منذ التصاعد الملحوظ للعمليات الفدائية في الأراضي الفلسطينية المحتلة مع ظهور جماعة عرين الأسود وكتائب جنين قبل عام تقريبا والقيادات الإسرائيلية السياسية والأمنية وعلى رأسها نتنياهو تتهم حركة حماس والجهاد الإسلامي بالوقوف خلف هذه العمليات بدعم وتحريض من إيران وحزب الله، وقد أعاد نتنياهو هذه المزاعم في اجتماع ا(لكابينت) الذي اجتمع على عجل ردا على عملية الخليل في 21 من هذا الشهر مهددا بأنه سيقوم بالرد بقوة على الأطراف التي تدعم وتمول من يقومون بالعمليات وذكر بالاسم إيران وحزب الله وحتى حركة حماس والجهاد الإسلامي متوعدا بالعودة لسياسة الإغتيالات.
هذه المزاعم الإسرائيلية ترمي لتحقيق عدة أهداف منها:
1- القفز على واقع الاحتلال وأعماله الإرهابية وأن المقاومة رد فعل طبيعي على الاحتلال يكتسب شرعيته من كل المواثيق والشرائع الدينية والوضعية.
2- تعزيز منظومته الدعائية الموجهة ضد إيران بأنها تقف وراء عدم الاستقرار في المنطقة وبالتالي تبرير أعماله الإرهابية ضد المقاومين وعائلاتهم بأنها لمنع إيران من التمدد في المنطقة.
3- تشويه صورة المقاومة الوطنية وإظهار أن الشعب الفلسطيني في الضفة مستسلم للأمر الواقع وراغب بالعيش في كنف دولة الاحتلال العنصري وأن العمليات الفدائية موجهة من الخارج وليس بدوافع وطنية.
4- إثارة الفتنة بالزعم بأن هدف هذه العمليات إسقاط السلطة الفلسطينية وسيطرة حركة حماس على الضفة كما سيطرت على قطاع غزة.
5- تضليل الرأي العام الإسرائيلي ومحاولة إسكات المعارضة المتصاعدة ضده بالزعم بأن إسرائيل تتعرض لخطر وجودي يحيط بها من كل جانب.
6- تضليل الرأي العام العالمي الذي بدأ يكتشف حقيقة الكيان الصهيوني وممارساته الإرهابية والعنصرية
مما لا شك فيه أن إيران تدعم حركتي حماس والجهاد الإسلامي بالمال والسلاح، كما كانت دول أخرى تدعم فصائل منظمة التحرير حتى قبل ظهور هاتين الحركتين وهذا أمر طبيعي بالنسبة لحركات التحرر عبر العالم حيث لا حركة منها اعتمدت على امكانياتها الذاتية، جبهة تحرير فيتنام كانت مدعومة من كل المعسكر الاشتراكي وخصوصا الصين والاتحاد السوفييتي، وجبهة التحرير الجزائرية كانت مدعومة ماليا وسياسيا وعسكريا من عديد من دول العالم الثالث بالإضافة الى الاتحاد السوفيتي ومصر ودول الجوار، والمؤتمر الوطني الأفريقي في جنوب افريقيا في نضاله ضد النظام العنصري كان مدعوما من غالبية دول العالم حتى الغربية ومن الأمم المتحدة التي أصدرت قرارات بمقاطعة نظام دي كليرك العنصري وفرضت عقوبات عليه، وقوات فرنسا الحرة بزعامة شارل ديغول وجدت كل دعم واسناد من أمريكا وبريطانيا أثناء قتالها ضد النازية الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية، وراهنا تجد أوكرانيا كل الدعم العسكري والمالي والسياسي من حلف الأطلسي لمواجهة ما تعتبره غزوا روسيا لأراضيها ولا أحد يتهم أوكرانيا بالإرهاب وهي تقصف مدنا روسية!!
