على الرغم من أن الشعب الفلسطيني الذي كافح وناضل وقاوم الاستعمار والاحتلال على مدى أكثر من مئة عام، لم يحقق حلمه بتحقيق حريته وممارسة سيادته على أرضه وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، إلا أنه واجه كل المؤامرات الدولية التي حاولت تصفية قضيته، ومحو هويته الوطنية وإنهاء وجوده من خلال تشريده وتوطينه في الدول العربية والأجنبية، وفرض على العالم كله وجوده على الخريطة السياسية الدولية، وأدرك العالم سواء صديقا أو شقيقا أو عدوا، أنه لا يمكن تحقيق السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط دون حل القضية الفلسطينية، حلا عادلا يمنح الشعب الفلسطيني حريته واستقلاله الوطني، كما عبر عن ذلك الرئيس الفلسطيني أبو مازن في بداية كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة مساء أمس الخميس ( واهم من يعتقد أن السلام بالشرق الأوسط يتحقق دون حصول الشعب الفلسطيني على كامل حقوقه ) وكأنه لخص خطابه بهذه العبارة التي تحمل في طياتها دلالات ومعاني تاريخ الشعب الفلسطيني ذو الكفاح والنضال الطويل والمليء بعشرات الألوف من الشهداء والجرحى والأسرى...والذي انطلق بثورته المسلحة بقيادة حركة فتح، في الفاتح من يناير ليعلن للعالم كله أن هذا الشعب نهض من الرماد كطائر الفينيق، ليرسم خارطة الشرق الأوسط من جديد ويحول قضية اللاجئين من قضية إنسانية إلى قضية سياسية، وإلى قضية شعب له حقوق سياسية وتاريخية في وطنه وأرضه. لقد خاضت الثورة الفلسطينية المعاصرة العديد من المعارك والعمليات العسكرية كان أبرزها معركة الكرامة وبمشاركة من الجيش العربي الأردني في الحادي والعشرين من آذار/ مارس عام 1968، وحققت نصرا كبيرا على جيش الاحتلال الذي وصف نفسه بأنه الجيش الذي لا يقهر بعد هزيمة حزيران 1967، وتوالت المعارك والعمليات العسكرية التي أبدعت في الوسائل المستخدمة منذ ذلك التاريخ وحتى ما بعد حصار بيروت عام 1982، وعلى الرغم من ابتعاد قوات الثورة الفلسطينية آلاف الأميال عن فلسطين، إلا أن العمليات العسكرية لم تتوقف.. بل على العكس تماما اشتعلت الأرض المحتلة نارا ملتهبة عندما أشعل شعبنا انتفاضته المجيدة عام 1987تحت أقدام جنود الاحتلال وما زال حتى الآن... هذا ما أراد الرئيس أبو مازن أن يقوله للعالم أن الشعب الفلسطيني الذي صنع إرثا نضاليا متراكما ضد الاحتلال، لن يخضع أو يستسلم له، وسيستمر بالنضال والمقاومة بشتى الوسائل المتاحة، وإن كانت المرحلة الحالية تقتضي المقاومة الشعبية، ولكن شعبنا لم ولن يسقط البندقية إلى الأبد.. فبعيدا عما يمتلكه الكيان الصهيوني من دبابات وصواريخ وطائرات، فشعبنا بالمقابل يمتلك الإرادة والعزيمة القوية والإبداع في ابتكار وسائل المقاومة الموجعة للاحتلال، فقد عبر الزعيم ياسر عرفات عن غبطته لانتمائه لشعب الجبارين، الذي إذا ما فقد الأمل يصنع المعجزات، وأن هذا الشعب أكبر من قيادته....وجاء الرئيس الفلسطيني أبو مازن ليكمل المسيرة الوطنية للشعب الفلسطيني، التي ستستمر حتى انجاز الهدف الأساسي لنضال الشعب الفلسطيني، برفع شبل من أشبالنا أو زهرة من زهراتنا علم فلسطين فوق أسوار القدس ومآذن القدس وكنائس القدس، كما ردد ياسر عرفات لدى دخوله فلسطين عام 1994 . وبالأمس أثبت السيد الرئيس كعادته، ومهارته الفائقة، واحترافه المبدع في العمل السياسي والدبلوماسي، وحصل على شهادة تقدير بدرجة " امتياز " من الدول التي حضرت، وكل من شاهد خطابه الذي حمل الرواية الفلسطينية وأوصلها للعالم بنجاح.. ففي كل مرة يظهر الرئيس للعالم جوانب قوة وتأثير جديدة للقضية الفلسطينية بحكم عدالتها وجرائم الاحتلال المستمرة ضد هذا الشعب العظيم..وفي كل مرة، ينجح الرئيس في إحداث اختراقات جديدة، في الرأي العام العالمي على المستويين الرسمي والشعبي..وباتت القناعة لدى شعبنا الفلسطيني، مؤكدة أن الاحتلال إلى زوال، وأن فلسطين الدولة المستقلة قادمة لا محالة..فهي منتصرة بشعبها الذي لم يتوقف عن نضاله ومقاومته للمحتل منذ أكثر من قرن... لذلك واهم كل الوهم من ظن أن ما سمي باتفاق أوسلو هو نهاية المطاف لنضال هذا الشعب العنيد.. ولن يستطيع الاحتلال بألاعيبه وخداعه، أن يفرض على شعبنا واقعه على الأرض مهما فعل ومارس من جرائم... فمن يظن ذلك بالتأكيد يعيش حالة من الضياع الفكري، لأنه لا يقرأ التاريخ... فما زالت الرصاصة في جيب مناضلينا...فهناك من ظن أن أبو العبد الفلسطيني أنهى مقاومته في عام 1948 ، ولكنه فاجأ العالم برصاصته المخبأة تحت شجرة الزيتون الممتدة جذورها في عمق أعماق الأرض، لينطلق بها في الفاتح من يناير عام 1965 معلنا فصلا كفاحيا جديدا في تاريخه النضالي