صدى نيوز - توحي تحليلات منشورة في الصحف الإسرائيلية اليوم، الأربعاء، بأنه بات يترسخ إدراك في إسرائيل أنها ليس فقط لن تنهي حربها على غزة بـ"انتصار مطلق"، مثلما يكرر رئيس حكومتها، بنيامين نتنياهو، وإنما تتجه إسرائيل، وربما بخطوات سريعة، نحو مواجهة مع العالم كلّه أيضا، بسبب فقدانه صبره حيال وحشية حربها غير المسبوقة في العقود الأخيرة.

وأشار المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، إلى أن إسرائيل تقف الآن أمام إمكانية "دوامة خطيرة أخرى في جبهتين". وتوقع أن قصف الجيش الإسرائيلي قافلة سيارات "المطبخ المركزي العالمي" ومقتل سبعة متطوعين أجانب في دير البلح، أول من أمس، "سيصعد الضغط الدولي حول الأزمة الإنسانية" في قطاع غزة.

وأضاف أنه بالغارات الإسرائيلية في سورية ومقتل قياديين في الحرس الثوري الإيراني هناك والقصف الآخذ بالاتساع في لبنان، "تأمل إسرائيل بأن تصعيد ضرباتها سيردع حزب الله وإيران من الدخول إلى حرب شاملة". لكنه هرئيل لفت إلى أنه "في كلتا الجبهتين، يصعب رصد سياسة (إسرائيلية) واضحة وغايات قابلة للتحقيق".

وتابع أنه "يرافق هذا كله تدهور شديد في العلاقات مع الولايات المتحدة وبشكوك داخلية تجاه اعتبارات نتنياهو. ويصعب فهم ما الذي يسعى نتنياهو إلى تحقيقه. وحتى مؤيديه باتوا يشتبهون على ما يبدو بأن الانتصار المطلق هو مجرد شعار، وأن وجهة رئيس الحكومة نحو حرب أبدية، لمنع حساب الذات القومي بعد إخفاق 7 أكتوبر، وربما تؤجل الإجراءات في محاكمته الجنائية".

واعتبر هرئيل أن استهداف متطوعي "المطبخ المركزي العالمي"، رغم استشهاد قرابة 33 ألف فلسطيني في القطاع خلال الحرب، هو الذي "سيثير عاصفة كبيرة الآن". وأشار إلى أن هذه الواقعة تنضم إلى أحداث أخرى تتعلق بإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وبينها مجزرة شارع الرشيد. ولفت إلى أنه "يصعب الجسر على الفجوة بين الحرفية الاستخباراتية، مثلما تم التعبير عنها بالهجوم الدقيق في دمشق (واغتيال مسؤولَين بالحرس الثوري الإيراني)، وبين الاستهداف خطأ بسيارات المساعدات في غزة".

وأضاف أن "النتيجة المتراكمة للأحداث الأخيرة باتت معروفة: التسامح يتراجع، ومن جانب أصدقائنا في الغرب أيضا، تجاه استمرار الهجوم العسكري الإسرائيلي ومطلب زيادة شحنات الأسلحة، وكذلك بسبب التقارير المتزايدة حول مجاعة أو خطر المجاعة في أنحاء القطاع".

ورأى هرئيل أنه "إذا كانت إسرائيل قد أمِلت بأن سيطرتها على إدخال شحنات المساعدات ستمكن من استخدامها كوسيلة ضغط من أجل تحرير المخطوفين الذين تحتجزهم حماس، فإن ورقة المساومة هذه سُحبت من يدها نهائيا".

وبحسبه، فإنه يوجد قلق في إسرائيل من تزايد الضغط الدولي عليها من أجل فرض وقف إطلاق نار من دون تسوية حول إعادة الرهائن ومن دون القضاء على حكم حماس في القطاع. "واعترفت مصادر أمنية بأن واقعة استهداف المتطوعين لم تحدث في فراغ. فقد استهدف الجيش الإسرائيلي في الأشهر الأخيرة مرات كثيرة مدنيين وفي عدة حالات قوافل مساعدات أيضا، وبعاملين فلسطينيين في منظمات دولية وفرق وسائل إعلام محلية. وهذه الأخطاء وقعت نتيجة سياسة متساهلة لتعليمات إطلاق النار، وكذلك إشراف ضعيف على ترجيح رأي الضباط".

وأشار هرئيل إلى أن التغطية في وسائل الإعلام العالمية لهجوم الجيش الإسرائيلي على مجمع الشفاء الطبي، الذي استمر أسبوعين كاملين، "مختلفة كليا" عن مزاعم الجيش أن الشهداء هم مقاتلون. فقد ركزت وسائل الإعلام العالمية على الدمار الرهيب الذي خلفه الجيش الإسرائيلي في المجمع الطبي الكبير. "وأقوال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، بأن المسلحين أصروا على مواصلة القتال من داخل المنشآت الطبية، تقنع بالأساس الحلبة الداخلية".

الحرب الكبيرة والحرب الصغيرة

من جانبه، الباحث في "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب والرئيس السابق للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، عوفر شيلَح، تطرق إلى النقاش في إسرائيل حول ما إذا "الحرب قد انتهت"، وأن المعارضة تقول إنها انتهت بهدف العودة إلى أجندة ما قبل 7 أكتوبر والتي في مركزها الخلافات حول الخطة القضائية وعدم شرعية حكومة نتنياهو، وفقا لمقاله في صحيفة "يديعوت أحرونوت".

