الدعوى والطلب المقدم من دولة جنوب افريقيا ابداعات قانونية وخروج عن المألوف القانوني، كنا قد درسنا في كليات القانون وما زال عديد من الاساتذة والطلبة يصرحون بان محكمة العدل الدولية في لاهاي لا تختص الا بالنظر في النزاعات بين الدول وان المحكمة لا تنظر اي دعوى الا بقبول الدولتين و/او الدول ذات الشأن بموضوع اي نزاع باختصاص المحكمة، وهذا بكل تاكيد صحيح، ولكنه لم يمنع جنوب افريقيا وخبراء القانون الذين عملوا على اعداد لائحة الدعوى والطلب المستعجل (الاجراءات الوقتية) من محاولة ايجاد مقاربة قانونية جديدة لمفهوم القبول من كافة الدول ذات الصلة، حيث ان جنوب افريقيا بالمعنى المجرد ليست خصما لاسرائيل حيث ان دولة فلسطين هي الدولة الخصم لاسرائيل . اذن ما هو الجديد قانونا في الدعوى المقدمه من جنوب افريقيا ولماذا تمكنت جنوب افريقيا من تقديم الطلب مع مسوغات قانونية متينة، بل ان اسرائيل الدولة العنجهية سترسل ممثل قانوني(محامي وقاضي سابق- رئيس محكمة العليا الاسرائيلية سابقا) اهارون باراك ليمثلها امام محكمة العدل الدولية.
اساس الدعوى والطلب حسب ما استندت اليه دولة جنوب افريقا هي المادة (36/1) من النظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية والمتعلق باختصاص المحكمة والذي ينص وبشكل واضح على "يشمل اختصاص المحكمة جميع القضايا التي يحيلها الاطراف اليها وجميع المسائل المنصوص عليها بشكل خاص في ميثاق الامم المتحدة او في في المعاهدات والاتفاقيات النافذة" دعونا ننتبه الى الجزء الاخير من نص هذه الفقرة والمتعلقة في المعاهدات والاتفاقيات النافذة، لنجد ان المقصود هنا في الدعوى المقدمة من جنوب افريقيا هي الاتفاقية الدولية لمنع جريمة الابادة الجماعية والمعاقبة عليها والتي تم تبنيها من الجمعية العامة للامم المتحدة في العام 1948 ودخلت حيز النفاذ في العام 1951 والتي انضمت وصدقت عليها اسرائيل وجنوب افريقيا لنجد ان الاتفاقية في المادة (9) منها تنص على " تعرض على محكمة العدل الدولية بناء على طلب اي من الاطراف المتنازعة، النزاعات التي تنشأ بين الاطراف المتعاقدة بشان تفسير او تطبيق او تنفيذ هذه الاتفاقية بما في ذلك النزاعات المتصلة بمسئولية دولة ما عن ابادة جماعية او عن اي من الافعال الاخرى المذكورة في المادة الثالثة"
دعونا نركز كيف نجحت جنوب افريقيا من خلال هذه المادة من مخاصمة اسرائيل واصبحت وفقا لهذه المادة صاحبة مصلحة مباشرة وبالتالي موضوع المصلحة ووجودها اصبحت متوفرة ولا تستطيع لا المحكمة ولا اسرائيل الدفع بعدم وجود مصلحة خاصة الفقرة الاخيرة من المادة (9) من الاتفاقية . كما ان جنوب افريقيا استندت على المادة (40/1) من النظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية والتي تنص على " ترفع القضايا الى المحكمة حسب الاحوال اما باعلان الاتفاق الخاص او بطلب كتابي يوجه الى المسجل وفي كلتا الحالتين يجب تحديد موضوع النزاع والاطراف" نجد ان الشق الاول والمتعلق بوجود اتفاق بين اسرائيل وجنوب افريقيا غير موجود وبالتالي استندت جنوب افريقيا الى الشق الثاني من المادة والذي ينص على او بطلب كتابي يوجه الى المسجل، وهذا ما قامت به جنوب افريقيا، وحددت موضوع واطراف النزاع وعندما يكون هناك تحديد يعني على من رفع الطلب الكتابي قد اعد لائحة دعوى شاملة، وتستكمل جنوب افريقيا في الطلب الكتابي المقدم في استنادها الى صلاحيات المحكمة الى المادة (40) من لائحة المحكمة، واللائحة تتعلق في الاجراءات الشكلية والموضوعية المتعلقة بتقديم الطلبات والدعاوي وشكل الرد وطبيعة الاختصاصات وغيرها من اجراءات.
ما يقلقنا في هذا المقام هو ما ورد في المادة (40/5) من امكانية ان تقتنع المحكمة بالدفع الذي ستقدمه اسرائيل استنادا الى هذه الفقرة والتي تنص على " اذا بينت الدولة المدعية استنادها في القول بصحة اختصاص المحكمة الى موافقة لم تكن قد اعطتها او اعربت عنها بعد الدولة التي رفعت الدعوى عليها، تحال العريضة الى هذه الدولة، بيد انها لا تقيد في الجدول العام للمحكمة ولا يتخذ اي اجراء في الدعوى الى ان تقبل الدولة التي رفعت الدعوى عليها باختصاص المحكمة في النظر في القضية"
اذن نحن امام نص اشكالي بخصوص قبول اسرائيل اختصاص المحكمة، لذا قد تكون هذه النقطة هي محور الدفع الذي ستقوم به اسرائيل عند النظر في التدابير الوقتية. هذا النص يحتاج الى تفسير من قبل المحكمة خاصة وان اللائحة هي اقل قوة قانونية من النظام الاساسي للمحكمة حيث بينت جنوب افريقيا ان نص المادة (36/1) والمادة (9) تتيح لها ان تقاضي اسرائيل امام المحكمة دون موافقتها لان موضوع الدعوى والطلب يتجاوز الاختصاص التقليدي بين دولتين و/او اكثر على حدود مثلا، حيث ان الاتفاقية هي التي اتاحت بنص خاص اختصاص المحكمة في النظر، ولطالما ان المادة (9) جاءت وبشكل واضح على اختصاص المحكمة فلا نعتقد ان نص المادة (40/5) يمكن لاسرائيل الاعتماد عليها في هذا المقام خاص وان مواد الاتفاقية هي قواعد قانونية امرة . وتضيف دولة جنوب افريقيا ان طلبها وعندما استند على المادة (9) من الاتفاقية فان اسرائيل لم تتحفظ على هذه المادة عندما وقعت وصادقت على الاتفاقية منذ العام 1950 كما ان جنوب افريقيا حثت رئيس المحكمة لتفعيل دوره بما يتفق مع المادة (74/4) من لائحة المحكمة والتي تنص على " يجوز للرئيس ريثما تنعقد المحكمة ان يدعو الاطراف الى التصرف على نحو يمكن معه لاي امر قد تصدره المحكمة بصدد طلب التدابير التحفظية ان يحقق الاثر المنشود منه" تحاول جنوب افريقيا ان تدفع باتجاه ان يقوم رئيس المحكمة بممارسة جزء من الصلاحيات التي رسمته له لائحة المحكمة، ولكن للاسف لم يبادر رئيس المحكمة للقيام باي خطوة.
بالمجمل فان الطلبات المقدمة من قبل جنوب افريقيا تنصب على كامل الاراضي المحتلة بما فيها القدس المحتلة والضفة الغربية، كما انها ادانت ما قامت به حماس في طلبها كجزء من الملف القانوني. واين كان قرار المحكمة فان دعوى جنوب افريقيا مساق قانوني واخلاقي يجب ان يدرس في جامعاتنا ولكل من يناضل من اجل العدالة .