أوضح رئيس مجلس الوزراء د. محمد مصطفى في الجلسة الأولى للمجلس الثلاثاء الفارط أن أولويات الحكومة الثلاثة: إغاثة المواطنين في قطاع غزة، وتحقيق الاستقرار المالي، وتنفيذ برنامج الإصلاح وتطوير أداء المؤسسات الحكومية. في ظني أن تنفيذ المسألتين الأولى والثانية لا يرتبط بإرادة الحكومة وعزمها لوحدها فالنجاح والفشل فيهما لا يعتمد على قدرة الحكومة ذاتها وإنما بأطراف خارجية كالمجتمع الدولي والمانحين وكذلك الجانب الإسرائيلي خاصة في ظل سياسات الاحتلال الإسرائيلي القاضية بإضعاف السلطة ومؤسساتها. لكن ما تمتلكه الحكومة هذه هو العمل على تنفيذ الأولوية الثالثة المتعلقة بالإصلاح المؤسسي.
إن هذه القدرة ترتكز بالأساس على الصلاحيات المخول بها مجلس الوزراء في القانون الأساسي، ومن الرغبة المترجمة في كتاب "القرار" التكليف الرئاسي باختيار رئيس الحكومة، ومما جاء في برنامج الحكومة بالنص على "تطوير خطة الإصلاح المؤسسي كمصلحة وطنية ملحة وعليا،.... للوصول إلى مؤسسات قوية قادرة على الحكم الرشيد وتحقيق أهداف التنمية المستدامة".
لكن النوايا الحسنة "الالتزامات والوعود" وحدها لا تكفي لتحويل عملية الإصلاح إلى حقيقة واقعة؛ إن أي خطة مزمع تطويرها من قبل الحكومة ما لم تنظر بعمق لأسباب الفشل التي لاحقت تنفيذ خطط الإصلاح الفارطة وأخذ العبر منها لتجاوز العثرات والتحديات والصعوبات التي حدة من تنفيذ الإصلاحات المخططة، واستلهام عناصر القوة التي رافقت النجاحات القليلة التي تحققت منها.
قد يتلقى رئيس الحكومة بعض النصائح كالبدء بما هو ممكن؛ أي أن يبدأ بخطوات إصلاحية فنية ليس لها تبعات أو تكلفة مالية أو تلك التي يمكن إنجازها دون معارضة من مراكز القوى والنفوذ أو بعض الأطراف، وقد تكون هذه الإصلاحات ضرورية وقد تساعد في تحسين تقديم بعض الخدمات.
في ظني أن هذه الحكومة محمولة على عملية إصلاح شاملة في نظام الحكم ذات طابع جراحي، بعضها مؤلم لمراكز القوى المتنفذة، لإحداث تغييرات سياسية وسياساتية جوهرية وجدّية في مراكز الحكم الأساسية ومفاصله، وهي في ذات الوقت محمولة على تحمل تبعات هذه الإصلاحات وعدم التراجع عنها تحت ضغط مراكز القوى والنفوذ، وهي محمولة على إقناع المواطنين الذين يريدون رؤية إجراءات فعلية وتغييرات في المنهج والأسلوب والوجوه والأشخاص بجدية الحكومة بقيامها بعملية الإصلاح؛ فالإصلاحات الفنية والتقنية مهمة لكنها غير مرئية للمواطنين ويمكن من الناحية الإدارية التلاعب بها وتجاوزها في بإجراءات تعطيلية أو تأجيلية.
في ظني أن أغلب الإصلاحات الكبيرة والسياسية والمؤلمة التي يتم الحديث عنها ليس لها تكلفة مالية بقدر التكلفة السياسية الداخلية؛ فالحكومة في هذا الصدد فقط عليها إعمال القواعد الدستورية الآمرة المنصوص عليها في القانون الأساسي الفلسطيني وفض تلك القوانين والقرارات والإجراءات والامتيازات المستحدثة المخالفة لها. مُدرك أن هناك صعوبات كبيرة أمام الحكومة لكن دون العملية الجراحية لن تستقيم الأمور ولن يتحقق التزام رئيس الحكومة في برنامجه المعلن ".... للوصول إلى مؤسسات قوية قادرة على الحكم الرشيد وتحقيق أهداف التنمية المستدامة" أو مؤسسات فعّالة ومساءلة وفقاً لما جاء في أهداف التنمية المستدامة ٢٠٣٠.