وأضاف شيلح أن الحرب بالنسبة لنتنياهو لا تنتهي إلى حين "’الانتصار المطلق’، أي أنها ستستمر لأشهر وشهور، من خلال نقاش عاقر حول ’العملية العسكري في رفح’، والأهم ألا يعود الخطاب حول المسؤولية (عن إخفاق 7 أكتوبر) وانتخابات، الذي يشكل خطرا على ولايته".

وبحسبه، فإن "السؤال هو عن أي حرب نتحدث. فالعملية العسكرية في قطاع غزة تتغبر لدرجة انعدام الأهمية؛ وعملية عسكرية ناجحة بحد ذاتها كالتي جرت في مستشفى الشفاء هي مجرد تجفيف البحر بملعقة، ومن خلال تجاهل الضرر الدولي المتعاظم ومن عودة حماس إلى السيطرة مجددا على أماكن احتللناها قبل أشهر".

واعتبر شيلح أن "الحرب الحقيقية لم تكن أبدا في قطاع غزة فقط، ولا في غزة والشمال أيضا؛ إنها إقليمية، وحتى أنها عالمية بمفاهيم معينة. ورفض نتنياهو العمل بموجب ذلك، بدعم من جهاز الأمن، يضع إسرائيل في خطر هزيمة إستراتيجية في جميع الجبهات".

وأضاف أنه "من ناحية المفهوم، أطّرت الولايات المتحدة القتال على أنه مواجهة إقليمية منذ اليوم الأول، من خلال ضلوع غير مسبوق وطرح غاية أكبر بكثير: تأسيس تحالف إقليمي بدعم منها، يضم دولا تتطلع إلى استقرار ومهددة من ’محور المقاومة’ الذي تقوده إيران – وهي إسرائيل، السعودية، الإمارات، مصر، الأردن. وأن ينزل هذا الحلف ضربة شديدة جدا على وكلاء إيران في القطاع، أي حماس، ويؤدي إلى تراجع عنصر المحور في لبنان، حزب الله، ويهدد مصالح إيرانية ويوضح للمحور أنه يوجد مقابله ثقل مضاد بالغ القوة بدعم دولة عظمى عالمية".

واعتبر شيلح أن "هذا هو التأطير بالضبط الذي يخشى نتنياهو منه، لأن شرطا ضروريا لوجود حلف كهذا هو مقولة إسرائيلية واضحة، وبموجبها أن يكون هناك كيان فلسطيني واحد في نهاية الأمر – سلطة فلسطينية خضعت لإصلاح، بالمصطلحات الأميركية، تجري إسرائيل معها عملية سياسية".

وأضاف أن "هذا تهديد مباشر على سلامة ائتلاف نتنياهو. وبالنسبة له، الحرب الصغيرة هي الهدف: الكتائب الأربع في رفح وضرورة تفكيكها، وهو أمر سيستغرق وقتا طويلا، وبعده سيتطلب المزيد من الوقت من أجل ’قص العشب’، تماما مثلما عدنا إلى الشفاء. وبعد ذلك قضية تكتيكية أخرى وبعدها واحدة أخرى. وهذا الزمن الدائري، الساعة التي تدق لكنها لا تتجه إلى أي مكان، هي مُهْجَة وجود الحكومة الحالية".

ورأى شيلح أن "الشرط الحقيقي لصفقة مخطوفين ليس الانتقال من الجنوب إلى الشمال في القطاع، وإنما استعداد إسرائيل بعد تحرير آخر المخطوفين، أن يكون هناك وقف للقتال الحالي في القطاع. وحتى ذلك الحين لن تتمكن من تطبيق عودة 80 ألفا من الذين جرى إخلاؤهم من شمال البلاد، إذ أنه بالرغم من أن حزب الله لا يريد حربا كبيرة، فقد أوضح أن النيران ستستمر طالما يوجد نيران في غزة".

واعتبر شيلح أن موافقة إسرائيل على ذلك "لن ينهي الصراع مع حماس أو مع الفلسطينيين. على العكس: إذا استغلينا الوقت من أجل بلورة هندسة إقليمية مقابل الحرب الإقليمية، فإنه لن نؤسس فقط ثقلا مضادا للتهديد الحقيقي، وإنما سنحصل على شرعية لعملية عسكرية مستقبلية تمنع حماس من النمو مجددا. والبديل هو أن نبقى وحدنا واهتمام دول العالم يتجه إلى أمور أخرى. وهذا سيكون تحقيق لرؤية يحيى السنوار من هجوم 7 أكتوبر. ونحن سنهزم إستراتيجيا في 1000 انتصار تكتيكي، وهو في حال كان على قيد الحياة أو ميت سينتصر فيما يخسر أي معركة".

وخلص شيلح إلى أن "الخيار الحقيقي أمام إسرائيل الآن، هو الموافقة على وقف الحرب الحالية في غزة، وتشمل الانتشار عند خطوط دفاعية ووقف إطلاق طويل، كي ننتصر انتصارا سياسيا في الحرب الإقليمية ونكون في وضع أفضل من ذلك الذي كنا فيه في 6 أكتوبر، أو الاستمرار، مثلما تفعل الحكومة والجيش الآن، في الحرب الصغيرة وتفكيك كتيبة أخرى وقنص إيرانيا في دمشق وموقع مضادات جوية في لبنان، حتى ’الانتصار المطلق’، أي هزيمة في الحرب الكبرى وليس أقل من خطر وجودي".