«انزياح إسرائيل نحو أقصى اليمين، ترافق مع صعود اليمين المتطرف العنصري الشعبوي في العديد من بلدان العالم. بعض هذا اليمين صعد للحكم والبعض الآخر ترك بصماته القوية على القرار السياسي والاقتصادي. التقاء أقصى اليمين الإسرائيلي مع أقصى اليمين العالمي ومن ضمنه اليمين العربي جعل حل التناقضات لمصلحة اليمين ورؤيته السياسية الاقتصادية الاجتماعية، رغم تنافرها مع منظومة القانون الدولي، ومع مصالح الشعوب، وجعل أفكار ومشاريع اليمين الإسرائيلي المتطرف، تتحرك بلا رادع وسط تيار عالمي أشمل عمل على تعريض مقاومي التوحش الإسرائيلي للعزل والعقاب. وعندما تكون الفكرة الأساسية لليمين الإسرائيلي المتطرف هي حسم الصراع مع الشعب الفلسطيني على «قاعدة الحق الحصري للشعب اليهودي في كل أنحاء أرض إسرائيل « كما جاء في برنامج حكومة نتنياهو – بن غفير. وهذا يعني إدامة الاحتلال وتحويله الى لا احتلال او تحرير، وتقويض منطق العدالة وحق الشعب الفلسطيني في التحرر من الاحتلال والهيمنة الاستعمارية المؤسس على القانون الدولي وتحويل ذلك الحق الى غير ذي صلة.
 ما يحدث هو قلب للحقائق. حيث «يعتبر القاضي ادموند ليفي أن الضفة الغربية « يهودا والسامرة « ليست أراضي محتلة، ويبرر ذلك بمرجعيات وعد بلفور وصك الانتداب ومؤتمر فرساي بوصفها قانوناً دولياً يجيز الاحتلال والمحو. وكان إسرائيليون قد اعتبروا انتصار 67 بمثابة معجزة إلهية أعادت أرض إسرائيل التاريخية لليهود».
( المصدر كتاب «اليمين الجديد في إسرائيل - مشروع الهيمنة الشاملة» مدار).
 تضيف هنيدة غانم محررة  الكتاب «احتلال 67 أفرز تحولات  جيو- استراتيجية فكان نقطة فارقة في بعث جنين أقصى اليمين الإسرائيلي، والدفع بالبعد الديني المسياني الى مقدمة المشروع. فقد اعتبر اليمين القومي والتيار الاستيطاني الديني الصاعد أن الأرض المحتلة-67- هي بمثابة القلب النابض لأرض إسرائيل تفوق أهميتها أهمية أراضي دولة إسرائيل -48- وهي جزء من الوطن القومي اليهودي الذي صاغ جابوتنسكي حدوده شعراً : ضفتان للنهر، هذه لنا وتلك أيضاً. تضيف هنيدة غانم: كان من أهم التحولات الشروع بالاستيطان بقيادة الصهيونية الدينية التي قلبت السيطرة على نار الاحتلال والاستيطان. ففي حين بنى المستوطنون الأوائل من العلمانيين الخلاص على لغة دينية معلمنة ووظفوه لصالح المشروع القومي الاستعماري، استعاد المستوطنون الجدد المفهوم الديني للخلاص واعتبروا المشروع القومي أداة لتحقيق الخلاص الديني»، هكذا تصدرت الفكرة الدينية الخلاصية المشروع الاستيطاني بعد العام 67 وأخضعت المشروع السياسي للصهيونية ولمنطقها الذي يدفع نحو تحقيق كامل الخلاص، عبر بناء الهيكل وإقامة دولة الشريعة اليهودية».  
الاستيطان كرّسَ الاحتلال وكان أداة لتحويل الاحتلال من فعل غير مشروع ومدان الى  عملية «تحرير أرض الآباء والأجداد» بالاستناد الى هبة الرب. وفي مرجل الاحتلال والاستيطان انتقلت السيطرة من مستعمرين مؤسسين الى مستعمرين جدد، ومن صهيونية علمانية الى صهيونية دينية بدأت كرأس حربة وتحولت الى مركز سياسي يستحوذ على القرار  والقوانين، ويطرح حسم الصراع مع الشعب الفلسطيني بضم الضفة او معظمها لإسرائيل ويسعى في الوقت نفسه الى الانقلاب على القضاء والديمقراطية الليبرالية الإسرائيلية.
