لأول مرة في التاريخ، أشاهد كبير مذيعي بريطانيا الشهير «بيرس مورغان» يتلعثم ويتم لجمه ويصاب بحالة من التشويش الذهني أثناء استضافته الإعلامي المصري الساخر باسم يوسف الذي قام بتعرية الاحتلال الإسرائيلي وكل من يسانده، والذي انتقد خلال الحلقة ليس فقط سياسة الاحتلال الإسرائيلية في التعامل مع هجومها على غزة؛ وإنما ذهب إلى جوهر القضية الفلسطينية.
واحتلت المقابلة بشكل سريع الصدارة في جميع المنصات ووسائل التواصل الاجتماعي، واعتلت مؤشرات البحث في متصفح «غوغل» ومختلف الوسائل والأدوات الإعلامية الإلكترونية، وتجاوزت نسبة المشاهدات خلال ساعات بثها الأولى الخمسة ملايين مشاهدة، وعشرات آلاف التعليقات.
في ظل الواقع المحزن الذي تعيشه قضيتنا والإنسانية على الصعيد العالمي من جهة، وتشويه النضال الفلسطيني وقلب الحقائق بتجريم الضحية؛ يخرج لنا باسم يوسف بالزمان والمكان المطلوبين من خلال الشاشة التي اشتاقت له ولأسلوبه الساخر في الكشف عن الحقائق.
السخرية مهمة لأنها لا تقدم المشاكل بطريقة فكاهية فقط، ولكنها تطرح أيضا السؤال الأساسي على الجمهور: كيف يمكننا إحداث تغيير؟ لقد استهدفت الكوميديا القضايا عبر الطيف السياسي، وهو أمر مهم في النظر إلى وجود وجهات نظر متعددة والاعتراف بأن العيوب موجودة في مختلف الاتجاهات.
وبشكل مثير للاهتمام، هاجم باسم يوسف من خلال تحضيره الأرقام والصورة ورسمه سيناريو إلقاء بأسلوب فاجأ مورغان، ما جعل المعلومة تنساب بشكل سلس وإنساني والأهم بأنه قام بحملة توعية بالقضية الفلسطينية والضحية الحالية، ومع ذلك، ليس الجميع يعترف بالسخرية، وهو أمر يمكن أن يكون مشكلة. إذا كان الناس لا يستطيعون التعرف على القضية الحقيقية، فإنه يصعب العثور على الحل!!
يحظى الأميركيون والغرب بحرية الوصول إلى المعلومات والتصويت على السياسات التي ستشكل حياتنا ومستقبلنا. ومع ذلك، يعني وجود إنترنت مفتوح وصحافة أن هناك فيضا من المعلومات يجب فحصه، وليس كلها موثوقة أو حقيقية.
مقابلة باسم يوسف قصفت جمهورا واسعا ممن ينحاز إلى الاحتلال، أو ممن ليس لديه معرفة، أو ممن لديه معرفة مشوهة، بأسلوبه الرائع ساعد على تسليط الضوء على القضايا الإنسانية ووسع آفاق الأشخاص الذين قد لا يتحققون دائما من صحة المعلومات الخاصة بهم، أو ربما يستمعون فقط إلى شبكة أخبار واحدة.
لقاء باسم يوسف بهذا التوقيت ساعد في ضمان أن تكون وسائل الإعلام التقليدية ـــ خاصة وسائل الإعلام الغربية ـــ أكثر اهتماماً بالمشاهدين، وساعد أيضا الجمهور على أن يصبح أكثر إلماما بوسائل الإعلام والأجندات التي تهدف إلى تضليل المشاهد وقتل الحقيقة!
استطاع باسم يوسف إبراز لحظات ممارسات صحافية غير احترافية لأشهر مقدمي برامج تلفزيونية في بريطانيا «بيرس مورغان» وتنبيه ــ نحن ــ المشاهدين إلى لحظات التراجع في آرائه. على الرغم من أن يوسف، كساخر، قد نقل رسائله على شكل فكاهة ونكات، إلا أن السخرية المضمنة في الحلقة كانت حزينة وتناولت قضايا جادة في مذابح الاحتلال بشعبنا ليس فقط بغزة وإنما بالضفة الغربية أيضاً.
نجح يوسف، الذي يوصف في كثير من الأحيان بجون ستيوارت مصر أو جون ستيوارت العرب، في اعتماد تقنيات استخدمها في برنامجه المشهور «البرنامج» مثل التعبيرات المضحكة واللغة الجريئة وحركات الجسم والانتقاد الشديد.
القضية الفلسطينية بحاجة إلى «البرنامج» بنسخة فلسطينية من أجل توعية العالم بقضيتنا بكافة جوانبها وتفاصيلها التي يجهلها العالم ولا يريد ربما أن يعلم بها، يمكن لوسائط الإعلام الفكاهية في العصر الرقمي مع محتواها أن تكون لها تأثير أوسع بكثير على المجتمعات بالمقارنة مع محتوى الوسائط التقليدية.
كُلي أمل أن نرى في المستقبل باسم يوسف بعروض ساخرة سياسية مماثلة حول القضية الفلسطينية. يُمثل النجاح السريع الذي حققه يوسف في لقاء مورغان مع ملايين المشاهدين ومتابعي وسائل التواصل الاجتماعي، حاجة إلى هذا النوع في العالم من أجل إعادة القضية إلى مساقها ومسارها الصحيح والتوعية في عدالتها الإنسانية.