دعونا نحاول هذه التجربة الفكرية: تخيل الشرق الأوسط كطاولة بلياردو محاطة بنار مشتعلة والولايات المتحدة، وسط هذا الجحيم، على وشك القيام بمحاولة معقدة لإطلاق ضربة ثلاثية للكرات التي سنسميها "المملكة العربية السعودية" و"إسرائيل" و"حماس". 

إذا نجحت هذه الضربة الجريئة، فيمكن تشغيل رشاشات الماء وإطفاء النيران، لكن بعض الكرات الخيالية لدينا قابلة للانفجار وهناك شيء آخر: لم يعد هناك الكثير من الوقت. 

هذا يبدو وكأنه لعبة مغامرة في احدى ليالي لاس فيغاس، أليس كذلك؟  لكنها تمثل تشبيها مناسبا للاندفاع الدبلوماسي المكثف من قبل إدارة بايدن. 

على الرغم من أن الأمر قد يبدو غير محتمل، إلا أن هذه الضربة عالية الخطورة قد تكون أفضل وسيلة لإخماد جحيم الحرب المستعرة في غزة. 

يعتزم وزير الخارجية أنتوني بلينكن السفر إلى الشرق الأوسط قريبًا ومن المحتمل أن يتوقف أولاً في المملكة العربية السعودية، حيث يأمل في تجديد التعهد الذي تلقاه من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بتطبيع العلاقات مع إسرائيل إذا - وفقط إذا - أنهت إسرائيل الصراع في غزة والتزمت بإنشاء دولة فلسطينية تشمل غزة والضفة الغربية في نهاية المطاف. 

ومن المرجح بعد ذلك أن يسافر بلينكن إلى إسرائيل، حيث سيلتقي برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حيث يريد الزعيم الإسرائيلي، الغارق في الحرب، بشدة التوصل إلى اتفاق سلام مع MBS، كما يُعرف الزعيم السعودي، لكن يرفض نتنياهو وائتلافه المتشدد الشروط السعودية المتمثلة في إنهاء سريع للقتال في غزة والطريق إلى الدولة الفلسطينية. 

فيما يلي اللعبة التي يخوضها الرئيس بايدن: انه يريد أن يقدم لنتنياهو عرضًا لا يمكن لائتلافه قبوله سياسيًا – لكن رئيس الوزراء، الذي تحطم إرثه كزعيم إسرائيلي تاريخي، قد لا يتمكن شخصيًا من مقاومته. 

إذا تبنى نتنياهو الاقتراح السعودي، فسوف يتفكك ائتلافه، وسيحتاج إلى العثور على شركاء جدد، وإذا رفض، فقد يتم إسقاط حكومته من قبل المنافسين الذين يتبنون الصيغة الأمريكية لإنهاء الحرب.

يقدم مارتن إنديك، الذي عمل سفيراً للولايات المتحدة لدى إسرائيل مرتين، وربما يعتبر مراقب الولايات المتحدة الأكثر حكمة للصراع الإسرائيلي العربي، استعارة ملونة خاصة به لوصف المناورة الدبلوماسية الأمريكية "يريد بايدن أن يجعل بيبي يفهم المهمة ويقبلها (ويبرم الصفقة)، او يفسح المجال أمام حكومة أخرى” وفي كلتا الحالتين، تأمل الولايات المتحدة أن يتم فتح الطريق المسدود. 

لكن ما هي إمكانية أن يصافح نتنياهو محمد بن سلمان؟ 

قد تعتقد أن النسبة صفر، نظراً لرفض نتنياهو العلني المتكرر للدولة الفلسطينية، لكن الإسرائيلي الذي يعرفه جيداً يقول إن نتنياهو يدرك أنه يواجه خياراً جدياً، وأنه سوف يزن العوامل السياسية بعناية، ولكي نكون صريحين، فإن التحول إلى صانع سلام مع السعوديين قد يكون هو السبيل الوحيد لنتنياهو لتجنب العار الدائم الذي سببه الهجوم الإرهابي الذي نفذته حماس في السابع من أكتوبر. 

إن التوقيت أمر بالغ الأهمية في هذه الحالة. 

لقد أبلغت الولايات المتحدة إسرائيل أن اتفاق التطبيع السعودي يجب أن يبدأ خلال الشهرين المقبلين ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن محمد بن سلمان يطالب، كجزء من حزمة التطبيع، بمعاهدة توفر ضمانات شبيهة بضمانات الناتو للأمن السعودي. 

ونظرًا لأنه عام انتخابي في الولايات المتحدة، فمن المرجح أن تحصل مثل هذه الصفقة على تصديق مجلس الشيوخ بحلول شهر يونيو وفي حال تأخرها عن ذلك سيتم دفنها تحت سياسات الحملات الانتخابية. 

