العملية الفدائية التي قامت بها كتائب القسام واحتلت خلالها عدة مستوطنات في غلاف غزة وقتلت وأسرت المئات من الإسرائيليين كانت مفاجئة للجميع من حيث التوقيت وحجمها وخسائر العدو وتأثيراتها النفسية على الإسرائيليين والفلسطينيين أيضا تداعياتها السياسية المتوقعة فلسطينياً وعربياً ودولياً.، كما ستكون ردة فعل إسرائيل قوية وعنيفة ومختلفة عن حروبها السابقة على القطاع.
خلال اليومين السابقين غطت غالبية الفضائيات ووكالات الأنباء ووسائل التواصل الاجتماعي الفلسطينية والعربية ما يجري وأسهبت في إظهار بطولات المقاومين الفلسطينيين وكيف أسقطوا ببطولاتهم كل المراهنات والأوهام التي روجت لها حكومة اليمين الصهيوني كالزعم بانتهاء القضية الفلسطينية وتطويع حركة حماس في غزة والسلطة في الضفة للأمر الواقع، وهو الأمر الذي ساعدها على ترويج روايتها الصهيونية عربياً ودولياً وعلى أساسها جرت عديد الدول العربية للتطبيع والتخلي عن الشعب والقضية الفلسطينية، أو الزعم بأن الشعب الفلسطيني منقسم على نفسه وصراعاته الداخلية تطغى على صراعه مع الاحتلال الخ.
إعلان إسرائيل حالة الحرب رسمياً وهو ما لم يحدث منذ حرب أكتوبر1973، وإعلان واشنطن وعلى لسان الرئيس بايدن في مؤتمر صحفي خاص بأحداث غزة بأن واشنطن تقف بكل حزم الى جانب إسرائيل وتضع كل امكانياتها المالية والعسكرية لدعمها وهو ما أكد عليه وزير الخارجية بلينكن وترسل حاملة طائرات للمنطقة، هذا يعني أن الأمور لن تقتصر على رد الاعتبار لهيبة الجيش الإسرائيلي من خلال عملية محدودة في غزة بل هي مؤشرات على تداعيات استراتيجية للحرب تتعلق بالقطاع ومستقبل حركة حماس في غزة وعلاقة غزة بإسرائيل، كما تحمل تحذيراً لأطراف أخرى فيما لو تدخلت في الحرب كحزب الله أو إيران، أو تدهور الوضع الأمني في الضفة والقدس وداخل الخط الأخضر.
الى الآن لا يبدو أن الحرب ستتطور لحرب إقليمية حتى على مستوى حزب الله، لانشغال (محور المقاومة) بمشاكل داخلية وتعرض أطراف المحور لضغوط دولية والخوف من الانزلاق لحرب لن تكون مع إسرائيل فقط بل مع واشنطن والغرب عموماً، مع اعتقادنا بوجود تهويل في دور ايران ومحور المقاومة فيما يجري في غزة وعموم فلسطين للتغطية على فشل إسرائيل في مواجهة المقاومة الفلسطينية والإهانة التي تعرضت لها في عملية (طوفان الأقصى)،وبالتالي ستقتصر الحرب الآن على جبهة قطاع غزة و إسناد شعبي من فلسطينيي الضفة وستكون حرباً صعبة تمتد لأيام وأسابيع ستغير المعادلة في قطاع غزة وربما في الشرق الأقصى.
مع أن حركة حماس ثبتت نفسها كرقم صعب وأساسي في المعادلة الفلسطينية الداخلية، ومع أهمية ودراماتيكية عملية حماس وبطولة مقاتليها إلا أن الاحتلال الكبير في ميزان القوى يميل كثيراً لصالح الكيان الصهيوني، وهو الأمر الذي يطرح تساؤلات عن هدف حركة حماس من القيام بهذه العملية النوعية وهي تعرف الاختلال في موازين القوى لصالح العدو كما تعرف بأن محور المقاومة لن يتدخل بشكل مباشر؟ أيضا تساؤلات حول مستقبل قطاع غزة وحركة حماس بعد الحرب؟
ما قامت به حركة حماس فعل طبيعي وحق مشروع لحركة مقاومة ضد الاحتلال إلا أن العملية الفدائية تدخل في سياقات أخرى نظرا لتموقع حركة حماس كحكومة وسلطة تحكم في قطاع غزة وتتعامل معها عديد الدول على هذا الأساس، حتى إسرائيل ولسنوات تتعامل معها وتنسق معها بطريقة غير مباشرة كسلطة أمر واقع بل إن نتنياهو اعترف أكثر من مرة بأن وجود حماس في السلطة في القطاع يخدم مصلحة استراتيجية لها، فما الذي تغير وكيف ستؤول الأمور؟
استمعنا في اليوم الأول للحرب خطابات القائد العسكري محمد الضيف ورئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية ونائبه صالح العاروري وكلها أكدت أن عملية (طوفان الأقصى) جاءت كردة فعل على انتهاك المسجد الأقصى وإرهاب المستوطنين وأنها تهدف لتحرير الأقصى وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي! وهو نظرياً هدفاً مشروعاً، ولكن كيف سيحدث ذلك عملياً في ظل وجود حماس في السلطة في غزة ووجود سلطة أخرى في الضفة والحالة المتردية للعالمين العربي والإسلامي وعدم وجود عملية سياسية للسلام، ثم صدور تصريحات لاحقة من المقاومة بعد أسر مئات الإسرائيليين بأن الهدف مفاوضات لتبادل الأسرى، فهل ستؤول الأمور لمفاوضات بين حماس وإسرائيل تكون فيه حماس في موقع القوة لفرض شروط على العدو في أمور تتعلق بواقع ومستقبل قطاع غزة وتثبيت سلطتها؟ أم سيتجاوز ذلك لتغيير المعادلة كليا على مستوى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟
إن كان من السابق لأوانه الحسم في نتائج الحرب ومدى قدرة المقاومة الفلسطينية على تحقيق أهدافها الاستراتيجية في هذه المرحلة من الحرب التي ما زالت في بدايتها وتداعياتها الإقليمية غير واضحة وحجم وأهداف ردة الفعل الإسرائيلية غير واضحة أيضاً، وما زال من غير الواضح هل تريد إسرائيل انهاء الدور الوظيفي لحماس في القطاع وإحلال سلطة فلسطينية بديلة أو مجرد إضعافها وتدمير قدراتها العسكرية كلياً مع الحفاظ عليها كسلطة للحفاظ على حالة الانقسام الفلسطيني؟ إلا عملية (طوفان الأقصى) حققت إنجازات معنوية وأعادت القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث، إلا أننا نأمل من فصائل المقاومة الحذر من مخطط إسرائيلي سيتم تنفيذه بعد حرب برية مدمرة على القطاع حيث يتم استدعاء تدخل دولي يؤدي لمرابطة قوات دولية على حدود القطاع وقطع التواصل والعلاقات كليا. مع القطاع ورميه في أحضان مصر، وخصوصا بعد اقتحام المقاتلين الفلسطينيين للمعابر بين القطاع ودولة الكيان وبالتالي مع بقية فلسطين، واحتمال عدم فتحها مرة أخرى.