أصبح العالم أمام حكومة إسرائيلية تضم متطرفين عنصريين يدعون الى محو بلدات فلسطينية والى طرد الفلسطينيين  ويتفاخرون بقتلهم، وما يعنيه ذلك من خطر داهم أشد من أي وقت مضى يتهدد الشعب الفلسطيني، خطر عبر عنه بيان خبراء في الأمم المتحدة، دعوا فيه المجتمع الدولي الى منع ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية المحتلة، بعد ضمها المستمر لأجزاء من الأرض الفلسطينية المحتلة، وحذروا الآن من ضم  مساحات شاسعة بعد ضم القدس الشرقية بشكل غير قانوني،  وتحدثوا عن «معايير مزدوجة» وإنفاذ انتقائي للقانون الدولي، يقوض أسس ميثاق الأمم المتحدة وعالمية حقوق الإنسان الدولية، بعد 75 عاماً من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان».
وفي الوقت الذي عرفت فيه منظمات حقوق الإنسان «أمنستي» وهيومان رايتس ووتش ومجلس حقوق الإنسان دولة إسرائيل بأنها دولة أبارتهايد فضلاً عن كونها دولة محتلة لأرض وشعب آخر بالقوة كما جاء في مئات القرارات الدولية. وبالرغم  من الطبيعة العنصرية الفاشية للمعسكر اليميني الإسرائيلي الحاكم، الذي يجابه بمعارضة أكثرية الإسرائيليين، بالرغم من هذا الواقع  يقول الكاتب بودوان لوس: «تبنّى البرلمان البريطاني يوم 3  تموز 2023 قانوناً يعاقب المقاطعة ويخصّ مباشرة معارضي سياسة إسرائيل. وكانت أوروبا قد تبنت المفهوم الجدليّ لمعاداة السامية الذي أسّسه التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست، وهو ما يفضي إلى إسكات الانتقادات الموجهة لإسرائيل مهما كانت فداحة الجرائم المنسوبة إلى ممثّلي هذه الدولة.
البرلمان الألماني كان السباق في المصادقة على قرار ينصّ: أنّ ألمانيا «ستعارض بشدّة» كل الجهود المبذولة لتشويه صورة اليهود أو التشكيك في «أحقيّة الوجود أو حق دولة إسرائيل اليهودية الديمقراطية في الدفاع عن النفس». بدورها فرنسا الرسمية تتبنّي الخلط المثير للجدل حول مفاهيم معاداة السامية ومعاداة الصهيونيّة؟ فقد قال الرئيس إيمانويل ماكرون «إن معاداة السامية ومعاداة الصهيونية هما ألدّ أعداء جمهوريتنا». ورغم الرسالة الموقعة من قبل 240 مختصاً يهودياً وإسرائيلياً في معاداة السامية والهولوكوست، يرفضون من خلالها القول بأن حملة المقاطعة هي حركة معادية للسامية.
«في أوروبا يقتضي الدفاع عن دولة -إسرائيل- الضرب عرض الحائط بمبادئ القوانين الدولية وحقوق الإنسان وحرية التعبير بثبات يدعو في كلّ مرة إلى الدهشة» يقول الكاتب بودوان لوس، ويضيف: من المؤكد أن معاداة السامية هو موقف مخجل وهو لحسن الحظ ممنوع قانونيّا في كل مكان، لكن عندما تقوم دول بخلط معاداة الصهيونية وكل نقد لإسرائيل بمعاداة السامية، فإنها تساهم في دعم الإفلات من العقاب لهذه الدولة التي تتلاعب بكل سخرية بتاريخ الإبادة، لا لشيء إلا لتضمن حصانتها.
لحسن الحظ ان قوى ومجموعات ومنظمات حقوق الانسان وخبراء واكاديميين وأعضاء برلمان واعلاميين ومن ضمنهم  معارضون ينتسبون للديانة اليهودية، في أوروبا وأميركا وكندا يواصلون معارضتهم لمجموعة القوانين والقرارات والإجراءات المتناقضة مع حرية التعبير ومع الديمقراطية ومع حرية الشعوب، ومعارضة الخلط بين معاداة السامية ومعاداة الاحتلال والابارتهايد وجرائم الحرب والعقوبات الجماعية. لا تكتفي الدول صاحبة التشريعات المتناقضة مع دساتيرها، بالسكوت على انتهاكات دولة الاحتلال وعدم مشاركتها في الضغط عليها بما في ذلك استخدام نظام العقوبات والمقاطعة التي تمارسها ضد روسيا بعد احتلال أجزاء من أوكرانيا، وضد إيران وكوريا الشمالية وفنزويلا وغيرها من الدول، وإنما تعاقب كل من ينتقد جرائم الاحتلال الإسرائيلي ويدعو الى وقفها ووقف كل الانتهاكات المتناقضة مع ميثاق الأمم المتحدة. هذه الدول تساهم في إفلات الدولة المحتلة والمتمردة من العقاب، وتساهم في بقاء حكومة أقصى اليمين العنصري في الحكم، وتؤكد في الوقت نفسه أن ما يجمع اليمين المتطرف الإسرائيلي واليمين العنصري الأوروبي والأميركي أكبر بكثير من كل خلاف معه .. وللحديث بقية.