اقتصاد صدى- خفضت وكالة "فيتش" مؤخراً التصنيف الائتماني للولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما أثار جدلاً بعد غضب أمريكا من هذا القرار، فما هو "التصنيف الائتماني" ولماذا تخشى الدول تراجع تقييمها؟
التصنيف الائتماني هو تقييم مُعين لقدرة المقترض أو المدين على الوفاء بسداد الديون أو الالتزامات المالية التي لديه.
ويعتمد التصنيف الائتماني على تحليل شامل لعديد من العوامل المالية والاقتصادية والمؤسسية المرتبطة بالمقترض أو المدين، وأهمها (القدرة على السداد، والتاريخ الائتماني، والهيكل المالي والسيولة، إضافة إلى الاقتصاد العام والصناعة.. وغيرها من العوامل ذات الصلة التي تحدد قدرة الملاءة المالية للمقترض).
يقول الخبير المصرفي، محمد عبد العال، إن التصنيف الائتماني للدول محدد مهم جداً؛ لأنه يحدد الملاءة المالية للدولة وقدرتها على الاقتراض من مصادر خارجية.
ويشرح ذلك تفصيلياً بقوله: "حينما تحتاج أية دولة الاقتراض، فإنها إما تقترض من دولة أخرى، بعد الدخول في مفاوضات مباشرة مع هذه الدولة، التي تعتمد لها حدود ائتمانية في شكل ودائع مباشرة أو توجيه لصناديقها السيادية من أجل أن تستثمر في هذا البلد في شكل استثمار مباشر أو غير مباشر.. وإما أن تقترض بطرح سندات فيما يسمى باليورودولار".
ويتابع: "إصدار هذه السندات يتعين أن يكون له تصنيف يعكس القوة والملاءة المالية والقوة الاقتصادية لهذه الدولة المُصدرة للسندات سواء تشتريها حكومات ومؤسسات كبرى أو أفراد من البورصات؛ لأن هذه السندات تكون متداولة في السوق الأولية والثانوية".
وبالتالي فإن العميل (سواء دولة سوف تقرض بشكل مباشر دولة أخرى أو عملاء مستثمرين سوف يشترون تلك السندات من أسواق عالمية) يتعين عليه أن يعرف من جهة محايدة الملاءة المالية لهذه الدولة صاحبة القرض أو الورقة المالية، والتأكد من مدى قدرتها على رد هذه الأموال وسداد فوائدها بشكل دوري.
يشير عبدالعال إلى أن "كل دولة تطرح نشرة اكتتاب ودعايات كما تريد، لكن المستثمر يريد جهة محايد تقول إن ذلك صحيحاً بالفعل.. هذه الجهات هي مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية المعروفة، والتي تلعب دوراً مهماً في تقديم المشورة الفنية والمالية والاقتصادية للدولة التي تحتاج للاقتراض.. تشرح هذه الوكالات اقتصادات الدولة وتضع تصنيفاً محدداً وفق تصنيف معترف به عالمياً (..) مع وضع نظرة مستقبلية إما مستقرة أو سلبية".
يتم تصنيف المقترض عادة برموز وحروف تعبر عن درجات الائتمان المختلفة. على سبيل المثال، يمكن أن يكون التصنيف AAA هو أعلى تصنيف ممكن، يليه AA و A، وهكذا.
وكلما كان التصنيف أفضل، كلما كانت المخاطر المرتبطة بالاقتراض أقل، وبالتالي قد يتم تقديم شروط أفضل للقروض أو السندات المرتبطة بهذا التصنيف. على العكس من ذلك، قد يتم تقديم شروط أكثر صرامة للتصنيفات ذات المخاطر الأعلى مثل CCC أو D.
ويوضح الخبير المصرفي أنه "بين الحين والآخر، تضع مؤسسات التصنيف الائتماني الثلاث الأشهر (Standard & Poor's، Moody's، وFitch Ratings) كل دولة تحت تقييم دوري، وليس من الضروري أن يكون ذلك التقييم بطلب من جهة معينة، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنه أيضاً "يُمكن على سبيل المثال بطلب من بنك ما لتلك الوكالات أن يتم إجراء تصنيف لإحدى الدول لأنه بصدد إصدار قرض ما".
ويستطرد: "التصنيفات الائتمانية الدورية التي تُجريها مؤسسات التصنيف للدول بشكل عام لا تهدف للربح وتتم بحياد تام، وهو أمر مهم للغاية"، مشيراً إلى أحدث تلك التقييمات الصادرة أخيراً عن وكالة فيتش، بخصوص خفض تصنيف الولايات المتحدة درجة واحدة من AAA إلى +AA.
ويُعلق قائلاً: "إنهم يرون أنه رغم معدلات التوظيف المرتفعة وتراجع معدلات التضخم وكذلك تحسن الدولار، فإنه ربما تكون هناك ضغوط ترفع من معدلات التضخم من جديد وفي ضوء حالة عدم يقين المرتبطة بأن الفيدرالي سوف يترك السياسة النقدية المتشددة ويتجه لسياسة تيسيرية مع الاجتماع المقبل".
