من الأقوال العربية المأثورة والتي ينسبها البعض لعلي بن أبي طالب (الاعتراف بالخطأ فضيلة) وهو قول له أساس ومرجعية دينية بأن البشر غير معصومين من الخطأ، حتى الأنبياء والرسل غير معصومين من الخطأ في الأمور الدنيوية فما بالك بالقيادات السياسية.
مناسبة هذا الاستهلال هو المعاندة والمكابرة المسّيطرة على حركة حماس ورفضها الاستفادة من تجارب الشعوب ومن تجاربها ومغامراتها السابقة التي أضرت بالقضية الوطنية وكان آخرها عملية طوفان الأقصى التي أعطت الكيان اليهودي الصهيوني مبررا لتنفيذ ما كان يخطط له لغزة وكل القضية الوطنية، ومع ذلك ما زالت تصر قيادة حماس على موقفها وترفض الاعتراف بخطئها وتتحدث عن بطولات وإنجازات متجاهلة الشعب ومعاناته في القطاع والتي وصلت لدرجة أكل الناس للحشائش وأعلاف الحيوانات وامتهان كرامته وأدميته من طرف الاحتلال وتجار الحروب ومن عناصر حماس أنفسهم.
حركة حماس تعاند وتكابر متجاهلة ما يجري على الأرض وأن الأوطان أهم من الأحزاب وأن الشعب وكرامته وأمنه أهم من القيادات السياسية وخصوصا عندما تكون هذه القيادات خارج الوطن ولا تعاني ما يعانيه الشعب.
صحيح أن حركة حماس نجحت بانتخابات تشريعية عام ٢٠٠٦ وأنها جزء من الشعب الفلسطيني ولها حضور شعبي، وصحيح أنها حركة مقاومة تقاتل الاحتلال على طريقتها وحسب أجندتها، ولكن علينا التذكير بما سبق أن كتبنا عنه مطولا منذ تنفيذ الكيان اليهودي لمخطط الانسحاب من طرف واحد في خريف 2005:
1- التزامن المريب لخروج جيش الاحتلال من غزة 2005 والانتخابات التي فرضتها واشنطن على القيادة الفلسطينية 2006 والانقلاب على السلطة 2007.
2- نجاحها في الانتخابات كان في سياق انتخابات في الضفة وغزة لأعضاء مجلس تشريعي لسلطة حكم ذاتي نصت عليها اتفاقية أوسلو، وقبل ذلك كانت ترفض المشاركة في الانتخابات وتُكفِر كل من يشارك فيها، وجاءت مشاركتها بعد أن طرحت واشنطن مشروع الشرق الأوسط الكبير ٢٠٠٤ الذي يسعى لمشاركة الجماعات الإسلامية في السلطة.
3- لم يكلف الفلسطينيون حركة حماس أن تنوب عن منظمة التحرير الممثل الشرعي لقيادة الشعب الفلسطيني ونجاحها في الانتخابات لا يؤهلها لذلك، كما لم يكلفها الشعب أو تأخذ رأيه بأن تتفاوض مع العالم الخارجي باسمه.
4- لم يفوضها من انتخبها بالقيام بانقلاب على السلطة الوطنية واتهامها بالخيانة.
5- لم يفوضها الشعب أو أخذت موافقته عندما عرضت قطاع غزة لخمسة حروب مدمر.
6- لم يفوضها الشعب بأن تجعل مرجعية الشعب والقضية جماعة الإخوان المسلمين وميثاق حركة حماس.
7- لم تأخذ رأي الشعب عندما استبدلت الوحدة الوطنية بمحور المقاومة ووحدة الساحات، وراهنت على قطر وتركيا وإيران وجماعات الإسلام السياسي التي تقف اليوم موقف المتفرج على حرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها قطاع غزة.
8- لم تستشر حركة حماس الشعب ولا حتى فصائل المقاومة الأخرى عندما قامت بعملية طوفان الأقصى، كما لم يفوض الأسرى حركة حماس بتحريرهم على حساب تدمير غزة وأكثر من مائة ألف شهيد وجريح..
سكت الشعب عن الممارسات السلطوية لحركة حماس وتفردها بالسلطة والحكم لمدة 17 عاما كما صبر على فشلها في إدارة القطاع وعلى كل مظاهر الفساد المالي والإداري وعلى مسؤوليتها عن استمرار محاصرة القطاع وتفقير أهله في الوقت الذي كان عناصرها يعيشون حياة مريحة نسبيا وقادتها يقيمون في الفنادق والفلل في قطر وتركيا، ولم يكن صمت وسكوت الشعب قبولا بحكمها ونهجها ولكن تجنبا لفتنة داخلية يوظفها العدو لصالحه.
وسكت الشعب عندما هربت أو تسربت القيادات السياسية في الصف الأول من القطاع إلى تركيا وقطر قبيل الحرب الحالية حاملة معها ملايين الدولارات المنهوبة من أهالي غزة، تاركة عناصر حماس وقيادات من الصف الثاني بقيادة السجين المُحرر عديم التجربة بالسياسة والقيادة ليتدبروا أمرهم.
وعندما انكشف عجز قيادة الداخل بسبب عدم خبرتهم في القضايا الاستراتيجية وما تركته لهم القيادة السياسية الهاربة من أوضاع اقتصادية واجتماعية معقدة بحيث أصبحت سلطة حماس وعناصرها يعتمدون على أموال قطرية تأتيهم عبر دولة العدو وبموافقته أو من خلال مشاركة عمال غزة ما يحصلون من أموال يحصلون عليها بعرق جبينهم من العمل في دولة الاحتلال، أو من ضرائب وخوات يفرضونها عنوة على الشعب، أو من أية جهة تخفف عنهم مسؤولية الحكم دون أن ينفقوا من أمول حماس شيئا لأن أموال حماس لحماس كما قال خليل الحية.... عندها لجأوا لتسخين جبهة غزة من خلال إطلاق صواريخ عبثية تارة أو من خلال مسيرات العودة الأكثر عبثية والتي تسببت بقطع أطراف ألاف الشباب ومقتل المئات، وعندما لم تسعفهم كل هذه الوسائل كانت عملية طوفان الأقصى.
فلماذا يدفع الشعب والقضية ثمن أخطاء حزب وحركة لا تمثل الشعب الفلسطيني وثمن مغامرة غير محسوبة؟
تراجع حماس عن عنادها ومكابرتها قد تنقذ القضية الوطنية مما يخَطِط له الكيان الصهيوني متحالفا مع الغرب وبعض الدول العربية، وينقذ القطاع من حرب الإبادة وأهله من التهجير وينقذ حتى المقاومة من هزيمة نكراء لن ينفع معها كل البطولات الفردية للمقاومين.