أتمنى أن يكون هذا المقال غير صحيح؛ وبعيد كل البعد عن الواقع وكأنه خيال غير قابل للتحقيق!! لكن ما أشاهده من أحداث تراكمية منذ انقلاب حركة حماس حتى لحظة كتابة هذا النص هو أن القضية الفلسطينية تتجه من التحرير إلى خلق وإنشاء دُويْلتينْ لنقم بتسميتهما "ضفستان" و"غزستان".
أخشى أن الطريقة التي سيتم التعامل بها مع قطاع غزة بعد الحرب ستتم المأسسة عليها ببناء نظام إداري خاص بها ونزعها من جسد الدولة ـــ حتى ولو كانت دولة أوسلو التي حاربتها "حماس" ـــ وإنشاء دويلة "غزستان"، وهذا ما صرح به الإعلامي الإخواني وضاح خنفر بشكل واضح بدعوته لإدارة القطاع بفترة مؤقتة!؟ يعهد بها لقوات عربية أو/ و إسلامية!
فاقد البصيرة من لا يشاهد بأننا في واقع سياسي متوتر ومأزوم تلد فيه المصالح مفاهيم خطيرة، فهناك من يريد أكل "الكعكة" بخلقه علاقات وأدوارا جديدة خاصة به (فرد، جماعة، فصيل) على الصعيد الداخلي والخارجي. للأسف أصبحنا بلا رؤية سياسية وطنية جامعة بعد أن تحولت مفاهيم التحرير إلى مفاهيم إدارة وحل أزمات، وقتل الثقافة السياسية الوطنية للإطار الفلسطيني الشامل.
عندما تنتهي الحرب على غزة أتمنى ألا تكون نتائجها مأسسة الانقسام بشكل اعترافات دولية في كيفية إدارة "غزستان"؛ ما سيحقق الانقسام الجغرافي من خلال التفاوض على ممر مائي ورفع الحصار وإقامة دويلة دون وحدة شقي الوطن.
ذلك سيجعل دويلة "ضفستان" على موعد مع حصار اشد مما هو عليه الآن، وهجوم إسرائيلي أكبر لابتلاع بقايا الأراضي الفلسطينية لصالح الاستيطان وعربدة نصف مليون مستوطن مسلح وتهويد القدس وعزلة دولية قد تتسبب في قتل حلم الشعب الفلسطيني في الخلاص وتحقيق الحرية والاستقلال وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
سيكون شكل دويلة "الضفستان" على شكل "بانتوستان" محاطة تماما بالأراضي المسيطر عليها إسرائيلياً بعد أن سرقها الاحتلال؛ يتم فقدان التواصل بين القدس؛ وقطاع غزة "غزستان" التي لديها بالفعل سواحل وحدود دولية، يحتفظ بكل أراضيه ويتم ربما "تقديم" أراض إضافية للمناطق الصناعية ـــ كما تم طرحها في صفقة القرن ـــ ببساطة، يصبح قطاع غزة مركز الجاذبية، الدولة الفلسطينية الصغيرة.
منذ تأسيس "حماس" في العام 1987، قدم مؤسسها الشهيد الشيخ أحمد ياسين عرضا لإسرائيل متمثلا بهدنة طويلة الأمد. وبعد سنوات، بدأت الحركة في التعبير عن دعمها لدولة فلسطينية داخل حدود العام 1967. قد لا تكون هذه الدولة ممكنة بعد ما تقوم به إسرائيل من استعمار استيطاني لضم الضفة الغربية، ما يفتح الباب لواقع واحد قبول الدويلة!
وبالتالي، على الكُل الفلسطيني أن يستفيق من سباته والعمل على تطوير "استراتيجية وطنية جديدة"، وإصلاح "م.ت.ف". أو إحيائها، بالاعتماد على الفاعلين في الحقل أنفسهم، الذين أنتجوا أزمتها، لتصبح غير قادرة على الفعل والإمساك في زمام الأمور. من المحزن الحديث بالهواء عن إحياء المنظمة وإصلاحها دون إنجاز ذلك بشكل فعلي.
ستستثمر دولة الاحتلال الإسرائيلية الظروف الحالية للإجهاز على الحلم الفلسطيني بإنشاء دويلة "ضفستان" ودويلة "غزستان" ضمن إطارات واضحة المعالم سيتحمل العالم تكاليفها، ويبقى الرهان على أمل الشعب بالخلاص من خلال الانقلاب على "منطق الانقسام" واقتصاده السياسي وامتيازاته والنهج التبريري الذي لا يحتوي على أي منطق وطني فلسطيني!