لفت انتباهنا ان رئيس الحكومة المكلف تحدث خلال لقاءه مع ممثلين عن المجتمع المدني عن رغبته بانشاء هيئة اغاثية موحدة سيكون لها حسابات بنكية مستقلة ومجلس ادارة منفصل عن الحكومة والسلطة حتى تحصل على مصداقية وثقة الجهات المانحة المحلية والاقليمية والدولية. للوهلة الاولى تبدو الفكرة محفزة وبها الكثير من الشفافية والمأسسة، مع قناعتنا انها فكرة طيبة ولا نشكك بنية ورغبة رئيس الوزراء المكلف في تنظيم عملية المساعدات وتعزيز الشفافية الا اننا نرغب تسجيل عدد من الملاحظات حولها، حيث لا نرى ان الفكرة قابلة للتنفيذ بل انها قد تعيق العمل وتؤدي الى انشاء اطار بيروقراطي جديد، كما انها تجئ متاخرة وفيها مضرة اكثر منها الى النفع خاصة في ظل هذه المرحلة بالتحديد. كما ان هناك عدد من الاليات الموجود على الارض والتي تعمل بفاعلية سواء من منظمات الامم المتحدة او مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني في الضفة والاهم ان هناك اطار تنسيقى ميداني بين هذه المؤسسات في غزة.
قبل نقاش هذه الفكرة وطرح البدائل الممكنه والقابلة للحياة والتنفيذ فاننا نشير الى ان عدد واسع من مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني وفي القطاعات المختلفة قامت بدور هام واستراتيجي بالتعاون مع المنظمات الدولية والمؤسسات الاغاثية العربية والاسلامية. ان سرعة تحرك عدد من مؤسسات المجتمع في قطاع غزة بعد العدوان جعلت من دورها يتفاعل ويكون اكثر سرعة، حيث حافظت مؤسسات المجتمع المدني على كافة العاملين لديها في القطاع وحافظت على تحويل الرواتب ومنها من زادت عدد العاملين والمتطوعين لديها مما فتح افاق لاسر عديدة فقدت مصادر دخلها وتنوعت التدخلات من قبل مؤسسات المجتمع المدني ما بين اغاثة مالية مباشرة من خلال تحويل مبالغ شهرية لعدد واسع من الاسر واخرى ركزت على توزيع المواد التموينية والمياه الصالحة للشرب ومنها من قدمت المنازل المتنقلة ومنها من مول بناء الخيم ومنها من قام باعداد الوجبات الساخنة ومنها من اهتم بصحة البيئة بدور الايواء من تنظيف دوري لمرافق دور الايواء ولدورات المياه وايصال المياه الصالحة للشرب والاستحمام والمعدات الخاصة بالنظافة الشخصية للنساء والاطفال والاشخاص من كبار السن والمرضى ناهيك عن الدعم النفسي والصحي للاطفال وعقد عدد من الدورات للتعامل مع الازمات والتفريغ النفسي، والقائمة تطول لتصل الى الخدمات الطبية ومعدات الاسعاف الاولى وتيسير ادخال معدات طبية وادوية وغير ذلك.
نجد ان مؤسسات الاغاثة الزراعية ومركز معا التنموي ومنتدى شارك الشبابي ومؤسسة وفا والاغاثة الطبية الفلسطينية وطيف واسع من المؤسسات وصلت مساهماتها بالتعاون مع جهات محلية فلسطينية سواء افراد او مؤسسات او جهات عربية واسلامية خيرية ودولية الى ما يناهز (50) مليون دولار امريكي منذ العدوان ناهيك عن رواتب واجور العاملين والمتطوعين حيث بلغ عدد العاملين لدى مركز العمل التنموي مع المتطوعين حوالى (400) عامل ومتطوع وفي الاغاثة الزراعية حوالي (300) متطوع وعامل ولدى منتدى شارك الشبابي حوالي (500) متطوع ومؤسسة وفا حوالى (200) متطوع. بالاضافة الى عدد العاملين في الاغاثة الطبية ولا ننسى بالطبع المؤسسات العاملة في الدفاع عن حقوق الانسان وعلى رأسها الهيئة المستقلة والحق والضمير والمركز الفلسطيني لحقوق الانسان والهيئ الدولية للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني والتي تقوم جميعها بدور توثيقي للانتهاكات والجرائم الاسرائيلية وهذه فقط عينات من هذه المؤسسات، حيث ان هناك العشرات بل المئات من مؤسسات المجتمع المدني التي تعمل في قطاع غزة من قبل العدوان وزادت وتيرة عملها بعد العدوان والتي لا ينفك اي منها عن تقديم كل عون ومساعدة ممكنة ومتاحة ناهيك عن المستفدين غير المباشرين من موردين واصحاب باصات وشاحنات وعربات وطباخين وميسرين للتفريغ النفسي.
