قد يعتقد قارىء العنوان ان كلمات المقال ستكون حول شخصية ما او قائد هنا او هناك !! خليل ما هو الا انسان بدت عليه البساطة والسعي وراء زرقه وقوت اولاده ، ولكن فعله كان احد اسباب النجاح الذي حققته عملية " طوفان الاقصى " في السابع من تشرين اول الجاري ( اكتوبر ) فمن هو هذا " الخليل " ؟؟
قبل الخوض بتفاصيل خليل ، لا بد من الاشارة الى ان دولة الكيان كانت قد شنت قبل السابع من اكتوبر ستة حروب على قطاع غزة خسرت فيها المقاومة الفلسطينية اضعاف ما خسرته قوات الاحتلال الغازية ، وجميعها كانت حروب دفاعية من جانب المقاومة حيث كانت تتصدى بما تملك من امكانيات محدودة للغاية وفي اغلبها تصنيع محلي ، مقابل عدوان مدجج باحدث الاسلحة الفتاكة والقنابل ومعظمها محرمة دوليا ، ولكن وسط التعمد في تغييب الوعي الدولي والعدالة الكونية ، يجري غض الطرف عن ممارسات الاحتلال المخالفة لكافة الاعراف والقوانين الاممية ، بحق شعب متعطش لعدالة تغيب عنه منذ عقود طويلة ، ما يجعله يصب جل اعتماده على عدالة السماء .
المقاومة الفلسطينية والتي تقف على رأسها حاليا حركة المقاومة الاسلامية " حماس " ، ومن خلفها حركة الجهاد الاسلامي ، كانت دوما هدفا لموجات متعددة من العدوان طال الحجر والبشر في قطاع غزة المحاصر منذ 2007 ، والبالغة مساحته 365 كم . ومنذ سيطرة حركة حماس على كامل القطاع عام 2007 ، والضحايا بالالاف والغالبية العظمى منهم من الابرياء العزل قضوا تحت انقاض ما كان الاحتلال يدمره بقصف همجي وحشي حتى دور العبادة اسلامية كانت ام مسيحية ، لم تسلم من قنابلهم الحارقة ، والعدالة الكونية مغيبة وسياسة الكيل بمكيالين هي المخيمة خاصة اذا ما تعلق الامر بالساحة الفلسطينية .
ومن هنا قامت قيامة العالم الاستعماري الحاضن للاحتلال والمدافع عن ممارساته في اعقاب عملية طوفان الاقصى التي بدات في السابع من تشرين اول الجاري ( اكتوبر ) وما زالت راح فيها الوف مؤلفة من الابرياء الفلسطينيين ، مقابل عدد كبير هذه المرة من الجانب الاخر ، ناهيك عن كم لا بأس به من اسرى اسرائيليين ، عسكريين ومدنيين ، مع انه في المفهوم الاسرائيلي لا يوجد مدنيين اسرائيليين لان الخدمة العسكرية الاجبارية تطال كل اسرائيلي ، رجال كانوا ام نسوة !!
السابع من " اكتوبر" يوم تاريخي مميز في تاريخ الثورة الفلسطينية ، ومفصلي في مسار قضية تكالب عليها بنو البشر من كل صوب وحدب ، حتى بني جلدتنا ومن نرتبط معهم باللغة والدين والعرق لم نسلم من مؤامراتهم على مر الزمان ، لذلك يمكن القول ان ما بعد هذا التاريخ لن يكون كما قبله .
كثير من المحللين اعتبروا عملية طوفان الاقصى مغامرة ، ولكن كما يبدو من مجريات الامور حتى اللحظة محسوبة بدقة متناهية ، حتى ردة الفعل المسعورة البربرية التي قامت بها دولة الكيان ، كانت ضمن معطيات الحسبة ، والتي اودت بحياة الالوف من ابناء شعبنا في القطاع نصفهم من الاطفال والشيوخ والنسوة ، حتى ان هناك عائلات برمتها مسحت من السجل المدني ، عدا عشرات الالاف من المنازل والبنايات المأهولة جرى تسويتها بالارض .
لا يمكن انكار ان المقاومة الفلسطينية ومما سبق من حروب عدوانية استهدفتها ، استخلصت العبر واستفادت منها ، ورفعت شعار : " الضربة التي تؤلم لكنها لا تقتل تقوي " لذلك اعدت العدة بشكل محكم ، وخططت واستطاعت معرفة معظم التفاصيل التي تمكنها من الانقضاض على العدو ومباغتته .
