج وخصوصا في الضفة الغربية -خرجت مظاهرات محدودة في القطاع وقمعتها حماس بعنف ووحشية كما جرى في حالات سابقة- يشجع السلطتين على الاستمرار على نهجيهما، وكما يقول المثل (من فرعنك يا فرعون قال ما لقيت حد يردني).