حرب الإبادة التي تواصل حكومة الاحتلال تصعيدها للأسبوع الرابع دون أفق مرئي لامكانية ردعها بالاعلان عن وقفها،  وهي الأولوية الوطنية العليا للكل الفلسطيني. يأتي ذلك بفعل الدعم والمساندة الأمريكية والغربية بشكل عام لهذه الوحشية والحرب الانتقامية التي يقودها نتانياهو ضد المدنيين الفلسطينيين، ومجمل مكونات البنية التحتية المدنية من مساكن المواطنين التي يتم تدميرها على نطاق واسع، بالاضافة للكنائس والمساجد والمدارس والمستشفيات التي تخرج تباعاً عن امكانية الاستمرار بتقديم خدماتها الصحية بفعل القصف تارة و نفاذ الأدوات والمواد الطبية والعلاج أحياناً أخري، هذا بالاضافة للاستمرار في قطع الكهرباء والماء والوقود، وقصف خطوط شبكات الاتصالات .

الأولوية لوقف الحرب العدوانية وتفكيك ذرائعها 

الولايات المتحدة، و معها حلفاء اسرائيل الأوروبيون، لا تخفي مساندتها بكل السبل العسكرية والمالية والسياسية وتبني رواية الحرب الاسرائيلية تحت شعار "حق  اسرائيل في الدفاع عن نفسها" عبر شيطنة غزة ومحاولات دعشنة حماس . بينما نتانياهو الذي يستخدم هذه الحرب ويصورها مع مجلس حربه كأنها حرب وجودية لاسرائيل تحت شعار " نحن أو هم "، فانه غير آبه ليس فقط بنتائج جرائم الحرب التي عددها المدعي العام للمحكمة الجنائية في مؤتمرة الصحفي الأحد الماضي في القاهرة، بل فإنه لن يأبه كثيراً بالخسائر البشرية التي ستلحق بقواته أو أسرى هذه القوات لدى المقاومة، أو الخسائر الاقتصادية التي تتصاعد مؤشراتها على أكثر من صعيد . فكل ما يحرك نتانياهو هو الاستمرار بمحاولة انقاذ مصيره من السجن ، والتبرؤ من مسؤوليته عن الفشل السياسي والاستخباري الذي صدم مكونات المنظومة السياسية والأمنية يوم السابع من أكتوبر . ذلك كله يجري في وقت استمرار التغطية على هذه العدوانية التي تقوم بها ادارة بايدن، والتي فاقت استنفار واشنطن على تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، بل يبدو أن بايدن يفتتح حملته الانتخابية بالدعم الكامل للحرب ، وترويج أكاذيب نتانياهو دون اعتذار عن ذلك عندما يتم فضح ودحض هذه الاكاذيب،. و لذر الرماد في عيون الرأي العام الدولي ومعارضي الحرب في الولايات المتحدة وداخل التيار التقدمي لحزبه الديمقراطي، فإنه يحاول تجميل مساندته للحرب بدعوة نتانياهو للالتزام بقوانين الحرب ،و بالقانون الدولي الانساني، وتمرير بعض المساعدات الانسانية، دون اكتراث أو أي نقد علني لعدم التزام جيش الاحتلال بذلك، ومواصلة ارتكابه جرائم حرب مكتملة الأركان على الهواء مباشرة ، بما في ذلك اعاقة دخول المساعدات الانسانية، وهي تقوم بذلك مستندة لدعم البيت الأبيض وتبنيه لروايتها.