ويلفت عبد العال إلى أن "مؤسسات التصنيف منذ نشأتها تلعب دوراً حيوياً في سد الفجوة المعلوماتية عند المستثمرين (داخل وخارج الدولة محل التقييم) وتقديم المشورة حول قدرة هذه الدولة ومدى ملائمة ملاءتها المالية".
ويتحدث الخبير المصرفي في معرض تصريحاته لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عن التأثير المباشر للتقييمات الصادرة عن تلك المؤسسات الدولية على الدول والأسواق، موضحاً أنه "عندما يتم خفض التصنيف الائتماني الدوري لدولة ما مع نظرة مستقبلية سلبية، تبدأ قرون الاستشعار لدى المستثمرين تتردد، وأول رد فعل في ذلك هو أن القروض أو السندات التي تطرحها هذه الدولة (التي انخفض تصنيفها إلى مستويات عدم الملاءة الاستثمارية أو الخطورة الاستثمارية) ترتفع تكاليف إقراضها مباشرة.
ويشرح ذلك بقوله: "عندما ينخفض التصنيف، يقل الطلب على قروض تلك الدولة، وترتفع تكاليف الإقراض سواء الحاضرة أو الآجلة".
المؤسسات الرئيسية
وتُقدَم تلك التصنيفات الائتمانية من قبل وكالات تصنيف ائتماني مستقلة ومعروفة عالمياً، وهي Standard & Poor's، Moody's، وFitch Ratings.. وتعد هذه الوكالات الثلاثة الأكثر شهرة وتأثيراً عالمياً في تقييم الائتمان والمخاطر المالية.
Standard Poor's (ستاندرد اند بورز): تأسست في العام 1860، وهي جزء من شركة "ستاندرد اند بورز غلوبال" وتقع مقرها في نيويورك. يعتبر تصنيف السندات الحكومية والشركات والأوراق المالية الخاصة من بين أهم خدماتها.
Moody's (موديز): تأسست في العام 1909، وهي جزء من شركة "موديز كوربوريشن" ومقرها في نيويورك. وتعدُّ موديز مشهورة بتصنيف السندات الحكومية والشركات والمؤسسات المالية.
Fitch Ratings (فيتش ريتينجز): تأسست في عام 1913، وهي جزء من شركة "فيتش جروب" ومقرها في نيويورك. وتُقدم فيتش تصنيفات للأوراق المالية الحكومية والشركات والهيئات المالية.
أبرز العوامل
وفي هذا السياق، يحدد الخبير الاقتصادي الدكتور علي الإدريسي، أبرز العوامل التي يتم وضع التصنيف الائتماني بناءً عليها من قبل مؤسسات التصنيف الدولية الثلاثة الأبرز، وأهمها:
-قدرة الدولة على الوفاء بسداد مديونياتها.
-حجم المديونيات على الدولة، لا سيما فيما يخص أدوات الدين الحكومي.
-حجم الاحتياطيات الموجود بتلك الدولة.
-النسبة التي يشكلها الاحتياطي مقابل المديونية ومدى القدرة على التغطية.
-حجم التطور في سعر صرف العملة ارتفاعاً أو انخفاضاً.
-المؤشرات الاقتصادية الكلية (نسبة النمو الاقتصادي، معدلات التضخم.. إلخ).
ويضيف: "دائماً وكالات التصنيف تأخذ فترتين زمنيتين مهمتين (الوضع الحالي والمستقبل)، ويتم تقدير الوضع المستقبلي من خلال النظر في حجم الاحتياطي، ونسبة الديون من ذلك الاحتياطي".
وذلك علاوة على محور مهم آخر يلفت إليه الإدريسي، وهو المتعلق بـ "طبيعة الديون" وما إن كانت قصيرة أو طويلة الأجر، وذلك على اعتبار أن "الديون قصيرة الأجل تضغط على الاقتصاد وموارده.. والعكس كلما كانت الديون طويلة الأجل".
ويشير الخبير الاقتصادي في الوقت نفسه إلى أن مؤسسات التصنيف الثلاثة الرئيسية (Standard & Poor's، Moody's، وFitch Ratings) غالباً ما يكون جزء من محدداتهم مرتبطاً "بشكل غير مباشر" بعلاقات الدول مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وبالتالي تحرص الدول على علاقاتها مع المؤسستين الدوليتين، لا سيما وأن الإشادة من الصندوق أو البنك تنعكس على وجهات نظر وتحليلات تلك الوكالات بطريقة غير مباشرة، رغم أنها (وكالات التصنيف) غير تابعة للمؤسستين.
ويوضح الإدريسي أن العوامل السياسية المرتبطة بمدى الاستقرار السياسي والأمني في دولة ما، عادة ما تكون جزءاً رئيسياً أيضاً من التقييم، لا سيما أن عدم وجود استقرار سياسي ينعكس بشكل مباشر على الاقتصاد ويشكك في قدرة الدولة على الوفاء بتعهداتها الخارجية والاتفاقات مع الدول الأخرى.
المصدر: اقتصاد سكاي نيوز عربية