عندما ننظر إلى ماضي قريتي الصغيرة شويكة - قضاء طولكرم، نجد فيها رموزاً من رموز العمل والتعليم والتربية النبيلة والوطنية بأوسع أبوابها على الصعيد المحلي والعالمي. اسمحوا لي أن أتحدث عن شخصيتين أثّرتا في مسار حياتي من أيام الطفولة والشباب بما اكتسبته منهما من معرفة وخبرة ورجولة وشهامة أبناء البلد، رحلوا إلى مثواهم الأخير خلال الفترة الماضية، إنهما رضوان شرفا "أبو نزار" وعادل رشيد غانم "أبو رشيد"، شخصيتان استطاعتا أن يتركا بصمة لا تنسى في قلوب كل من عاش في قريتنا وتعامل معهما عن قرب.
أبو نزار صاحب اليد الحديدية والبسمة المشهورة بإشراقتها، كان الفلاح الذي عاش حياته بكل تفانٍ واجتهاد في خدمة الأرض وأهل قريته. كانت يداه تعملان بجد في أرض القرية لكي يرويها، وكان دائماً مستعداً لمساعدة الجيران والأصدقاء في العمل الزراعي. كان يدير بئر ماء شويكة الغربي الذي يعتمد عليه عدد كبير من أبناء القرية المزارعين، وكان يجعله دائماً متاحاً لكل من يحتاج إليه.
لقد علمني العديد من الدروس منذ أن كنت أعمل معه لري أشجار البرتقال والليمون من خلال "الطورية" تلك الأداة التي كانت مصدر دخل لي بما يقدمه أبو نزار من أجر بدل كل ساعة عمل، لكن كل ساعة يتواجد معي بها في ذلك الوقت كانت لا تقدر بثمن بسبب روحه الممتعة ونصائحه الكثيرة، ليس فقط كيفية العناية بالأرض وزراعتها، بل وأيضاً كيفية الصمود والعمل الجاد في وجه التحديات.
كان أبو نزار مزارعاً يمتلك حكمة كبيرة ومعرفة عميقة بالحياة. كنا نلتجئ إليه دائماً لنستفيد من نصائحه وخبرته، خصوصاً في بعض قضايا البلد. كان رمزاً للتواضع والكرم، وكانت ضحكته الصادقة تضيء فضاء البلد. رحم الله أبو نزار وأسكنه الجنة التي يستحقها.
وعلى الجانب الآخر من القرية، كان هناك أبو رشيد، معلم القرية إذا أردنا وصفه، فقد كان مدير المدرسة الثانوية في شويكة. كان أبو رشيد قائداً تربوياً عظيماً لأجيال كثيرة من أبناء القرية، وقد أثّر بإيجابية كبيرة على حياة العديد من الشباب، كان الجميع يعتبره مثالاً للعلم والأخلاق.
يذكرنا أبو رشيد دائماً بأهمية التعليم والمعرفة، وكان داعماً قوياً لأولئك الذين كانوا يتطلعون إلى الحصول على تعليم جيد. كان يفتح أبواب المدرسة بكل سعة صدر، وكان دائماً متاحاً للإجابة عن أسئلتنا وتوجيهنا. كان يعلمنا أن التعليم هو المفتاح لتحقيق أحلامنا وأهدافنا.
يعامل جميع أبناء القرية كأولاده وربما أكثر!! يحب أبناء البلد لدرجة التطرف، علمني عشق القراءة، ومواجهة الأمور كما هي مباشرة دون أي مجاملة، علمني كيف أتحدث أمام الطلبة والخطابة أمامهم في المناسبات العامة مثل يوم المعلم، ويوم الأرض.. الخ، من خلال الإذاعة المدرسية. رحم الله أبو رشيد وأثابه على جهوده الجبارة في خدمة المجتمع والتعليم.
إنهما أبطالنا في شويكة، وسيظلون دائماً في قلوبنا كنماذج للعمل الجاد والتعليم النبيل رحيل هذين الرجلين العظيمين يترك فراغاً كبيراً في قريتنا، ولكن نجد العزاء في أن ذكراهم ستظل خالدة. إنهما خيرة من خيرة قريتنا شويكة، وسيظلون رمزاً للتفاني والعلم والعمل الجاد. في الأمس واليوم وغداً، سنتذكرهم دائماً بكل امتنان ومحبة، وسنحمل معنا تعاليمهم وإرثهم لنستمر في بناء مستقبل أفضل لقريتنا وللأجيال القادمة.