منذ أكثر من المائة يوم، تَشِنُّ إسرائيل عدوانها على قطاع غزة، يرافقها عدوان بوسائل متعددة على الضفة الغربية، من اقتحامات وحصار وتقطيع أوصال بمئات الحواجز الثابتة والمتحركة، إضافة الى اغلاق المناطق المحتلة عام 1948 أمام الفلسطينيين، وتقييد العمل في المستوطنات الإسرائيلية في مناطق الضفة الغربية، الأمر الذي أدى إلى إغلاق سوق العمل داخل الخط الأخضر والمستوطنات أمام العمالة الفلسطينية، والتي كان عددها تبعاً لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني قبل العدوان على غزة، حوالي (178) ألف عامل/ـة، منهم (153) ألف داخل الخط الأخضر، و(25) ألف داخل المستوطنات، في حين تشير بيانات غير رسمية إلى أن العدد يصل إلى حوالي (205) ألف عامل/ـة مع اعتبار العمالة غير المنظّمة والعمالة بدون تصاريح عمل، والعمال من كبار السن، مما يشكّل حوالي (20%) من القوى العاملة في فلسطين. علماً انه عاد منهم نسبة بسيطة للعمل في المناطق الصناعية التابعة للمستوطنات الإسرائيلية.
وتبعاً لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، والتي تشير إلى أن متوسط عدد الأسرة في فلسطين يبلغ (5) أفراد، فإن حوالي مليون فلسطيني، وهم أفراد أسر العمال العاملين داخل الخط الأخضر والمستوطنات، أضحوا بلا مصدر دخل، وفي مهب الريح منذ أكثر من الـ (100) يوم، ولأمدٍ مفتوح، في ظل الصورة الضبابية القائمة حالياً بخصوص العمال، ومدى إمكانية عودتهم الى أعمالهم، ومما فاقم أزمة العمال، انكماش سوق العمل المحلي، بسبب الحرب وتداعياتها، واقتطاع إسرائيل مئات ملايين الشواكل من أموال المقاصّة، والمخصصة للإنفاق على قطاع غزة، الأمر الذي قابلته السلطة الفلسطينية برفض استلام أموال المقاصّة منقوصة، مما أدى عدم مقدرة الحكومة الفلسطينية على دفع رواتب الموظفين بشكل منتظم، حيث تم صرف أجزاء من الرواتب والمستحقات التراكمية منذ بداية الحرب، الأمر الذي أدى إلى تراجع أداء الاقتصاد الفلسطيني، وتقاطع ذلك مع مؤشر سلطة النقد الفلسطينية لدورة الأعمال لشهر تشرين الثاني 2023، والذي أشار إلى استمرار تدهور المؤشر الكلي للشهر الثاني على التوالي، مسجلاً (-52.7) نقطة، مقارنة مع (-38.6) نقطة في تشرين الأول، وهو ما أكدته تقارير وزارة الاقتصاد الوطني حول التراجع الحاد في الاقتصاد الفلسطيني.
وبالتالي فإن توفر فرص عمل للعمال الفلسطينيين العاملين داخل الخط الأخضر والمستوطنات، في السوق المحلي محدودة، في ظل انكماش الدورة الاقتصادية ككل، وشلل قطاعات إنتاجية حيوية مثل النقل والسياحة والخدمات، وعدم وضوح الرؤيا للمستقبل، ومما راكم من أزمة العمال العاملين داخل الخط الأخضر، وتحديداً المُنظمّين، تحويل رواتبهم للبنوك الفلسطينية في العام 2022، الأمر الذي سهّل حصول الألاف منهم على تسهيلات بنكية، مثل القروض، ودفاتر الشيكات، وعزز من الثقافة الاستهلاكية لديهم، وتوقف عملهم، أدخلهم في إشكاليات من نوع جديد، لم يعهدوها من قبل.
ولغاية كتابة هذا المقال، لم تصدر عن الجهات الرسمية إجراءات كافية لتأمين حماية اجتماعية وقانونية للعمال، الذين فقدوا مصادر دخلهم، وخاصة في القضايا البنكية، أو في توفير فرص عمل، أو مساعدات نقدية، أو عينية، الأمر الذي دعا العمال إلى اجتهاد إجراءات فردية لمحاولة مواجهة التحديات والاشكاليات القائمة، ومحاولات "ترقيعية" لإدارة الأزمة، مثل الاقتراض، أو صرف مدخرات، أو تأجيل استحقاقات، أو بيع ممتلكات، والتي ستنفذ مع مرور الوقت، وستدخل العُمّال في إشكالات قانونية واجتماعية، بل وأن بعض العمال وقعوا فريسة لعمليات نصب وتحايل، من أجل الحصول على مستحقاتهم من صناديق التوفيرات في إسرائيل مقابل عمولات مرتفعة من بعض السماسرة الانتهازيين.
وفي ضوء المؤشرات التي تشير إلى طول أمد العدوان وتداعياته، وعدم وجود انفراجة سياسية – اقتصادية في المدى القريب، فإنّ على الجهات الرسمية، والنقابات، مسؤولية المساهمة في تأمين الحماية القانونية الاجتماعية للعمال، من خلال جملة إجراءات منها: ضرورة معالجة قضايا القروض والشيكات، وكذلك التعميم على القطاعات الخاصة والهيئات المحلية المقدمة للخدمات الأساسية (ماء، كهرباء، اتصالات) بتسهيلات للدفع للعمال المتأثرين. وضرورة العمل على إطلاق مشاريع عمل صغيرة للعمال المتعطلين، إن كان على المستوى الحرفي المهاري، أو عبر توجيههم ودعمهم تجاه القطاع الزراعي، والذي يعتبر رافعة تقيهم من الوقوع في براثن الفقر والعوز، وضرورة مساهمة القطاع الخاص ضمن المسؤولية المجتمعية في تحمل أعباء الأزمة، أمّا على المستوى الاستراتيجي، فتوجد ضرورة للعمل الفعلي على إنفاذ قانون الضمان الاجتماعي لحماية العمال.
وختاماً، يجب عدم ترك العامل وحيداً في ظل الأزمة القائمة، والدعوة مفتوحة لكافة المؤسسات الرسمية، والأهلية، والنقابات العمالية، والقطاع الخاص لتحمل مسؤولياتهم تجاه العامل الفلسطيني، وألّا تصبح أفكار التضامن والتكافل، ودعم العمال فقط شعارات نرددها في يوم العمال العالمي، ونحن في إجازة في بيوتنا، والعمال يأنّون في أعمالهم المختلفة.