الرئيس صمم على تكليف الدكتور محمد مصطفى وصمد امام كل الضغوطات، وقد تكون المقاربة التي قام عليها موقف الرئيس يستند الى ان امريكا تريد تغيير المنظومة بكل ما تحمل من حيث الطبيعة والتركيبة، اي فك رموز الشيفرة الوراثية الوطنية للسلطة وبناء شيفرة وراثية جديدة، الرئيس قد يكون رضي بتغيير الجينات دون الشيفرة الوراثية للسلطة، وكأنه يعتقد انه بذلك يحمي المنظومة برمتها ما دام يتحكم في الشيفرة فكما غير التركيبة يستطيع فكها كما يشاء طالما ان الشيفرة الوراثية ان جاز التعبير بين يديه. لكن ما النتيجة، ببساطة معارضة جارفة لتكليف الدكتور محمد مصطفى ابتداءا من اوساط وازنة في حركة فتح الى حركة حماس التي تقود دفة العمل المقاوم والسياسي على السواء في هذه المرحلة بالاضافة الى الجهاد الاسلامي والجبهة الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب والمبادرة الوطنية وطيف واسع من الشخصيات الوطنية والمستقله ، ناهيك عن عدم رضى دول عربية عن تكليف الدكتور محمد مصطفى ، اما الاردن فوافق مواربة، اما مصر فانها لم تعد تدفع كثيرا باتجاه السلطة وان جاملت في عدد من مواقفها.
عدد من المصادر سرب ان الطرح الاردني المصري والاماراتي السعودي الذي قدم للرئيس يتمحور حول اجراء مصالحة داخل فتح تشمل كافة التيارات من دحلان والقدوة ومروان وسلام فياض وكافة من تركوا الساحة اما اختيارا او جبرا بسبب الخلافات التي اجتاحت السلطة وفتح على وجه الخصوص خلال السنوات الماضية، الفرضية قامت من قبل الدول العربية ان مواجهة حماس وامتداد فعلها وتاثيرها ووقف مشروع التهجير من قبل اسرائيل لن لا يكون الا بتوحيد هذه الصفوف،حتى يقبل العالم بالتعامل مع اطار شامل يمثل الفلسطينين على اوسع نطاق، على ما يبدو ان الرئيس لم يتعاطى مع هذا الطرح وعلى ما يبدو انه وافق جزئيا على عودة المشهراوي واكد انه ليس على خلاف مع تيار مروان ورفض عودة دحلان والقدوة وبكل تاكيد رفض التعاطي مع سلام فياض.
كما ان مصادر اخرى ادعت ان حماس غضبت جدا من الرئيس بعد زيارته للدوحة بعد ان تسرب لحماس ان الرئيس تحدث بقسوة تجاه حماس بالغرف المغلقة، مما ادى الى فشل الزيارة الى قطر، وكانت حماس قد ارسلت مع عدد من الفصائل حسب مصادر مطلعة برسالة خطية للرئيس ولحركة فتح من خلال جبريل الرجوب في بداية الحرب توضح موقفها من القضايا كلها ومن ضمنها موضوع الحكومة.على ما يبدو ان ابو مازن لم يلتفت لهذه الرسالة وبعد عدم تحقيق نتائج طيبة لزيارته لتركيا حول ذات الموضوع وبعد اجتماعه مع ملك الاردن عاد الى رام الله واعلن رئيس الوزراء انه قدم استقالته للرئيس.
مقاربة الرئيس حول ما قدم له مكتوبا من قبل حماس قابله فعل من دحلان على الارض حيث اتفق مع حماس على انشاء الميناء البحري وباشرت امريكا بالتعاون مع كافة الاطراف بذلك. امام كل ذلك وبعد الموقف الصادر عن الكل الوطني برفض تكليف محمد مصطفى وما تبعه من اصدار بيان باسم حركة فتح اقل ما يمكن ان يقال عنه انه بيان اطلق النار على فتح قبل ان يضر حماس بل خدم دحلان اكثر من اي طرف اخر وقدم فتح وكأنها تدين عملها المقاوم منذ انطلاقتها الى يومنا هذا!!!
تكليف الدكتور محمد مصطفى في ظل هذه الظروف سيضر بالرئيس ومكانته وقد يكون له تداعيات على وجود واستمرار السلطة برمتها وقد يكون الاصرار على ذلك يمثل فرصه لاسقاط السلطة ومن على رأسها من قبل الاطراف التي اصبحت تخاصمه اما سرا او علانية.لان فشل و/او افشال الدكتور محمد مصطفى سيعطى لمن عارض التكليف ان ياتي الى الرئيس قائلا لقد فشل خيارك والان عليك ان تقبل بالاسم او الاسماء التي نريد، عندها لن يكون امامه الا الموافقة او اننا سنكون امام مازق جديد .ونقصد هنا امريكا على وجه التحديد التي تتعاون مع دحلان وتفرض شروطها على ابو مازن وتفاوض حماس، وتضغط على العرب للتطبيع واخضاع حماس وكل ذلك حماية لاسرائيل
نتساءل من يقف مع الرئيس اليوم من الدول العربية، نجد ان السعودية والامارات ومصر وقطر ليست على وفاق معه ولا توفر للخزينة اية اموال ومواقفها السياسية بعيدة عن الرئيس بل ان الامارات تقول وبشكل مباشر انها لا تريد الرئيس وتدعم دحلان ضد وجوده الذي رفع شعار لا عباس ولا حماس بعد انتهاء الحرب.
