تتسارع وتيرة حملات الانقضاض على القضية الفلسطينية من كل صوب وحدب ، من العرب والعجم ومن الشقيق وابن العم ، املا في انهائها ومحو الهوية الفلسطينية الوطنية ، وباتت السفينة الفلسطينية تبحر دون وجهة واضحة ، تتلاطمها امواج عاتية ، ربانها غير قادر على ارسائها الى شاطىء الامان ، يقف امام دفتها يحرفها يمينا ويسارا ولكن دون جدوى ..
الفلسطينييون حائرون، تائهون، منقسمون، عاجزون، مضطهدون، يتخبطون، يواجهون مصيرهم وحيدين، ينشدون عدالة محرمة عليهم محللة لغيرهم، تكالبت عليهم الدول واستبدلت قضيتهم السامية من وطن محتل وشعب تشرد في اصقاع الارض وثار ينشد العدالة ويصبو الى الحرية ، الى قضية ضرورات انسانية واحتياجات ملحة ، ومصالح مرتبطة بمصلحة اعدائهم ، وصل الحال ببعضهم ان يستبدل كوفيته " بالبرنيطة " ومن النطق بلغة الضاد الى لغة " العم سام وصعفص قرشت " .. وبعضهم يتسلح بالدين والوطنية خداعا لتبرير تخاذله وتواطئه مع محتل خطط ونجح بامتياز في جعل قضيته داخلية محلية يعالجها بالرؤية التي يراها مناسبة ، عدو نجح في الهائه بامور ثانوية زائفة زائلة ليصرف نظره عن مقارعته ، ولعل ابسط برهان على ذلك ، الخارطة التي رفعها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو اثناء كلمته امام الجمعية العامة للامم المتحدة - والتي من المفترض انها المدافع الاساس عن حقوق الشعوب المضطهدة وعدالتهم وحريتهم - ، دون اي اشارة الى فلسطين والفلسطينيين .
الفلسطينييون جغرافيتهم تبعثرت بين ( أ ب ج ) حتى باتت وشيكة على التلاشي .
ديموغرافيهم عيونها الى البحر ممرا محفوفا بالمخاطر هروبا الى مستقبل غامض والاغلب انه مظلم .
احرارهم اغلقوا افواههم وصموا آذانهم ، وتغاضوا عن شرور اغيارهم ، الذين كانوا يوما شركائهم في درب الحرية لكنهم انضموا الى درب "ابي رغال" !! بندقيتهم استبدلوها باوراق شجر الغرقد !! اقصاهم بات في مهب الريح ، من تقسيم زماني الى تقسيم مكاني الى مكان على وشك ان يحرم المسلمون من الصلاة والتعبد فيه !! قيامتهم لا تكف عن قرع اجراس الحزن وملح الارض الفلسطينية يصارع من اجل وجوده الذي بات مهددا بالتلاشي !! اسراهم ، الشهداء الاحياء يلاحقهم الجلاد الظالم في ابسط احتياجاتهم ويصارعون وحيدين بلا مدد رسمي او شعبي يرقى الى مستوى تضحياتهم ، سوى كلمات مبعثرة هدارة تارة ، وتارات عدة ركيكة لا تغني ولا تسمن من جوع !! مجتمعيا ، تتنامى في عقولهم الانفلات والفلتان والابتعاد عن الانضباط واخذ الحق باليد .
اشقائهم يتهافتون ويلهثون لاسترضاء اولاد العم الذين لا يدخرون جهدا في استثمارالواقع المأساوي المؤلم لرسم خارطة ونظام جديد تحت مظلتهم يحققون ما كانوا وما زالوا يحلمون به ، قائم على استغلال وتوظيف ثرواتهم وترك الفتات لهم يؤمنون منه قوتهم اليومي .
اما من يطلق عليهم الاصدقاء ، فهم نوعان : الاول ، شاءت ظروفه ان يكون في يوم من الايام شريكا في المعاناة وكابد من ويلات مماثلة ولكن لا حول ولا قوة ولا تاثير له ، والاخر يدعي بالعلن انه داعم وومدافع ولا يتاخرعن التنديد والاستنكار والشجب ، ولكن في الخفاء مخالف بشكل كلي لما يظهره بالعلن ، بل ويكيل بمكيالين ويساوي بين الضحية والجلاد في احيان كثيرة ويذرف دموع التماسيح حزنا في احيان اخرى ، وفي نفس الوقت يحتسي نخب الخديعة ولا يكترث الا لمصالحه حتى لو كانت على حساب معاناة شعوب اخرى . لا يختلف اثنان على تردي الوضع الفلسطيني ،
وحالة التيه التي تعيشها القيادة ، وحالة اللامبالاة المخيمة على الشعب باستثناء بعض المناوشات هنا وهناك ، - صحيح انها تؤرق الاحتلال وتقض مضاجعه احيانا ، لكنها تفتقر لظهير وطني يساندها ، ما يجعل من مناوشاتها " خفيفة الظل " – وترهل الحركة الوطنية الفلسطينية بكل الوانها واطيافها ، - وحتى الاسلامية طالها الترهل - لاسباب عدة على راسها الاحتلال واستهدافه للكل الفلسطيني بشتى الاشكال .
ردات الفعل الفلسطينية الرسمية لا تتجاوز حدود بيانات الادانة والشجب ، ومناشدة المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته وتطبيق شرعيته المحرمة على الفلسطينيين والمحللة على كل من يفكر او يحاول التمرد على السياسات الغربية الاستعمارية ، من العرب والمسلمين واحرار العالم .