وكان " خليل " احد اهم المعضلات التي ساهمت في مباغتت الاحتلال وافقدته صوابه ، حتى انها افقدته روح المبادرة ، ووضعته في صدمة لم يستفق منها حتى الان رغم الدعم الغربي الاستعماري الذي تلقاه وما زال ، وجعلته يتخبط في ردة فعله والتي كانت كالمعتاد بقصف بربري وحشي فاق السابق .
تقول احدى المستوطنات التي نزحت عن غلاف قطاع غزة في مقابلة معها ، ان عامل فلسطيني يدعى خليل كان يعمل في المستوطنات الاسرائيلية ودخل كل منزل وحاز على ثقة جمهور واسع من المستوطنين ، واستخدمه الكثير في اعمال مختلفة ، من سباكة ونجارة وتنظيف وبناء وبستنة .. وغيرها ، وبدت عليه البساطة والمسكنة وحاز كذلك على عطف كثير ممن عمل لديه في المستوطنة .
ولكن ، تبين ان خليل هذا كان من عناصر المقاومة ، زرعته المقاومة وسط المستوطنين ، وكان خبيرا في رسم الخرائط ، واتقن عمله بشكل كبير الى درجة ان خرائطه شملت كل منزل ، داخله وخارجه ، حتى مفاتيح الكهرباء والمياه رسمها بالخارطة بكل دقة ، ومعلوماته شملت كل عائلة بالاسم وعدد الافراد واعمارهم وعدد السيارات والزوار وغير ذلك كثير ، ما اسهم في سهولة تحرك عناصر المقاومة ومباغتتهم للمستوطنين والمعسكرات العسكرية والنيل منهم اما قتلى او اسرى بيد المقاومة والسيطرة على اجزاء واسعة من المنطقة وشل حركة قوات الدعم التي استدعيت لردع افراد المقاومة لوجود اسرائيليين مستوطنين معهم .
من دون شك ان شخصية خليل تكررت في اكثر من مستوطنة بمنطقة غلاف غزة ، ويؤكد ان المقاومة في استخلاصها للعبر، درست التاريخ جيدا ، واستفادت من تجربة الحركة الصهيونية في عقد الثلاثينات والاربعينات ، والتي كانت قد زرعت بين الفلسطينيين يهود " كخليل "بدى عليهم انهم مسالمين الا انهم كانوا يجمعوا المعلومات عن كل عائلة فلسطينية بالقرى والبلدات والمدن الفلسطينية ، بكل تفاصيلها ما سهل عملية الاستيلاء واحتلال فلسطين ، ودور خليل ساهم بشكل فعال ولاول مرة في تاريخ الصراع ان تبادر المقاومة الى الهجوم ومباغتت الاحتلال ، وعدم الاكتفاء بالدفاع وصد العدوان ، وكما يبدو من هنا اعادت سلطات الاحتلال اعتقال ما امكن من عمال قطاع غزة الذين نقلتهم الى الضفة الغربية خلال العدوان ، والتحقيق معهم بحثا عن " خليل " !!
قد يتسائل سائل : هل يستحق الامر ان تشعل المقاومة معركة وهي تدرك ان ردة الفعل الاسرائيلية سيكون ثمنها باهظا جدا ؟ الامة برمتها تعيش حالة من الذل والهوان ، وشعبنا جزء لا يتجزأ منها وانسحبت هذه الحالة عليه ، ما شجع الاحتلال في التمادي بعنجهيته وساديته بحق المسرى والاسرى ، والحجر والبشر ، دون ادنى مراعاة لمبادىء وقوانين حقوق الانسان او الشرعية الدولية التي باتت قراراتها حبرا على ورق اذا ما تعلق الامر بالفلسطينيين .. وانسد الافق امام الشعب الفلسطيني الذي وقع بين فكي كماشة التهجير الطوعي او البقاء خدما عبيدا للسياسة الاستعمارية ، فأتت عملية طوفان الاقصى ، - وهي قد تكون سلاح ذو حدين - : فحتى لو لا قدر الله لم تحقق نتائجها المرجوة ، الا انها اعادت القضية الفلسطينية والمعاناة التي يكابدها الشعب الفلسطيني والذي خرج منه هذا الخليل ، وهو قادر على انجاب اكثر من خليل وصولا الى الكرامة والحرية والمنشودة ، الى سلم الاولويات ، ويتضح ذلك من اختلاف اللهجة الحاصل في ردود الفعل الدولية والتي كانت في بدايات المعركة مؤيدة بالمطلق للاحتلال وممارساته وابدت تعاطفا كبيرا معه ، الا انه مع الوقت اخذ العالم يستفيق ولو قليلا من غفلته وينظر الى الفلسطينيين كشعب يعاني من الاحتلال ويدعو الى ضرورة اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفق ما اقرته الشرعية الدولية .