رحلت فراشة المنزل تاركة والدها بصدمة كبيرة ووالدتها لا يمكن ان تصف مصابها الاليم..
رام الله - صدى نيوز - قلب سارة سليمان ينبضُ من جديد بعدما زرع في جسد مريض وهبته الحياة التي حرمتها منها رصاصة أطلقها شاب متهور اعتاد التباهي بحمل السلاح على مواقع التواصل الاجتماعي وبين الناس. سارة التي دفعت روحها ثمنا لطيش قاسم المصري ستحيا في اجساد من وهبتهم اعضاءها، لتبقى الى الابد بين احبائها تنبض بالحياة رغم مماتها.
صباح أمس أغمضت سارة عينيها وهي مطمئنة الى انها ستعاود النظر بعد زرع قرنيتيها لمريض، وستعاود كليتها العمل كما كل قطعة من اعضائها وانسجتها. فهي من اتخذت القرار في العام 2012، بوهبها الى كل محتاج، بموافقة والديها لأنه كما قال قريبها رئيس نادي مشعل الثقافي الاجتماعي مهند سليمان لـ"النهار": "هذه تربية منزلها، فنحن لا نعرف سوى العطاء حتى في عزّ أحزاننا. جرحنا الآن ينزف، فقد خسرنا عروس خطفها الغدر والتفلت، وبعد الدفن سيكون لنا بيان للرد على الشائعات التي تطرّق اليها الاعلام".
رواية الأمن
أرادت عروس بدنايل ان تفرح، من دون ان تتوقع انها في الزمان والمكان الخاطئين، وبحسب ما قال مصدر أمني لـ"النهار": "انتهت من سهرة في ملهى "بلو بار" واثناء وقوفها على الرصيف، وقع حادث سير بين سيارتين. صودف مرور قاسم الذي انهى سهرته في ملهى آخر، اوقف سيارته في وسط الطريق لمتابعة ما يدور، فطلب منه حارس الملهى ان يفسح الطريق. حصل تلاسن بينهما قبل ان يشهر المصري مسدسه ويقوم باطلاق النار بشكل عشوائي، فاصاب سارة برأسها وشاب برجله. لم يتم توقيف قاسم حتى الساعة، والملف انتقل من المخفر الى تحري زحلة".
مرارة الفراق
ابنة الـ 24 ربيعاً نقلت الى مستشفى خوري في زحلة، قاومت ساعات قبل ان تستسلم للموت، وكما قال صديقها وابن بلدتها وارف سليمان: "رحلت فراشة المنزل تاركة شقيقها الاكبر وشقيقتها الصغرى في حسرة على فقدانها، ووالدها سليمان طبيب الاسنان في حالة صدمة، اما والدتها فلا كلمات يمكن ان تصف مصابها الاليم. انهت سارة دراسة الماجيستير في ادارة الاعمال، مارست مهنة التعليم في مدرسة BIS وحلمت بمستقبل زاهر قبل ان يقطفها مجرم من بين احبائها". وأضاف: "نريد حقنا من الدولة، ليس لدينا ثأر مع عائلة المصري ولا مع غيرها. ونطالب بضبط السلاح المتلفت في ايدي المجرمين، لذا سنقوم باعتصام عند السادسة مساء بعد الدفن مباشرة لرفع الصوت ضد الخارجين عن القانون".
"طريق" وهب الاعضاء
أبهرت سارة الجميع بقرار وهب اعضائها، لكن ما هي الخطوات التي يجب أن يتخذها الشخص عندما يتخذ قراراً مماثلاً؟ عن ذلك اوضحت المنسقة العامة في اللجنة الوطنية لوهب وزرع الاعضاء والانسجة ومديرة البرنامج الوطني لوهب الاعضاء فريدة يونان: "كل شخص يريد أن يهب أعضاءه بعد الوفاة، عليه أن يتخذ القرار ويوقّع بطاقة وهب، والأهم من ذلك إعلام عائلته وأهله عن رغبته في ذلك بعد وفاته".
معايير توزيع الاعضاء
"كل المستشفيات ملزمة التبليغ عن جميع حالات الوفيات التي تحصل لديها الى اللجنة الوطنية (قرار 1/65 سنة 2009). فتتابع هذه اللجنة الحالة مع العاملين في القطاع الصحي في المستشفى حيال التشخيص والانعاش ومخاطبة افراد العائلة ومراقبة عملية استئصال الاعضاء ومتابعة عملية الزرع". واشارت يونان الى ان توزيع الأعضاء يتم من خلال برنامج معلوماتية وُضع بالتعاون مع Agence de la Biomédecine وهي المنظمة الفرنسية الرسمية التي تهتم بوهب وزرع الاعضاء في فرنسا. ويتم التوزيع وفق معايير طبية: تطابق العمل، الحجم، الانسجة، المناعة، وفترة الانتظار على اللائحة الوطنية مع أولوية للحالات الطارئة والذين لديهم مناعة عالية وللاطفال".
ستلتحف سارة التراب لكنها ستبقى حيّة اذا نفّذ احباؤها ما طلبته منهم عبر ما كتبته في العام 2012، ومما جاء فيه: "اذا كان لا بدّ من دفني، فادفنوا خطاياي وضعفي وكل احقادي واعطوا روحي لله. وان رغبتم عرضاً ان تتذكروني، فتذكروني بعمل طيب او كلمة رقيقة لمن يحتاج اليها. فاذا فعلتم كل ما طلبت... سأبقى حيّة الى الأبد".
ووريت سارة اليوم في ثرى بلدتها بدنايل، تاركة في قلوب أفراد عائلتها جروحاَ لن تبرد مهما طال الزمن.
المصدر: النهار اللبنانية