تقوم فكرة الوظيفة العامة على الأمانة؛ أي الالتزام بالعناية الواجبة للقيام بالخدمات أو الأعمال الموكلة للموظف العام بموجب أحكام القانون الناظم للعمل العام وفقاً للاختصاص وطبيعة الوظيفة المكلف بها، وهي الفكرة التقليدية للصفة اللصيقة بالوظيفة العامة. فيما الموظف العام، إضافة إلى تطبيق القانون وتنفيذه بموجب الأدلة والحقائق، محمولٌ على حماية الحقوق والحريات العامة من جهة، وضمان احترام المصلحة العامة وفقاً لقواعد العقد الاجتماعي الناظم للتفويض السياسي والاجتماعي للوظيفة العامة ذاتها.
إضافة إلى ذلك، بعض الموظفين العامين، كالمستشارين القانونيين في المؤسسات الحكومية، لديهم وظيفة حراسة العتبة أي ضمان أنْ تمتثل قرارات المسؤولين في الوظيفة العامة مثل الرئيس ورئيس الحكومة والوزراء وغيرهم من المسؤولين لخدمة المصلحة العامة "المصلحة العامة للمواطنين"، ومنع تعارض القرارات والإجراءات المتخذة من قبلهم مع أحكام القانون أي إعمال مبدأ المشروعية، وعدم الاكتفاء بتقديم المشورة القانونية لهم؛ وذلك لتعزيز نزاهة الحكم في ممارسة السلطة وفي المساءلة الرسمية على المسؤولين فيها، ولمنع فقدان ثقة المواطنين بالمؤسسة العامة بغض النظر عن الطبيعة أو الصفة السياسية للمسؤول في هذه المؤسسة أو تلك، ولحماية المؤسسة العامة من الملاحقة القضائية.
قد يدعي البعض من المستشارين القانونيين غياب الحماية "الحصانة" من تعسف المسؤول السياسي أو الإدارة العليا في المؤسسة لناحية التهميش والإبعاد أو النقل من أماكن عملهم، وهو ادعاء ذو وجاهة، لكن هذا الأمر لا يتيح لهم أنْ يكونوا كمفتي السلطان، كما ورد في التاريخ العربي الإسلامي، بخرق جدار الثقة المتضمنة في الأمانة التي يحملها حراس العتبة القائمة على بالأساس لصد أي خروقات محتملة للقانون أو المصلحة العامة أي مصلحة المواطنين.
على الرغم من أنّ هذا المقال لا يحّتمل تقديم خيارات لطبيعة ومكانة المستشار القانوني أو مؤسسة الاستشارة القانونية في بنية النظام السياسي أو الإداري لدولة فلسطين بل هو يفتح النقاش لإعادة النظر في طبيعة ومكانة المستشار القانوني في مؤسسات الدولة، في ظني أنّ تعزيز استقلالية حراس العتبة ومنح الحصانة الوقتية لهم؛ يوفر ضمانة لتقوية جهاز المناعة للمؤسسة العامة من الفساد، ويحد من التعسف باستخدام القانون، ويصوب القرارات والإجراءات قبل إصدارها، ويحسن من إدارة المال والشأن العام.