المشكلة إذن لا تكمن في وجود أو عدم وجود دعم خارجي لحركات التحرر من الاستعمار وفي موضوعنا الشعب الفلسطيني وحركاته المقاتلة، بل بمدى عدالة القضية الفلسطينية وهي عدالة تعترف بها الأمم المتحدة التي أصدرت العديد من القرارات والتوصيات التي تنص على حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره الوطني وإقامة دولته المستقلة على أرضه وشرعية مقاومته للاحتلال.
كيف يمكن تصديق أن أجندة خارجية إيرانية تقف وراء مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال بينما مقاومة الاحتلال ممتدة طوال قرن من الزمان، منذ هبة البراق 1929 الى ثورة عز الدين القسام 1935 والثورة العربية الكبرى 1936 ثم الثورة الفلسطينية المعاصرة 1965 و الانتفاضتين العظيمتين، وكلها كانت قبل أن تظهر الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحزب الله ومحور المقاومة!!، كما أن قيادات إسرائيلية ومحللين إسرائيليين ألقوا بالمسؤولية عن تصاعد العمليات الفدائية على اليمين المتطرف وسياساته وخضوع نتنياهو لتوجهات بن غفير وسموترتش المستفزة للشعور الوطني الفلسطيني.
المبالغة في الحديث عن أجندة خارجية فيه إساءة المقاومين الوطنيين وللشعب الفلسطيني بشكل عام، لأن مقاومة الاحتلال لم تتوقف يوما وهي متواصلة ما قبل وما بعد ظهور ما يسمى بمحور المقاومة. فمنذ بداية العام تم قتل 34 مستوطنا وغالبية من قام بالعمليات الفدائية مواطنون غير منتمين لأي فصيل سياسي، وعدد المناضلين المنتمين رسميا لحركة فتح وكتائب شهداء الأقصى ومن الأجهزة الأمنية ربما يفوق عدد من ينتمون رسميا لحركتي حماس والجهاد الإسلامي وحتى وإن كانوا ينتمون لهاتين الحركتين فهما حركتان فلسطينيتان، وقد أستشهد غالبيتهم هؤلاء الفدائيين وتم دفنهم في أرض فلسطين كفلسطينيين وتم تكفينهم بالعلم الفلسطيني وليس بعلم إيران أو حزب الله.
لا شك بوجود انقسام فلسطيني وتدخلات إقليمية لتعزيز الانقسام ودعم طرف على حساب الطرف الثاني، ولا شك أن لإيران أجندتها كما لجماعة الإخوان المسلمين أجندتهم، ولا ننكر دور حماس في الانقسام وانقلابها على السلطة وتطلعها للحلول محل منظمة التحرير في قيادة الشعب الفلسطيني، وصحيح أيضا أنه لو كانت أعمال المقاومة في إطار استراتيجية وطنية شمولية كما اتفقت على ذلك كل الأحزاب لكان جدوى المقاومة أفضل وما كان كل هذا اللغط والتشكيك الخ ولكن هذا لا يبرر تشويه المقاومة واعتبار كل عملية فدائية تخدم أجندة خارجية أو تهدف لإضعاف وإسقاط السلطة في الضفة، وستكون حركة حماس واهمة إن اعتقدت أنه سيحدث في الضفة كما حدث في غزة وأن الاحتلال سيمكنها من سلطة ودولة في الضفة.
إن كان الاحتلال يسعى لتدمير أو إلغاء الدور الوظيفي الوطني للسلطة الفلسطينية في الضفة أو تحويلها كوكيل أو رابطة قرى محدثة وهي السلطة التي تأسست في إطار مشروع تسوية سياسية تعترف فيه منظمة التحرير بإسرائيل كما أن السلطة تنسق أمنيا مع الاحتلال لقمع المجاهدين ووقف أعمال المقاومة كما تزعم حركة حماس، فكيف ستسمح إسرائيل لحماس بسلطة في الضفة وهي التي تقول علنا بعدم الاعتراف بإسرائيل والمقاومة المسلحة لتحرير كل فلسطين؟!