لكننا لم نصل إلى الجزء الأصعب بعد، ولا يمكن لأي من هذه الدبلوماسية المعقدة أن تبدأ حقاً إلا بعد انتهاء القتال في غزة وهذا هو العنصر الأخير في لقطة ضربة الكرات الثلاثة في البلياردو. 

كان مدير وكالة المخابرات المركزية ويليام بيرنز ومساعد البيت الأبيض بريت ماكجورك، بتوجيه من مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، يعملان مع مسؤولين إسرائيليين ووسطاء قطريين ومصريين لصياغة صفقة إطلاق سراح الرهائن.

وسوف تكون عملية تبادل مرحلية، فعلى مدى أسابيع عدة، سوف تقوم حماس بتبادل ما يقرب من 136 رهينة إسرائيلية متبقية وجثث القتلى التي تحتجزها الحركة مقابل ما يمكن أن تسميه وقف إطلاق النار. 

قد تسميها إسرائيل شيئًا مختلفًا - تجميدًا، أو توقفًا ممتدًا - لكن مثل هذه العبارات هي الطريقة التي يكسب بها الدبلوماسيون رزقهم. 

إن صفقة الرهائن هذه أصبحت قريبة بشكل مثير، وفقاً لمصادر أمريكية وإسرائيلية وعربية، ولكن قد يستغرق الأمر أسابيع للانتهاء منها وبمجرد أن تصمت الأسلحة، يصبح من الممكن وقف التصعيد على نطاق واسع: فقد يتحرك السعوديون نحو التطبيع، وقد يصبح التوصل إلى اتفاق حدودي بين إسرائيل ولبنان ممكنا، ويمكن أن يبدأ التقدم نحو إقامة دولة فلسطينية في نهاية المطاف.

يقول أحد الأشخاص المشاركين في المفاوضات: "إن الطريقة الوحيدة لتهدئة غزة هي صفقة الرهائن"، مشدداً على أن هذه هي المفتاح لعكس دائرة العنف التي دفعت الشرق الأوسط إلى حافة حرب شاملة. 

والسبب وراء تفاؤله هو أن الإسرائيليين يعتبرون إطلاق سراح الرهائن أولوية قصوى بعد صدمة الهجوم الإرهابي الذي شنته حماس. 

تواصل إسرائيل قصف حماس في مملكتها السرية في غزة لإقناع قائدها العسكري، يحيى السنوار، بالتوصل إلى اتفاق كما ان هناك نهج جديد يتلخص في إغراق أنفاق حماس بمياه من البحر الأبيض المتوسط، وهو التكتيك الذي كان موضع دراسة في وقت مبكر من الحرب، ثم تم تأجيله بسبب مشاكل فنية وبيئية وتم إحياؤه الآن ببعض التقنيات الجديدة ولا تزال إسرائيل لا تملك خططاً متماسكة "لليوم التالي" لانتهاء الحرب. 

إن خطتها لإدارة غزة - التي تشمل الاستعانة بالعشائر والتجار وسماسرة السلطة المحليين - تبدو لي وكأنها صيغة لإنشاء جيب فوضوي غير خاضع للحكم على حدود إسرائيل. 

يأمل المسؤولون الأمريكيون أن تعترف إسرائيل في نهاية المطاف بأن الخطة السليمة الوحيدة هي مهمة تدعمها الولايات المتحدة لتدريب قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية "المعاد تنشيطها" - والتي بدأ المسؤولون في وصفها بـ "الجيش الوطني الفلسطيني" ومن الممكن أن تكون تلك القوة جاهزة خلال ثمانية أشهر إلى سنة.

ثم هناك مشكلة وقف عنف المستوطنين ونقل ما يصل إلى 200 ألف إسرائيلي من الدولة الفلسطينية المستقبلية إلى اسرائيل. 

لقد اتخذ بايدن خطوة قوية يوم الخميس بفرض عقوبات على أربعة مستوطنين إسرائيليين في الضفة الغربية ارتكبوا أعمال عنف ضد الفلسطينيين وهذه مجرد بداية، لكنها تعزز مصداقية الولايات المتحدة مع الفلسطينيين كوسيط للسلام. 

ويقول أحد المسؤولين الذين شاركوا في المفاوضات المعقدة: "إن لحظة الحقيقة لم تأت بعد".. لكنها قادمة. 

إن ما يتصوره الدبلوماسيون الأمريكيون هو هيكل غير عملي مع شركاء غير مستقرين، ورهانات محفوفة بالمخاطر وعزيمة غير مختبرة - مع رئيس أمريكي يتمتع برؤية استراتيجية ولكن ضعف سياسي. 

هناك الكثير من الأشياء التي يمكن أن تسوء، ولكن بالنظر إلى البدائل القاتمة، فإن الأمر يستحق المحاولة.