الكارثة الانسانية غير المسبوقة التي يعيشها أهلنا في غزة والابادة الجماعية لعائلات بأكملها تجاوزت كل الحدود، ولكنها لم تكسر واعتقد أنها لن تكسر صمود الناس، أو تدفع المقاومة للتراجع. فهذا الصمود الأسطوري الذي وصفه الرئيس بوتين بصمود ليننجراد بكل أبعاده، بما في ذلك فاشية العدوان . للأسف، ورغم تصاعد جرائم الحرب هذه ضد شعبنا  بذريعة اجتثاث "داعش الجديدة والنازية الجديدة" فان الحركة السياسية الفلسطينية والعربية لم تتصدى بما يكفي لتقويض هذه الذريعة وكشف زيفها واسقاطها تمهيداً لاسقاط الحرب وكل أهدافها التي تستهدف استراتيجياً تصفية القضية الفلسطينية. 

القدرة على الصمود والبطولة الميدانية التي يتحلى بها شعبنا في القطاع و مقاوميه، تبدو أنها تتحرك في سماء مكشوفة دون ما يكفي من تصدي سياسي يتناسب معها، ومع صرخات أهالي الضحايا والذين باتوا في العراء أو في مخيمات نكبة جديدة ولسان حالهم يقول" لن نرحل " في تعبير واضح عن الكيل الذي فاض بهم من الظلم والعذاب الذي يعانون منه على مدى عقود، وكأن لسان حالهم وصل حد" الحرية أو الموت".

التردد في انهاء الانقسام قد يطيح بالانجاز 

اذاً، فان الثغرة الأخطر في مواجهة دموية هذه الحرب، وبالاضافة لهشاشة الموقف العربي، والذي يملك أوراق قوة إن أراد استخدامها، فهي تتمثل بتردد طرفي الانقسام بالتقدم إلى مستوي التضحيات الهائلة التي يواجهها أهلنا في غزة، ذلك رغم اتضاح صورة هذا المنعطف الذي يتمحور بصورة واضحة بين مخططات الاحتلال لاستثمار الدعم غير المسبوق لحربها، من أجل تصفية القضية الفلسطينية وتهجير شعبنا إذا انكسرت غزة، أو وضع القضية الفلسطينية على جدول الأعمال الدولي وبما يفضي إلى انهاء الاحتلال واسترداد الحرية والكرامة ان توحد الموقف الفلسطيني وبدأ هجوماً سياسياً معاكساً.  والسؤال الذي يتردد على ألسنة الناس هو: هل غياب ذلك يأتي في سياق عدم القدرة على فعل شئ والقصور عن رؤية الابعاد الاستراتيجية لهذه الحرب والتي تستهدف الجميع ؟ أم أنه تخاذل انتظار فتات عظمة تلقيها ادارة بايدن لها ؟ هذا ما يجب تسليط الضوء حوله واعلاء الصوت لتجاوز مخاطره.

ضرورة التغلب على الشعور بالعجز

بشاعة العدوان في ظل التضحيات الكبرى والصمود الطولي في الميدان، وفي ظل حالة العجز والبطء بما في ذلك لدى الأوساط الشعبية تجعل من مشاعر العاطفة أمام الفظاعات التي تنفذها حكومة الاحتلال، عاجزة عن رؤية أهمية التصدي السياسي لذرائع الحرب التدميرية وتفكيكها، لدرجة تطغى فيها العاطفة، والتي في كثير منها تكمن في حجم القهر من عدم القدرة على الاسهام في مواجهة أبعاد هذه الحرب، وهذا ما يفسر الانفعالات العاطفية، دون الانتقال لبلورة خطوات ملموسة للتصدي لمخاطر هذه الحرب على كافة الاصعدة وفي مختلف ساحات الوجود الفلسطيني .

