ترتسم معالم طريق رغم ضبابية المشهد ربما مغاير ما بعد السابع من اكتوبر الماضي وسط مخاطر جمة تعصف بالقضية الوطنية للشعب الفلسطيني التي اصبحت في مهب الريح فعلا وهي كذلك حتى ما قبل الحرب العدوانية على غزة في الحقيقة الحرب تستهدف كل الشعب الفلسطيني، وعورة الطريق وسط تحديات جسام مع دخول الشهر السادس على التوالي، وما صاحب ذلك من دماء وتشريد وويلات، ونزوح ودمار الى جانب ما يرافقها من مشاريع اقليمية ودولية، والحديث عن صفقات او مقترحات في المنطقة تتطلب بالاساس جهوزية من قبلنا وفعالية اكثر- التلكوء والانتظار لن يجلب الا المزيد من استنزاف وضعنا الداخلي، وبالتالي المبادرة مطلوبة، والعمل لمنع الاطاحة بالقضية كهدف اساس يسعى اليه الاعداء، والعمل انيا على افشال الخطر الداهم المتمثل بالتهجير القسري بما يعنيه من التوصل الى صيغة عاجلة لحقن الدم، ووقف العدوان رغم الثمن العالي والكبير الذي دفعه الناس وما يزال يدفع قرابين بشرية سيل من الدماء على طريق الاستقلال والحرية، والعمل على افشال الهدف السياسي الاخر بالمعنى المباشر لمقررات حكومة الحرب في اسرائيل وهو ابقاء حالة الانفصال بين الضفة الغربية، وقطاع غزة، ومحاولة السيطرة الامنية المباشرة على مناطق واسعة في القطاع سواء بالتواجد العسكري الفعلي او السيطرة الامنية وهذا لم يعد سرا بل يتم الحديث عنه علنا وفي وضح النهار وما تحمله الايام القادمة سيكون اوضح .
لهذا وغيره الكثير علينا ان نرى ونحدد بوضوح المخاطر ما هي؟ وكيف يمكن مواجهتها؟ هذه الاخطار تكمن بوجود الاحتلال الاسرائيلي بكل اشكاله على الارض الفلسطينية ثم استمرار حالة الانقسام الداخلي وتداعياته على الصورة الجمعية والوعي المكون للفعل الفلسطيني الداخلي، وتوجهات ذلك للعمل مع ادراك الجميع انه لم يعد بالامكان التعاطي مع حلول بذات الادوات المعمول بها او المجربة سابقا، والاتيان بحلول مختلفة بذات الاليات والوصفات لم تعد صيغة صالحة، اما التحدي الثالث فهو اعادة بناء نظام سياسي يضم جميع المكونات ولكن ايضا بما يحافظ على الهوية الجامعة للشعب الفلسطيني في كل اماكن تواجده وهي منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها المرجعية العليا، والبيت الجامع، والجبهة الوطنية التي تحظى باعتراف العالم اضافة الى انها قادت وتقود المشروع الوطني الفلسطيني .
امام ما يجري من حرب مفتوحة وان كان رأس الحربة فيها قطاع غزة وبعد اللقاء الذي جرى مؤخرا في العاصمة الروسية وضم جميع الفصائل وما صدر عنه من بيان بنقاطه التسع التي لم تحمل اي جديد عملي يمكن البناء عليه او احداث اختراق ملموس لجسر الهوة بين المواقف حياله فيما اكد استمرار السعي لعقد لقاءات جديدة للحوار في سبيل الوصول لصيغة يمكن معها تذليل العقبات التي تحول دون استعادة الوحدة الوطنية وحتى في المشاورات لتشكيل الحكومة التي يجب ان تكون حكومة توافق ببرنامج واضح وصلاحيات، وتهيأة الظروف لعملها في الضفة وغزة معا، هو كيف نحول هذه المشاورات ووضعها في اطار معركة سياسية مع الاحتلال اي بمعنى اخر ان الاوان للتفكير بطريقة مختلفة للحوار بدلا العودة خاليي الوفاض في كل مرة المشكلة ليست في مكان، وزمان اجراء جلسات الحوار، وانما في المخرجات والنتائج بلغة سلسة وبسيطة اكثر اضفاء او اعطاء انطباع ان المشكلة شكلية او عملياتية هو كمن يذهب للطبيب ويعرف المشكلة وخطورتها، ويعود لطمأنة العائلة انه بخير فهو يخدع نفسه ومن حوله ببساطة شديدة وسرعان ما يتم اكتشاف ذلك فمن النتائج المرتبة على استمرار حالة الفشل انعكاس ذلك على الثقة بالمؤسسة التي هي منظمة التحرير، والنظام السياسي بقواه وفصائله، وحتى السلطة، وزيادة حالة التهميش والتغييب عن الشراكة والقرار الموحد الجامع في كل المناحي الهامة للحالة الفلسطينية الراهنة بما فيها حتى المساهمة الجدية في الجهود لوقف العدوان رغم كل ما يبذل بهذا الصدد .
وبات احد الاسئلة التي تثار امام عدم تحقيق انجاز ربما بوضوح وصراحة اكثر في الاونة الاخيرة امام عدم انجاز الوحدة، وعدم المقدرة على وقف العدوان نظرا لمحدودية الدور ككل، وغياب او تغييب العامل الشعبي الذي كان دائما ركيزة هامة في تصليب الوضع والموقف السياسي في مواجهة خطط الاحتلال بما فيها خطة الضم المتواصلة احدى هذه الاسئلة موضع النقاش اليوم هل بامكان القائم مواجهة القادم؟ هذا السؤال البسيط والعميق في سياق ازمة داخلية، وتكلس بنى النظام السياسي؟ وازمات اقتصادية واجتماعية؟ تهتز معها دعائم المبنى وارضيته ايضا في ظل الحاجة ان نكون معول بناء وليس معول هدم وايضا عدم ترك الباب على الغارب مشرعا على كل الاحتمالات دون ضمان توفير الشروط اللازمة للصمود امام الرياح العاتية .
