صدى نيوز: بكل دهشة، واحباط طالعت سفارة دولة فلسطين تصريح وزير الخارجية المجري. في بيان فشل في التطرق ولو بكلمة واحدة للضحايا الفلسطينيين الذين قضوا بفعل آلة الأرهاب الإسرائيلي، التي حصدت حتى اليوم اكثر من ٢٣ الف شهيد، ناهيك عن آلاف المفقودين تحت الأنقاض، جلّهم من الأطفال والنساء، وعشرات الآلاف من الإصابات، تحدث فقط عن الجانب الاسرائيلي وكأن العنصر الفلسطيني غير موجود.
تطرق البيان أيضاً لحق الدفاع عن النفس، ونستغرب في إعادة الحديث عن هذا الحق (الذي مُنح لطرف وحُرم عن طرف) وخاصة انه وان كان يستند للشرعية الدولية والقانون الدولي فهو ليس كذلك، فليس لدولة احتلال الحق في الدفاع عن ارض أحتلتها، وثانيا فقد عرف القانون الدولي معايير الدفاع عن النفس: الضرورة، النسبية، التزامن، وهي شروط لا تنطبق بشكل قطعي على ما تقوم به دولة الاحتلال، لذا فتصبح التسمية الأدق اعتداء، عدوان، جرائم حرب، ومجازر.
ثم يعاد الحديث عن الأرهاب، فهل فرضية الارهاب - علماً بأن الرويات الاسرائيلية جُلّها أصبحت محل شك- تبرر الهجمات المسعورة لجيش الاحتلال وعصابات المستوطنين في الضفة الغربية والقدس المحتلتين؟ وهل هي فرضية تعطي للديمقراطيات المزعومة الضوء الأخضر لتدمير البيوت فوق ساكنيها، وقصف الكنائس والمساجد، المدارس والمستشفيات، واستهداف المركبات وسيارات الإسعاف، وفرض عقاب جماعي بقطع الماء والغذاء والدواء عن اكثر من مليوني شخص؟
هل فرضية الدروع البشرية مقنعة لدرجة ان اكثر من ١٪ من سكان قطاع غزة قد قضى بفعل آلة حرب وصفت بانها الأكثر تطورا في العالم؟ ان كانت دولة الفصل العنصري (مدعية الديمقراطية واخلاقية جيشها) تمتلك بالفعل هذا التطور العسكري الذي تروج له، فهذا يعني بانها إما فاشلة في التفريق بين الهدف العسكري والمدني - ومن فشل في القيام بذلك لا يمكن ان تصدق مبررات للتغطية على فشله- وإما تفتك بشكل مقصود بكل ما هو حي ويتحرك في قطاع غزة المحاصر! في الحالتين، هو امر يستوجب النظر فيه والتحقيق بخلفياته وتفاصيله وذلك لاحقاق العدالة لضحايا، هم اكثر من ارقام: كان لهم أحلام، ذكريات، وأسماء، محبين، أقارب وأصدقاء.
يبقى السؤال الهام: في هذا العصر، وفي دول القانون، ومنظومات تحكمها الشرائع، إلى اين يتجه الشخص الذي يتطلع لتحقيق العدالة!؟ أليست المحكمة؟
وان تدخل اي طرف مهما حسنت نواياه في تعطيل عمل المحكمة، ألا يعتبر هذا الأمر تدخلاً في إجراءات قانونية وتسييس لعمل القضاء بأحسن توصيف!؟
لقد آثر الفلسطينيون وعبر عقود من الزمن تحقيق طموحاتهم الوطنية بالطرق السلمية، وهو امر رفضته الحكومات الاسرائيلية في تصريحات عديدة لم تعد سرية، وحاولوا مجدداً عبر المنابر الدولية فجوبهوا برفض القوى العظمى التي تمتلك حق النقض، والان أصبح حتى التوجه للقضاء امر يجب التصدي له!؟ هل أصبح المطلوب من الفلسطيني ان يقبل بإحتلال ارضه، سرقة مقدراته، ذبح ابنائه، وألا يبحث عن العدالة؟ هل عليه الرضوخ للموت بصمت حتى لا يزعج المحتل والقوى العظمى التي تقف خلفه؟!
ان للمجر وفلسطين تاريخ من العلاقات المتميزة، وتتشاركان في تجارب أليمة أحياناً تتعلق بالاحتلال وأخرى مشرقة تتعلق باستقلالية القرار والنجاح في مجالات مختلفة، وهي تجارب تجعل البلدين أقرب لفهم بعضهما البعض. ومنه، فإن سفارة دولة فلسطين تطلع وبكل إيجابية لأن تدعم المجر مبادرة جنوب أفريقيا وأية مبادرة اخرى تسعى لاحقاق العدالة، اولا بإنصاف ضحايا سقطوا بقرار وفعل إجرامي، وثانيا بتحقيق سلام عادل ينهي حالة عدم الاستقرار، الذي لن ينتهي سوى بإنصاف الشعب الفلسطيني وتحقيق حقه المشروع بإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني بعاصمتها القدس.