أثار إحالة الرئيس لأغلب شاغلي منصب المحافظ في المحافظات الشمالية والجنوبية الشهر الفارط، وفقاً للتقسيم الإداري المعمول به في فلسطين، مسألتين قانونيتين تتعلقان بالمرجعية الإدارية لشاغلي منصب المحافظ، ودستورية مرسوم الرئيس الناظم لعمل المحافظين، وهما مسألتان ضروريتان خاصة أنّ الهندسة الدستورية لمكانة منصب المحافظ/ الحاكم الإداري جاءت في الباب الخامس من القانون الأساسي المتعلق بالسلطة التنفيذية / مجلس الوزراء. الأمر الذي يشي إلى أنّ المشرع الفلسطيني أراد أنْ تكون تبعية المحافظ لمجلس الوزراء، وهو ما ذهب إليه المشرع في الفلسطيني في مشروع قانون التشكيلات الإدارية المقر بالقراءة الثانية في المجلس التشريعي عام 1998، والذي لم يتم استكمال الإجراءات التشريعية لإصداره وبقي أسير أروقة المجلس التشريعي منذ ذاك التاريخ؛ وذلك قبل إقرار القانون الأساسي ونشره في العام 2002.
وفي إطار الصراع على الصلاحيات بين رئيس السلطة ورئيس الوزراء عام 2003 إثر التحولات التي جرت على النظام السياسي آنذاك، أصدر الرئيس ياسر عرفات المرسوم الرئاسي رقم (22) لسنة 2003 بشأن اختصاصات المحافظين أعتبر المحافظ ممثلاً للرئيس واتبعه له مباشرةً، دون سند دستوري يمنح الرئيس صلاحية إصدار مراسيم تشريعية، أو نقل مرجعية شاغلي منصب المحافظ من الحكومة وفقاً للهندسة الدستورية، أو لوزارة الداخلية وفقاً المورث القانوني السائد كنظام التشكيلات الإدارية الأردني لسنة 1966؛ الذي ينص على "يعين المحافظ بقرار من مجلس الوزراء بناء على تنسيب وزير الداخلية وبصدور إرادة ملكية سامية"، وجاء إصدار الرئيس محمود عباس المرسوم 22 لسنة 2021 استكمالاً لذات الانحراف القانوني.
في ذلك الوقت وفي أتون معركة القبض على مراكز النفوذ في النظام السياسي بين قطبي السلطة التنفيذية، لم ينظرْ أحد بعمق لغاية المشرع الفلسطيني الدستوري عند صياغته أحكام المادة 85 من القانون الأساسي المعدل التي نصت على "تُنظم البلاد بقانون في وحدات إدارة محلية تتمتع بالشخصية الاعتبارية، ويكون لكل وحدة منها مجلس منتخب انتخاباً مباشراً على الوجه المبين في القانون" وهي ذاتها التشكيلات الإدارية التي نص عليها القانون المصري للحكم المحلي والنظام الأردني للتشكيلات الإدارية التي استقى المشرع الفلسطيني منهما مفهومه للتقسيم الإداري للدولة أو الحكم المحلي بالمعنى الشمولي. لكن الفلسطينيين اختصروا، في إطار الصراع على الصلاحيات، هذا النص على مجالس البلديات والمجالس القروية "الهيئات المحلية".
تظهر قرارة أحكام المادة 85 من القانون الأساسي أن المشرع الدستوري الفلسطيني كرس المعنى الواسع لمفهوم الحكم المحلي مبكراً باعتماد إرادة المواطنين في اختيار المسؤولين المحليين على مستوى وحدات الإدارة المحلية، وهو ذات التوجه الذي أخذت به كل من مصر والأردن في التعديلات القانونية الأخيرة على الإدارة المحلية؛ فعلى سبيل المثال تشير المادة 179 من الدستور المصري لعام 2014 وتعديلاته إلى انتخاب أو تعيين المحافظ. فيما ينص قانون الإدارة المحلية الأردني لسنة 2021 على انتخاب جزء من مجلس المحافظة في المقابل يتم تعيين المحافظ من قبل مجلس الوزراء ووجود مجلس تنفيذي للمحافظة برئاسة المحافظ وعضوية مدراء الجهات الحكومية في المحافظة، ولكل مجلس صلاحيات محددة.
أحالت أحكام المادة 85 من القانون الأساسي تحديد اختصاصات وحدات الإدارة المحلية ومواردها المالية وعلاقتها بالسلطة المركزية إلى القانون. لكن المشرع الفلسطيني لم يسعى لإعمال أحكام المادة 85 من القانون الأساسي إثر نفاذه سوى في مجالس الهيئات المحلية، ولم يعر انتباهً لوحدات الإدارة المحلية التي تعني ما هو أوسع من البلديات والمجالس القروية فقط؛ بالرغم من أنّ المشرع الفلسطيني وضع في ذات المادة 85 معايير تنطبق بشكل أدق على المحافظات كأحد أوجه التقسيم الإداري للدولة عند حديثه عن الأخذ بعين الاعتبار المعايير السكانية والجغرافية والاقتصادية والسياسية للحفاظ على الوحدة الترابية للوطن ومصالح التجمعات فيه، والقدرة على إعداد خطط التنمية وتنفيذها.
إنّ القراءة المعمقة لأحكام القانون الأساسي بشكل عام وأحكام المادة 85 منه بشكل خاص تقضي بالضرورة استرعاء انتباه الرئيس للتقسيم الإداري للدولة أو وحدات الإدارة المحلية لناحية إعادة النظر في التشريعات الناظمة لعملها والجهات التابعة لها وحدود علاقتها مع السلطة المركزية وأدوات الرقابة عليها بما ينسجم مع الهندسة الدستورية التي صاغها المشرع الدستوري، والقواعد الدستورية الآمرة التي رسمها في القانون الأساسي. الأمر الذي يقتضي التنويه لسيادة الرئيس للانتباه لواقعة تعيين المحافظين القادمة؛ لتصويب الخطأ الحاصل (اغتصاب السلطة على حد قول المحامين والقضاة) في مسألة التعيين بديلاً عن الانتخاب، ولاستمرار الموروث القانوني في أذهان المشرعين الجدد المخالف لأحكام القانون الأساسي المعدل.