ان هذه المبالغ تمثل النزر اليسير من احتياجات اهلنا في غزة الا انها تعكس عظم الدور واهميته لمؤسسات المجتمع المدني التي تعمل دون قيود بيروقراطية او حسابات فئوية او اعتبارات سياسية او غيرها، تبحث عن المحتاجين وتمد يد العون لمن تستطيع الوصول اليهم سبيلا، تحصل على ثقة الافراد والجمهور والمؤسسات المحلية والاقليمية الاسلامية والعربية وحتى الدولية، جبت هذه الثقة بعملها المتواصل والمستمر من سنوات تمتد قبل تاسيس السلطة بسنوات طوال.
على اية حال ان الالية المقترحة ان صح ما سرب حولها من قبل الدكتور محمد مصطفى سينتج عنها عدد من التحديات وهي:
1. ان هذه الالية وعلى ما يبدوا سينشأ عنها جسم بيروقراطي جديد يقيد وصول المساعدات تحت مسمى تنظيم الاغاثة ويجعل من الاستجابة الميدانية اكثر تعقيد واقل فعالية.
2. ان هذه الالية ان صمم الدكتور مصطفى عليها ستصبح محل تجاذب واختلاف بينها وبين الجهات المانحة التي استقر عملها مع مؤسسات المجتمع المدني والتي تحوز على ثقة كافة الاطراف.
3. ان حجم الثقة باي الية تنشأ عن الحكومة و/او بأسمها حتى وان كانت مستقلة ستضر بوصول المساعدات الى الفئات المستهدفة وقد تجعل اسرائيل منها اداة لزرع الشقاق بين الحكومة وبين حماس وبين مؤسسات المجتمع المدني وبين المانحين.
4. الحديث عن انشاء اطار مرجعي اغاثي موحد سيستهلك وقت للطواقم التي ستعمل به للتعلم والفهم لما يجرى مع ان الحرب دخلت شهرها السابع مما سيهدر الموارد ويقتل القدرات ويضعنا في حالة استهلاك للخبرات واعادة الامر الى نقطة الصفر.
للحقيقة الاسباب تطول، وقد يقول البعض ما البديل لهذه الالية، ببساطة ما ننصح به هو ايجاد اطار تنظيمي مستقل لتنسيق المساعدات وتوزيعها بشكل افقي بين الجهات العاملة من مؤسسات مجتمع مدني ومؤسسات دولية واخرى اغاثية يمكن لمكتب رئيس الوزراء ان يشكل اطار عملياتي ان جاز التعبير للوصول الى اكبر المناطق والفئات حاجة بحيث يزود الاطار ببيانات ويتم تبادل المعلومات اليومية والاحتياجات الطارئة من خلال فريق عمل فني وتنظيمي لهذه الغاية من خلال المؤسسات الاكثر فاعلية وعمل في قطاع غزة دون اي تدخل مهما كان نوعه وطبيعته.
المطلوب من رئيس الحكومة المكلف وحكومته العتيدة ان تعمل على تسهيل عمل هذه المؤسسات وسؤالها عن المعيقات التي تواجهها وكيفية تذليلها وتسهيل وصولها للمستفيدين كما فعلت وزارة الداخلية خاصة الادارة العامة للمنظمات غير الحكومية حيث سهلت من اجراءات عمل مؤسسات المجمتع المدني في غزة والضفة وذللت كل صعوبة امام عملها دون اي تدخل فعرفت طريقها في هذه المرحلة لتكون عونا لا ثقلا على اهلنا في غزة
مؤسسات المجتمع المدني لن يكون معها الوقت لتضيعه على مسائل بيروقراطية وشعبنا يجوع ويقتل ويحرم من ابسط حقوقه، ونعتقد ان الحكومة دورها ان تساند هذه الامور وتعززها وتذلل اية عقبات فلا وقت ولا ومعنى لاي اجسام جديدة حتى وان اكتست الاستقلالية او روج لها انها تهدف الى تعزيز الشفافية ورفع مستوى المصداقية والصدقية، فالكارثة بغزة اكبر مما نعتقد او نفهم او نتصور، نحتاج الى فعل وعمل لا يتوقف لمد يد العون لشعبنا في غزة. فلا نعتقد ان الحكمة تتطلب اية اجسام جديدة، وعلى الحكومة ان تترك مؤسسات المجتمع تعمل وتنتصر لغزة .