الفصائل الفلسطينية ضد ما اسمته التفرد من قبل الرئيس فحماس والجهاد والجبهة الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب وفدا وعدد من قيادات فتح وطيف واسع من الشخصيات الفلسطينية في الداخل والخارج لا تتفق مع ادارة الملف الوطني من قبل الرئيس. الاردن تريد التغيير وغير راضية تماما عن سياسات السلطة الا انها تنسق معها لخطورة المرحلة وعدم رغبة الاردن في مواجهة سيل من التهجير من قبل اسرائيل.اما مصر فلا تقيم وزن للسلطة وتعتبرها جزء من التحديات وتتعاون مع دحلان اكثر وتتواصل مع حماس وترغب بان يكون لها دور استراتيجي وترى ان الرئيس لا يتعامل بمرونة مع الرؤية المصرية تجاه الازمة الحالية على ما يبدو.
اما اسرائيل فهي تقول ليل نهار ان الرئيس يدعم الارهاب ويواصل التحريض ضد اسرائيل ولا تريد للسلطة ان تكون موجودة في القطاع بعد انتهاء الحرب وتتهما بانها تدعم "الارهاب" اما امريكا وهي اللاعب الاهم والاكثر تاثيرا على سياسات العالم والعرب فانها طلبت من الرئيس اجراء تغييرات وتعيين نائب له وتعيين حكومة تكنوقراط واجراء اصلاحات في القضاء والامن والمناهج التعليمية ووقف دفع رواتب للشهداء والاسرى ووقف التحريض ودمج الاجهزة الامنية . اي ان امريكا تريد سلطة متجددة، اي استبدال ناعم لكافة المنظومة الوطنية بمنظومة تعمل وبشكل مباشر وفقا للنهج الامريكي. اي ان امريكا تريد ان تحول ما حصل منذ اكتوبر من العام الماضي الى هزيمة نكراء بحق الشعب الفلسطيني واعلان الاستسلام التام امام مطالبها. وكأن المتابع يدرك بان الرئيس منفردا يدير المشهد امام كافة الاطراف المحلية والاقليمية والدولية، فهل سيصمد ام سيتراجع او سيتم تحييده؟
ان كان هذا هو الواقع فلماذا الاصرار على الاستمرار بتكليف الدكتور محمد مصطفى، هل يعني تكليف محمد مصطفى ان الرئيس سينفذ الشروط الامريكية السته؟ ام انه سيبقى يناور على امل ان يحدث التغيير؟ وهل تكليف محمد مصطفى وابعاد حركة فتح عن الحكومة والفصائل الفلسطينية سيمكنها من الاستمرار دون غطاء وطني جامع ؟ كيف سيعمل الوزراء في حكومة محمد مصطفى في ظل هذه الظروف؟ وماذا عن الاموال وحجزها من قبل اسرائيل، فهل سيتم ضخ الاموال الى خزينة السلطة؟ وهل ستتوقف السلطة عن دفع رواتب العاملين في قطاع غزة؟ ام سترضخ الحكومة الجديدة الى المطالب الامريكية من وقف دفع لرواتب الاسرى والشهداء وهل ستعمل على تعديل المناهج التعليمية؟ ما الجديد الذي ستضيفه الحكومة طالما انها لن تتمكن من العمل في قطاع غزة؟ كما انها لن تجد اي دعم من حركة فتح خاصة وان اوساط واسعة من حركة فتح غير راضية عن تشكيل الحكومة بعيدا عن الحركة؟ ماذا عن دحلان الذي بات عنصر نشط وعلى تواصل تام مع حماس ومع الاطراف العربية والاقليمية والدولية، هل سيرضى بالتعامل مع هذه الحكومة؟ وهو ينشط كثيرا في قطاع غزة في ظل هذه الحرب الشعواء بحق شعبنا. كيف ستعمل الحكومة وهناك قناعة لدى اوساط عديدة من ان السلطة والحكومة لا تكترث باهل غزة، وان ابناء غزة يشعرون انه يتم اقصائهم من قبل دائرة صنع القرار؟ فهل حكومة محمد مصطفى ستزيل هذه القناعات وتدفع بمشاركة اكبر لاهل غزة في الحكومة؟ وكيف ذلك والكل الوطني يعارض تشكيل هذه الحكومة؟ وستمنع الحكومة من العمل بغزة، سيما وان حماس اعطت الافضلية للتعاون مع دحلان بدل الرئيس والسلطة.
قد يكون افضل قرار يمكن للرئيس ان يتخذه هو سحب تكليف الدكتور محمد مصطفى و/او الطلب من الدكتور محمد مصطفى الابطاء في تشكيلة الحكومة لحين انضاج الظرف الداخلي العام والابقاء على حكومة اشتيه الى حين الاتفاق مع كافة اطياف العمل الوطني على تشكيل حكومة جامعة تحقق الاهداف الوطنية وتكون قادرة على العمل والانجاز. وان لا يتم اي تعديل الا بعد وقف العدوان حتى لا ينشغل الناس بامر يخرج عن وقف نزيف الدماء في قطاع غزة.
قد يكون من الافضل للدكتور محمد مصطفى الاعتذار عن التكليف حفاظا على مصالح الشعب الفلسطيني وتطلعاته، فلا وقت للتجربة والخسران وحان وقت العمل للنجاة بقضيتنا لذا فانني على ثقة بان سحب التكليف و/او التاخير في تشكيل الحكومة لحين انضاج موقف وطني موحد و/او ايجاد صيغه لادماج شخصيات متعددة التوجهات في الحكومة هو احد الخيارات وقد يكون اعتذار الدكتور محمد مصطفى هو السبيل للارتقاء لخطورة المرحلة وحساسيتها .وان لا صوت يجب ان يعلوا على وقف الحرب والعدوان على شعبنا في غزة اولا والضفة ثانيا، وحماية المقدسات اساسا وباستمرار.