محور المقاومة كان يعول على استعدادات حزب الله وامتدادات المحور الايراني وكان مطمئنا من جهة غزة ،وحاول خلق تيار مسلح في شمال الضفة وارسل الكثير من المال والسلاح لهذا الغرض ونجح في اجتذاب اغلبية عناصر كتائب الاقصى وهي عناصر مدربة تنتمي إلى اجهزة الامن الفلسطينية وسرايا القدس والاقل انكشافا كانت عناصر القسام وكانوا يخططون لاقامة كتائب في كل المدن والمخيمات في الضفة في موازاة مثيلتها في مخيمات لبنان اي السيطرة الخارجية ثم الداخلية في موازاة حملة اعلامية موجهة ضد فتح والسلطة الوطنية .وقد فهم محور ايران هجوم اكتوبر انه بداية النهاية ليس للاحتلال بل لمنظمة التحرير حيث كان مسؤول ايراني اول من شكك بتمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني ودعا الى انتخابات ولحقه قادة حماس من قطر يؤدلجون ذلك وكأن المعركة ضد المنظمة وليست ضد الاحتلال. فكل معارك حماس ضد اسرائيل منذ الانقلاب كانت لأهداف حزبية فقط ولإثبات وجودها كبديل للمنظمة. واذكر هنا انه بعد عدوان سنة 2014 عقدت قمة في باريس بمشاركة تركيا وقطر ومصر وفرنسا وغيرها حيث طرح موضوع ميناء لغزة في قبرص التركية وارسال قوات من حلف الناتو الى غزة دون مشاركة السلطة الوطنية في الاجتماع، بالطبع كان الهدف تجسيد انفصال غزة دوليا ولكن الناتو رفض الطرح . وعودة الى نتنياهو فقد كان مخططه الاولي قبل اكتوبر اضعاف حماس بتوجيه ضربة قوية لها وليس تصفيتها للابقاء على الانقسام الفلسطيني كعائق اساس امام مقولة حل الدولتين الذي يرفضه نتنياهو ، لكن السيناريو تغير منذ اكتوبر وبات تجريف غزة بنيانا وسكانا وتهجيرهم هو الهدف ولاحظنا كيف ان الهجوم البري لم يتركز في الوسط نحو خانيونس التي حدث هجوم اكتوبر بجوارها بل بدأ في الشمال للتجريف وتهجير السكان وازالة اية مقومات للحياة البشرية .
بعض الأنباء الاسرائيلية زعمت الحصول على وثائق من غزة تفيد ان السنوار ابلغ معاونيه ان حزب الله تعهد من انه سيدخل المعركة منذ بدايتها لكن حزب الله لم يف بوعده بحجة وجود قوات اسرائيلية في حالة استعداد تام على الحدود . لكن كلنا نعرف ان قوات الاحتلال امضت قرابة شهرين قبل الحرب على اجراء مناورات متتالية لصد هجوم محتمل لكتيبة الرضوان التابعة لحزب الله وكانت اغلب الوية الجيش الاسرائيلي على حدود لبنان اصلا لأن حزب الله نفسه اجرى مناورات في الوقت ذاته لفرقة الرضوان في الجنوب اللبناني،فليس هناك ما هو مفاجيء حتى ان الجيش الاسرائيلي سحب قوات من الشمال الى تخوم غزة في بداية الحرب فلو كان هناك تعهد جدي لشن حزب الله الحرب هجوما في توقيت مواز لهجوم اكتوبر فهل تراجع الحزب ام هل تراجعت طهران! الأمر سيان.
فالهدف الاساس للحرب ليس الذي ورد على لسان حماس في البداية بل كان يصب في مصلحة ايران فقط وأولها خلق ظروف عسكرية تمنع الرياض من الحصول على اتفاق دفاع مشترك مع واشنطن وهذا يعني تأمين السعودية وامنها بالكامل وهو اتفاق لم تحصل عليه دول الناتو اضافة الى البرنامج النووي الذي كانت تسعى للحصول عليه ، واخيرا العمل على انهيار السلطة الفلسطينية من الداخل . هذه الاهداف قيل انها ذكرت في اجتماع بين بعض الفصائل والحرس الايراني وحزب الله ما دفع احد الفصائل الفلسطينية الى ابداء تحفظه والانسحاب من الاجتماع وفي فمه ماء ، فالمكاسب الايرانية من اكتوبر فاقت التوقعات ومنها اولا انها اكدت قدرتها على تحريك قوات عربية في بلاد عربية خاضعة لها وتصرفت بدبلوماسية نادرة حيث نأت بنفسها عن المشاركة المباشرة للحفاظ على التوازن في العلاقة المتوترة مع واشنطن ، فمنذ سنة 1978 وواشنطن تهدد ايران لكنها لم تطلق عليها رصاصة واحدة باستثناء اغتيال قاسم سليماني لأنه مس بالقوات الاميركية في العراق وسوريا في عهد ترامب وكشف ترامب نفسه النقاب عن ان طهران ابلغته انها سترد بطريقة صاروخية في العراق دون اصابة جنود وحددت زمان ومكان القصف وهو ما حدث . ولعلنا نذكرانه غداة حرب اكتوبر انتهى مفعول قرار مجلس الأمن بفرض عقوبات على ايران ولم تحاول واشنطن تجديده كما ان واشنطن طلبت مؤخرا من الاتحاد الاوروبي عدم فرض عقوبات على ايران بسبب الهجمات البحرية في باب المندب، وحصلت ايران على ديون الكهرباء المليارية على العراق بموافقة اميركية حيث كانت واشنطن تمنع العراق من تسديدها كما حصلت على مليارات اخرى كانت مجمدة في بنوك كوريا الجنوبية وتواصلت اللقاءات المباشرة بين واشنطن وطهران ابان الحرب في مسقط طبقا لمقولة بايدن ان وجود ايران ضرورة في الاستراتيجية الاميركية في المنطقة .