المقصود بالقائم هنا الجميع مجتمع مدني، واحزاب، وقوى ونقابات، واطر ومؤسسات على قاعدة اكثر صراحة تتمثل اننا لسنا بخير، وهذه المكونات التي بمجملها شكلت فيما مضى عناصر قوة ومظلات هامة كروافع العمل المشترك والوحدوي في مواجهة سياسات الاحتلال عبر محطات عديدة ربما ابرزها ابان الانتفاضة الاولى عندما كانت تتمتع بمصداقية عالية، وامتدادات وجماهير، واعضاء تعبر عنها، وتحمل مصالحها وقضاياها وتدافع عنها كانت باعتبارها طبقة وسطى او عاملة شبكة حماية للمشروع الوطني، ودافعت عن المكتسبات السياسية اليوم البرنامج الوطني بحاجة الى اعادة صياغة وتجديد بما يحافظ على الثوابت والاهداف الوطنية حق العودة، وتقرير المصير، والدولة المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، ومحاولة القفز عنها او تخطيها والبحث عن بدائل او صيغ اخرى هو بمثابة اطلاق النار على الساق في ذروة المعركة – وبالعودة للسؤال هل اسقاط القائم او تخطيه حتى سيقود الى ما هو افضل!! وهل يعطي النتائج المبشرة بتحقيق الاهداف وبتجاوز ذلك؟ ام ان البديل رغم الملاحظات الكبيرة على ما هو قائم هو الدخول في فوضى! وتشتيت الجهد والمزيد من الخسائر على المستوى اليومي والبشري والوطني، وهو ايضا ليس بالحل الامثل الانتظار الى حين ترنح المؤسسة اذ بالامكان اعادة صناعة وتقديم الصيغ التي ينخرط الكل فيها متسلحا بموقف، وخطاب، وادوات متوافق عليها وصولا لتحقيق الهدف وهو الاستقلال الوطني .
ومن هنا فان المطلوب اليوم بات واضحا التحلي بالشجاعة والجرأة وكسر حالة السكون او التلقي او المراهنة على الزمن بانه يحمل مفاجات ببساطة الولايات المتحدة لا تحمل في جعبتها اية حلول او مواقف باستثناء تقديم الدعم للاحتلال، وتبني روايته والتغطية على ما يقوم به من ابادة الوصفات الاميركية مجربة والعودة اليها يحمل مخاطر جديدة رعايتها لم تؤدي الى ما نصبو اليه هي فقط " تقليعة" لادارة الصراع من شأن التعاطي معها ان يفاقم من الازمات الداخلية، ويكبد الشعب الفلسطيني المزيد من الابتعاد عن استعادة الوحدة من بين كل ما يطرح سواء الميناء العائم او الحلول الانسانية والاغاثية يقف خلف ذلك رؤية خبيثة رغم ما تحاول من خلاله تجميل الصورة، وبرايي المتواضع ايضا الحل يكمن في رفض هذه المقترحات من حيث المبدأ وعلنا والذهاب لصياغة رؤية وطنية شاملة جديدة بمشاركة الكل الوطني قوامها انهاء الاحتلال اولا وانجاز مرحلة التحرر الوطني ووضع امكانات السلطة والجميع في سبيل تحقيق ذلك - التغيير الحكومي وحكومة جديدة لن تملك عصا سحرية للحلول طالما بقيت الامور على حالها لان المطلوب اتخاذ قرارت ملموسة لها علاقة بالمواجهة مع الولايات المتحدة، وان القيادة الفلسطينية لن تقبل استمرار وضع السلطة الحالي وسط الحصار المالي وتقويض بنيتها ومؤسساتها بمرافقة ذلك العمل على اعتماد منهجية لا لهدم القائم، وانما مده بالبقاء من اجل المواجهة فهناك جهات واطراف عديدة تتوثب لتعبئة الفراغ ما بعد اليوم التالي لانتهاء الحرب وفق وصفات معادية او في احسن الاحوال غير مدروسة وغير متوافق عليها، وهذا سيدخل الجميع في ازمة جديدة تزيد من الازمات الموجودة، وبالمعنى الادق كيف يكون اليوم التالي فلسطينيا بامتياز؟ هذا هو السؤال وفتح افق سياسي يقود الى انجاز وطني لقاء كل هذه التضحيات والدمار؟
ما يريده الجل الاعظم من الشعب باغلبيته الصامتة وفئاته الشعبية المهشمة، ومن جموع الفقراء هو رغم الدموع والاوجاع العودة للاعتزاز بمعاني وروح العمل الوطني الاصيل ان تعود المبادرات والعمل الشعبي المبني على تفاهمات واسعة تتسم بالوحدة، ووقف التجاذب والاختلاف، على الجهات العليا وصناع القرار توفير الامكانات للبقاء في مواجهة التهجير القسري ومخططات تفريغ الارض لانها لحظة الحقيقة، ومحطة تاريخية هامة من العبث استمرار حالة السجال العاطفي والتطاير في المواقف من يحمي الاطفال في غزة، ويعيد النازحين الى بيوتهم ومن يمنع التطهير العرقي في القدس والضفة، ومن يجعل الجميع في حالة انصهار، وحركة متواصلة هو ما يريد ان يلمسه الناس في بورين، وبرقة، ومسافر يطا، وعين البيضا، وفصايل، وسلفيت وسنجل وترمسعيا وراس كركر لعل القائم يقوى على الصمود لمواجهة القادم .