والسؤال الذي يطرح نفسه ، هل ستستمر سياسة استجداء المجتمع الدولي والتعويل عليه ؟ كم من قرار اتخذته الشرعية الدولية لصالح القضية الفلسطينية ؟ كم من قرار جرى تنفيذه لصالح الشعب الفلسطيني ؟ ألم ندرك بعد ان لغة الاستجداء يستسخف بها المجتمع الدولي ؟ الم نصل بعد الى نتيجة حتمية ان هذا المجتمع الظالم لا يفهم سوى لغة القوة !!
لطالما حظيت القضية الفلسطينية بالتأييد العالمي والدولي ، واصدرت الشرعية الدولية قرارت عدة أكدت على حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة على أرضه ، وأدانت كافة أشكال الاحتلال والزحف الاستيطاني في فلسطين ، والممارسات اللانسانية !! ولكن جميعها بقيت حبر على ورق !! وابعد من ذلك فان هذه الشرعية الدولية تختفي اذا ما تعلق الامر باسرائيل بحجة الحفاظ على أمنها كونها " مهددة " من جيرانها ، فيما تستأسد ذات الشرعية اذا ما تعلق الامر بفلسطين والعرب !!
ألم ندرك بعد ان الولايات المتحدة الامريكية الراعي الوحيد لما بات يسمى عملية السلام غير حيادية وما يهمها الحفاظ على امن واستقرار دولة الاحتلال ليتسنى لها القيام بالدور الذي انشأت لاجله ، حتى تتفرغ لسياساتها في السيطرة على موارد الشعوب وتفكيك الاحلاف المعارضة لها وتمزيقها .
من دون شك ان هناك انسداد في الافق السياسي ، والمجتمع الدولي بات غير مكترث ولا يبالي لما يجري في الساحة الفلسطينية ، والسبب في ذلك هو ما وصلت اليه الحالة الفلسطينية من ترهل وانقسام وفساد دك مفاصلها من جميع الجهات اضر بسمعتها وتراجعت اولويتها .
من دون شك ان العدو ومن يعاونه لا يعرف سوى لغة القوة !! فما هي نقاط القوة التي يمتلكها صاحب الحق وسط حالة التشرذم الداخلي والانقسام وفقدان الثقة امام باطل ينمو على فطرياتنا العفنة !! وامام الانسداد - حتى اللحظة - في افق ترميم البيت الداخلي والامور تسير نحو الانفلات والفلتان ولعل ما جرى ويجري في الخليل نموذج صارخ وناقوس خطر يستدعي التوقف عنده !!
الشعب الفلسطيني يملك نقاط قوة عدة ، ولعل اهمها ايمانه بحقوقه الشرعية والتمسك بها - وما حق يضيع ووراءه مطالب - ولكن وقبل كل شيء لا بد من الاهتمام بالوضع الداخلي وترميمه والعمل بجدية ووطنية لاستعادة الثقة وجسر الهوة ما بين القاعدة والهرم ، وهذا يتطلب توفر ارادة قوية ونوايا وطنية صادقة لتنظيف البيت الفلسطيني واعادة ترتيبه وتوحيد الصف الوطني وتعزيز القدرات الفلسطينية لمواجهة ما يحاك ضد الشعب الفلسطيني .
فالوحدة الوطنية اهم نقاط القوة الفلسطينية ، ومن ثم البدء بعملية مصالحة داخلية حقيقية بعيدة عن التجاذبات والمناكفات السياسية والحزبية ، واختيار من يمتلك القدرة والدافع الوطني الخالص وصولا الى رص الصفوف وتوحيد وتعبئة الجهود النضالية الكفاحية لكافة مكونات الشعب الفلسطيني وعمل جماعي يعمل على صياغة برنامج وطني متوافق عليه من كافة القوى الوطنية والاسلامية لا يستند الى المطامع الحزبية ، بل قائم على اعادة الهيبة للقضية الفلسطينية عبر منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني ، وجمع شمل فصائلها ورفدها باجيال شابة تتمتع بحس وطني واجنده فلسطينية وطنية بحتة وعلى اساس حوار وطني شامل يصل الى برنامج وطني متوافق عليه لاعادة القضية الفلسطينية الى سلم الاولويات على الصعد المحلية والعربية والدولية .
وقد يخرج البرنامج الوطني المتوافق عليه الى فكرة عصيان مدني تبادر اليه رموز قيادية وطنية ، كإعلان الاضراب المفتوح عن الطعام امام مقرات الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي ولو طال امده ، تشارك فيه سفاراتنا في الخارج بمجموعة من الفعاليات المساندة ، ومدعوم بمجموعة من الطلبات على رأسها تطبيق قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية والزام سلطات الاحتلال بها ، ومحاسبتها ايضا على جرائمها بحق ابناء الشعب الفلسطيني امام محكمة الجنايات الدولية ، والافراج عن جميع الاسرى والمعتقلين او كحد ادنى معاملتهم معاملة اسرى الحرب وعدم الاستفراد بهم .
الحالة الفلسطينية تاريخيا ، حافلة بمثل هذه الفعاليات ، وللتذكير الاضراب عن الطعام الذي قاده المرحوم الشهيد فيصل الحسيني ، امير القدس ، في ايار 1990 ، في مقر الصليب الاحمر بالقدس ، احتجاجا على مجزرة عيون قارة ، وضم عدد كبير من الشخصيات الوطنية والفعاليات الشعبية ، ومن قبله الاضراب الطويل الذي خاضته فلسطين عام 1936 احتجاجا على الهجرات اليهودية الى فلسطين ، وشواهد نضالية وطنية كثيرة لا حصر لها .