عموما بعكس ما يتوقعه الكثيرون فالسنوار اثبت انه مخطط عسكري فذ قادر على التخطيط والاستعداد والتمويه لدرجة فائقة ونجح في التنكيل بجيش زعم انه الذي لايقهر بل يحتاج السلاح التقليدي والمتطور جدا والدعم الغربي عسكريا لمواجهة بضعة الاف من المقاتلين الاشداء بلا اجهزة ومعدات حديثة ولا دعم فقد اطاح السنوار الهيبة التي نسجها الاسرائيليون حول جيشهم ولم تعد اسرائيل الدولة السوبرمان بل فقدت صلاحيتها كقوة حماية للمصالح الغربية في المنطقة وغول يرعب الانظمة بل باتت تحتاج الى حماية . كما ان هجوم اكتوبر جعل الاسرائيليين يطرحون على انفسهم سؤال هل كيانهم هذا قادر على البقاء ؟فالهجرة العكسية والحصول على جوازات سفر اجنبية تضاعف وشراء العقارات في تركيا وقبرص واليونان تضاعف ايضا ربما لحفظ لحفظ خطة الهجرة من فلسطين .وهو ايضا اي السنوار بعكس ما يشاع انه هرب او يفكر في النجاة فهو من النوع الذي لا يهرب بل يقاتل حتى النهاية ، وما يبثه الاحتلال عن امواله وهي بضعة ملايين ومقتنياته ليست غريبة لأن من يقود جيشا يحتاج الى المال في غياب البنوك بينما استنزف الجيش الاسرائيلي عشرات المليارات من ميزانية الاحتلال اضافة الى مليارات بايدن واسلحته الغربية ، وما زال الاقتصاد الاسرائيلي يعاني رغم التثبيت الاصطناعي الذي تقوم به المؤسسات المالية الصهيونية العالمية لتثبيت الشيقل وتثبيت التصنيف المالي . وما زال جيش السنوار يقاتل احببناه ام كرهناه فمعركته لم تنته بعد فالسنوار حالة متميزة لا تفر من المعركة مثله مثل ابو عمار حيث قلت له ذات مساء قبل حصاره لماذا لا تحفر نفقا نحو عين مصباح اسفل المقاطعة مرورا ببيت الدكتورة حنان عشراوي حتى اذا تعرضت للحصار امكنك الخروج ، فقال مبتسما (انا لا اخذل شعبي) لكن ابو عمار له حساباته التي تختلف عن السنوار الذي لم يحسب جيدا مآلات الهجوم الاسطوري ونتائجه على شعب غزة واكتفى بتحصين مقاتليه في الانفاق ، وحتى لو تراجع السنوار في بدء الحرب وافرج عن الاسرى فان الحرب ستتواصل فلا رجعة فيها لأن الجيش الاسرائيلي الجريح يريد الانتقام لهيبته ونتنياهو ايضا والغرب ككل . ورغم الضر الذي لحق بشعبنا في غزة والضفة الذي لا سابق له تاريخيا إلا ان ذلك اعاد للقضية وهجها بدمه ودموعه وتشرده وجوعه وتضحياته واسراه .فهجوم اكتوبروما تلاه اعاد للقضية وهجها بل زرعها في وجدان الرأي العام العالمي بصورة مكثفة وبدد اكاذيب الاحتلال وحلفائه واعلامه واخضعه لبث الحقائق عبر وسائل التواصل الاجتماعي خاصة التيك توك الذي يحاول الاميركيون حجبه بشرائه بحجة انه يضر بالأمن القومي الاميركي بينما الحقيقة انه يبرز الحقائق في فضاء مفتوح خارج عن السيطرة الامبرياية .
ملخص القول ان اكتوبر احدث انقلابا تاريخيا في العالم في مواجهة الحرب العالمية الغربية ضد الانسانية وكشف عن ظلمات الابادة التي مارسها الغرب في اسيا وافريقيا والاميركيتين ومن ضمها فلسطين. بل خرج اميركيون ليقولوا شكرا يا غزة لقد رسمت لنا الطريق للتحرر من الهيمنة الصهيونية على الولايات المتحدة.فلا تقزموا الانجازات وفي الوقت ذاته لا تستهينوا بتضحيات شعبنا في غزة وان كانت كرها فهو الرافعة الحقيقية لكل انجاز. والخلاصة ان شعبنا يستحق قيادات واحزابا ارقى ومغامرات اقل . بقي ان نقول ان حركة حماس تحالفت عبر تاريخها مع كل الدول مع مصر ومع الاردن والسودان وماليزيا وموريتانيا ومع دول الخليج وتركيا وقطر وسوريا وحزب الله وايران ، لكنها حتى اللحظة لم تتحالف مع فتح! عجيب
اقرأ أيضا: السنوار الرجل الذي احدث انقلابا على النظام العالمي