مقال فياض: خطة لوقف العدوان 
وتفكيك زيف شيطنة غزة و دعشنة حماس


في سياق معالجة هذه المخاطر والتصدي لزيف ذرائع هذه الحرب يأتي المقال الذي نشره سلام فياض في قلب الاعلام الغربي "الفورن أفيرز"، ونشرته عدد من الصحف العربية والفلسطينية، لمواجهة وفضح مقولة وسم حماس بالارهاب الداعشي والنازي، والتأكيد على جوهر المشكلة التي ادت لانفجار السابع من أكتوبر تتمثل بالاحتلال والظلم الذي يعاني منه شعبنا على مدار ما يزيد على سبعة عقود، مشيداً باشارة الامين العام للأمم المتحدة لهذا الأمر بالغ الأهمية، كما أن سبب هذا الانفجار يأتي بفعل انحياز الدول الكبرى للعدوانية الاسرائيلية التي قضت على امكانية التوصل لتسوية عادلة ترتكز على الاقرار بحق شعبنا في تقرير مصيره، وعدم مراجعة هذه الأطراف لجذور هذا الفشل الذريع الذي بات يهدد استقرار المنطقة برمتها، فقط لاشباع الرغبة بالانتقام الدموي والتوسع الاستيطاني الاسرائيلي على حساب القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية. 

مسؤولية السلطة في التصدي لحرب الإبادة 

السؤال الآخر الذي يجب التصدي له يتعلق فيما اذا كانت هذه الأطراف الدولية لا تملك في جعبتها حتى اللحظة سوى الكلام الأجوف عن حل الدولتين، بينما تساند اسرائيل في حربها على المدنيين في القطاع في سياق خطة قديمة جديدة لتهجيرهم ، وتصمت على ابتلاع الأرض الفلسطينية التي تسير على قدم وساق من قبل حكومة الارهاب .
إذا كان الأمر كذلك.  فلماذا هذا البطء حد الصمت من قبل القيادة الفلسطينية التي تبدو وكأنها عاجزة عن فعل شئ، بينما كان وما يزال بإمكان الرئيس بدلاً من الصمت على دعوة ماكرون لتشكيل تحالف دولي إقليمي لمحاربة حماس، كما جرى مع داعش تأكيداً على تبنيه رواية نتانياهو الزائفة، بأن يخرج الرئيس منتصراً لشعبه وللضحايا، برفض هذه الدعوة التي تعتبر رخصة ودعوة لاستمرار الحرب وما تخلفه من فظائع، بل ويعلن للعالم بأن حق شعبنا في الدفاع عن النفس ليس ارهاباً، و أن حركة حماس وقوى المقاومة و رغم التباين بيننا، فإننا نرفض وسمها بالارهاب والداعشية والنازية، والتي في الواقع هي ممارسات إسرائيلية، بما في ذلك ما يرتكبه دواعش المستوطنين الارهابيين بدعم  من حكومة الحرب التي تسلحهم لقتل المزيد من المدنيين والاستيلاء على أرضهم وممتلكاتهم . مثل هذا الموقف الذي لم يعد يحتمل التأجيل والتردد سيؤسس لخطة سياسية موحدة تفتح الباب لتفكيك ذرائع الحرب و وقفها ، ولاستعادة المؤسسات الوطنية الجامعة ، الأمر ذاته ينطبق على ما هو مطلوب من القيادة السياسية لحركة حماس والتي عليها أيضاً أن تتقدم نحو هذا الهدف لإهالة التراب على الانقسام الذي كان وما يزال الثغرة الخطيرة التي نفذ وينفذ منها نتانياهو لتصفية قضية شعبنا وحقوقه الثابته، وفي مقدمتها انهاء الاحتلال وتمكينه من ممارسة حقه في تقرير المصير، وهذ الشرط الأول الذي على اسرائيل وحلفائها الاقرار المسبق به لأي عملية سياسية جادة في المستقبل. 

المسؤولية العربية لوحدة الموقف الفلسطيني

فهل سيقوم القادة العرب التقدم خطوة لاستثمار اللحظة الكارثية لاستكمال جهودهم بإنهاء الانقسام قبيل التئام القمة العربية كي يكون الموقف الفلسطيني موحداً انتصاراً للضحايا وما يستدعيه من استحقاقات ميدانية وعربية واقليمية ودولية لوقف حرب الابادة ضد شعبنا ؟ لنأمل خيراً ولن نمّل عن الصراخ لتحقيق ذلك .