كمية الخذلان والمأساة التي نعيشها كشعب فلسطيني منذ بداية المأساة الفلسطينية قبل العام 1948 وحتى هذه اللحظة تزداد يوماً بعد يوم. طعنات كثيرة متنوعة يتلقاها الجسد الفلسطيني بأشكال وأنواع مختلفة، أخطر هذه الطعنات ربما ما نقوم به نحن، بمعنى طعن ذاتنا بذاتنا؛ والكل يبرر ذلك حسب مصلحته أولاً وأخيراً، للأسف!
ما أشاهده في وسائل الإعلام العالمية والعربية، ووسائل التواصل الاجتماعي، أوصلني إلى نتيجة بأن من يطعننا كشعب فلسطيني، وأكرر كشعب فلسطيني فقط لا غير، ممن خذلنا من داخل بيتنا بكل أطيافه ومذاهبه الفكرية والسياسية، أشد غوراً ووجعاً من ألف طعنة مما نتلقاها من خارج المحيط الفلسطيني، العربي والإسلامي والدولي.
نحن الشعب الفلسطيني يجمعنا إحساس واحد فقط وهو الخذلان والصدمة، شلال من دماء المصابين يسكب هذه اللحظات أمام أعين "قياداتنا" والعالم دون أن يتم أخذ خطوات ملموسة من أجل القيام بما هو مطلوب في مواجهة الطعنات من العدو الأول والأساسي، لكن للأسف نرى أن أيدينا تشارك ولو بشكل غير مباشر في قتل ذاتنا؟!
ذلك كله جعلني أستذكر عبارة "حتى أنت يا بروتس!". يُعزى هذا الاقتباس الشهير ليوليوس قيصر ويُنطق في لحظة درامية من مسرحية وليام شكسبير "يوليوس قيصر". في هذه اللحظة المحورية، يقول يوليوس قيصر هذه الكلمات أثناء تعرضه لهجوم من قبل مجموعة من المتآمرين، بما في ذلك صديقه الحميم بروتس، الذي ينضم إلى عملية الاغتيال. تترجم العبارة الكاملة "وأنتَ أيضاً يا بروتس! ثم اسقط يا قيصر!" إلى "And you, Brutus! Then fall, Caesar!"، وهي تعبير عن إدراك قيصر حتى أن شخصاً اعتبره صديقاً قد خانه، ما يزيد من مأساة اللحظة.
في المسرحية، قررت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ - ومن بينهم صديق القيصر بروتس - أن طموحات  قيصر قد دفعت به إلى النقطة التي كان فيها على وشك أن يعلن نفسه إمبراطوراً لروما، فقررت المجموعة بقيادة كاسيوس وبروتس، أن الحل الوحيد هو اغتياله. يجذبونه إلى العاصمة، حيث يتخذ قراراً يتعارض مع حكمته الشخصية ومناشدات زوجته، التي رأت في حلمها مقتل زوجها. يستخدم المتآمرون الإطراء ومداعبة طموح قيصر لجذبه، وبمجرد دخوله المبنى يحاصرونه ويطعنونه حتى الموت.
على الرغم من أن بروتس هو أحد أقرب أصدقاء قيصر، إلا أنه قد أدرك الأخطار في طموح قيصر وانضم إلى المؤامرة بدور قيادي. يقف بروتس ويراقب وفاة قيصر، طعناً من قبل العديد من أعضاء مجلس الشيوخ. يتجه يوليوس قيصر تجاه صديقه، يناشده، ولكن بروتس يطعنه. وفي حالة عدم التصديق، يقول قيصر: "?Et tu Brute" ثم "اسقط، يا قيصر"، والتي تعني "حتى أنت يا بروتس؟".
أحياناً يبرر البعض أفعاله بحب الوطن، وهم بعيدون عن ذلك كل البعد، طبعاً كما هي العادة لا يتم اكتشاف الخيانة إلا بعد فوات الأوان، إن مشاهدة أبناء شعبنا في غزة وهم يموتون من الجوع والعطش هي خيانة بحد ذاتها.
الخيانة للأسف لم تتوقف، فكل من طعن شعبنا في ظهره بروتس، ومن رضي أن يكون وسيلة تبث الفرقة والتشرذم والأكاذيب والخطابات والتصريحات المضللة عن وطنه وأبناء شعبه بروتس، ومن يتحدث باسم الدين وجعله أداة لقتل وطنه هو بروتس، ومن ساير العالم الكذاب المنافق المُنحاز للاستعمار ولو بالصمت بروتس، ومن لم يقم بما عليه من واجبات نحو أبناء شعبنا ولا يؤدي عمله بإخلاص وفي أي منصب كان هو بروتس، ومن يزرع الوهم بتصريحاته ويتاجر بدم شعبنا والجرحى والأسرى هو بروتس.
وبهذا يستخدم شكسبير هذه الكلمات الثلاث "حتى أنت يا بروتس؟!" لتحقيق أقصى تأثير مسرحي. طرح هذا السؤال لصديقك المقرب الذي يقوم بقتلك يعتبر واحداً من أكثر التصريحات المؤثرة التي تم إصدارها. إنه علامة خاصة لشكسبير ككاتب لضغط كميات هائلة من الأهمية في كلمة أو ثلاث. ونظراً لأنها عبارة محملة بشكل رائع، فإنها تأتي لتعني الكثير خارج حدود النص. إنها لا تعني فقط الخيانة ولكن أيضاً الخيانة الرهيبة للثقة من قبل آخر شخص على وجه الأرض يتوقع المرء ألا يخونه. يعتبر ذلك ألماً فظيعاً يمكن أن يختبره أي شخص يُسأل: "حتى أنت يا بروتس؟".