ليس صراعاً فلسطينياً فلسطينياً ذاك الذي تجري أحداثه على أرض مخيم عين الحلوة وداخل مسامات أهله، في صيدا جنوب لبنان، بل هو صراع داخل المخيم يستهدف السيطرة على المخيم والاستيلاء على الهامش المتاح للفلسطينيين في التعبير عن أنفسهم، كلاجئين، كحركة سياسية فلسطينية، مستقلة، تتوسل العودة بشعبها وقدراتها إلى وطنها الذي ليس لها غيره.
الذين هُزموا في سوريا والعراق، بعد أن دمروا ما دمروه، وحرقوا ما حرقوه وقتلوا من قتلوه، وفشلوا في مساعيهم نحو "الخلافة" التعسفية التي حاولوا فرضها بقوة السلاح بعيداً عن قوة الإيمان والمعتقد، متوهمين أنهم وحدهم من يمثل الصفوة وعودة الخلافة وتغيير الواقع، ولم يدركوا، ولن يدركوا بعد أن الإيمان يحتاج للحكمة والاقناع وسعة الصدر والحلم المتأتي من الثقة بصواب الفكرة وتداعياتها، وليس بالحديد والنار والتصفيات الجسدية.
الذين هُزموا في سوريا والعراق تسللوا إلى لبنان ولم يجدوا مرتعاً إلا في جزر المخيمات التي تملك هامشاً من حرية الاختيار وضعفاً في أجهزة الأمن، ورغبة لبنانية لأسباب داخلية وخارجية متعددة تحول دون إنهاء السلاح في المخيمات.
استغلت الفصائل الجهادية السياسية المتطرفة من داعش والقاعدة ومسمياتها المختلفة: شباب الإسلام، جُند الشام، استغلوا هامش المخيم وأقاموا فيه، وبات المخيم هدفهم ومركز ثقلهم، مما فرض التصادم بينهم وبين حركة فتح على سلطة المخيم وقراره الأمني، وقد سبق التصادم في نهر البارد قبل عين الحلوة، وهي سياقات دموية لن تتوقف حتى يقع الحسم لصاحب القدرة على الحسم، والواضح أن كليهما فتح والفصائل الجهادية لا تملك القدرة على الحسم، ولذلك يتوقف إطلاق النار، للتزود والتحضير تمهيداً لليوم التالي وهكذا، تتواصل الصدامات مخلفة الموت والدمار والتهجير للمهجرين اللاجئين الفلسطينيين الذين يدفعوا ثمن عدم عودتهم لبلداتهم في فلسطين.
حرب المخيمات إن جاز وصفها، تستهدف سياسياً إنهاء الوجود البشري الفلسطيني، استجابة لإنهاء قضية اللاجئين العنصر الثاني للقضية الفلسطينية، فالوجود على أرض فلسطين يتجاوز السبعة ملايين، والوجود البشري من اللاجئين الفلسطينيين خارج فلسطين يتجاوز أيضاً السبعة ملايين، مما يشير إلى أهمية تصفية وجودهم كقضية عبر برامج متعددة، ومنها وفي طليعتها إنهاء قدرات الأونروا تغطية احتياجات اللاجئين الفلسطيين.
حرب المخيمات في لبنان، كما حصل لمخيم اليرموك في دمشق السورية، الذي كان هدفاً تم تمزيقه وتهجير أهله، وتصفية وجوده كمخيم للفلسطينيين، وها هي معركة المخيمات التي تهدف للسيطرة عليه من قبل الفصائل الجهادية، انسجاماً وتوافقاً مع برنامج يفوق وعيهم في أهمية الحفاظ على الهوية الفلسطينية للمخيم، وأهمية بقاء المخيم كعنوان لقضية العودة إلى الوطن وفق القرار الأممي 194.
التدمير لعناوين القضية الفلسطينية تتم في كل الساحات بأدوات وعناوين مختلفة واضحة فاقعة بدءاً من الانقسام بين فتح وحماس، بين الضفة والقطاع، مروراً بالانقسام الحزبي البرلماني بين القائمة البرلمانية المشتركة والقائمة البرلمانية الموحدة لفلسطينيي مناطق 48، وليس انتهاءً للصراع والصدام الدموي بين فتح في مواجهة الفصائل الجهادية في مخيمات لبنان.