عطفاً على البيان الصحفي للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني الذي صدر يوم الاثنين السابع من أبريل الجاري، والذي تضمن الإشارة الى انهيار المنظومة الصحية في قطاع غزة وانعدام الإمدادات الطبية والأدوية والأغذية والمياه والوقود وتعرض العاملين في المجال الطبي لاعتداءات واستهدافات مستمرة أدت لتوقف العديد من المستشفيات والمراكز الصحية عن العمل، فمن أصل 36 مشفى عامل في قطاع غزة 10 مستشفيات فقط تعمل بشكل جزئي (4 في شمال القطاع، و6 في الجنوب والوسط). وضمن سلسلة المقالات التي بدأتها لتسليط الضوء على وبائيات الأمراض في سياق حرب غزة، يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على وبائيات الأمراض المعوية في محاولة لتناول اهم هذه الأمراض ومسبباتها، وخيارات العلاج، والتدابير الوقائية الممكنة، بما في ذلك العلاجات التقليدية والعشبية في ظل شح الموارد وانهيار النظام الصحي.
أنواع أمراض الجهاز الهضمي:
التهاب المعدة والأمعاء الحاد Acute Gastroenteritis (AGE) :يعد التهاب المعدة والأمعاء الحاد أحد أمراض الجهاز الهضمي الأكثر شيوعًا في زمن الحرب، ويتميز بالإسهال والقيء وآلام البطن والحمى. وتشمل العوامل المسببة البكتيريا والفيروسات والطفيليات، التي تزدهر في ظروف غير صحية من انقطاع إمدادات المياه والصرف الصحي.
حمى التيفوئيد: وتنجم حمى التيفوئيد عن بكتيريا السالمونيلا التيفية، والتي تنتقل في المقام الأول عن طريق الأغذية والمياه الملوثة. وتشمل الأعراض الحمى المستمرة وآلام البطن والصداع والإسهال.
الكوليرا: الكوليرا هي عدوى إسهاليه حادة تسببها بكتيريا الكوليرا، والتي تنتشر غالبًا عن طريق المياه والأغذية الملوثة. وتؤدي إلى الإسهال المائي الغزير والقيء والجفاف، وهو ما يمكن أن يكون مميتًا إذا لم يتم علاجه على الفور.
التهاب الكبد الوبائي من النوع أ: وهو عدوى فيروسية تنتقل عن طريق الفم والبراز، وترتبط عادةً بسوء الصرف الصحي وممارسات النظافة. وتظهر على المريض أعراض مثل اليرقان والتعب والغثيان وآلام البطن.
الزحار الأميبي: تسبب هذا المرض مجموعة من الطفيليات الأولية (الأميبا والجارديا)، ويتميز بالإسهال الدموي، وتشنجات البطن، والحمى. ويشكل خطراً كبيراً بسبب عدم كفاية مرافق الصرف الصحي.
ويمكن أن يعزى انتشار هذه الأمراض في غزة خلال فترة الحرب إلى عدة عوامل منها مصادر المياه الملوثة وانهيار أنظمة التخلص من مياه الصرف الصحي، والظروف المعيشية المكتظة في الملاجئ ومخيمات النزوح، مما يسهل الانتشار السريع لمسببات الأمراض. علاوة على ذلك تعطيل خدمات الرعاية الصحية، مما يعيق التشخيص والعلاج في الوقت المناسب. وانعدام الأمن الغذائي وممارسات سلامة الأغذية مما يؤدي إلى استهلاك الأغذية الملوثة.
ومن الصعب هنا التأكد من العدد الدقيق لحالات أمراض الجهاز الهضمي في فطاع غزة خلال الحرب بسبب محدودية الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية وآليات الإبلاغ. ومع ذلك، تشير الأدلة المتواترة والتقارير المتفرقة إلى أن أكثر من 90% من الأطفال تحت سن الخامسة في غرة أصيبوا بمرض معدي واحد على الأقل بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
خيارات العلاج:
تتطلب إدارة أمراض الجهاز الهضمي أثناء الحرب اتباع نهج متعدد الأوجه، بما في ذلك علاج الجفاف الناتج عن الإسهال المتكرر والقيء. فلا بد من إعطاء السوائل عن طريق الوريد لحالات الجفاف الشديدة. والعلاج بالمضادات الحيوية للالتهابات البكتيرية خاصة المسببة لحمى التيفوئيد والدوسنتاريا. ولا بد كذلك من استخدام أدوية تخفيف أعراض آلام البطن والغثيان والحمى.
إلا انه وفي ظل غياب القدرة على التشخيص وانعدام الأدوية أو ندرتها فلا بد من اللجوء لأخذ التدابير الوقائية والاحتواء المحتملة والتي تشمل تحسين الصرف الصحي، إذ يمكن أن يساعد تعزيز البنية التحتية للصرف الصحي وتعزيز ممارسات النظافة مثل غسل اليدين والتخلص السليم من النفايات في منع انتشار مسببات الأمراض المعوية. أضف الى ذلك ضرورة الحصول على المياه النظيفة والآمنة كأمرًا ضروريًا للوقاية من الأمراض المنقولة بالمياه مثل الكوليرا والتهاب الكبد الوبائي أ. وهنا لا بد من التنويه الى ضرورة غلي المياه قبل استخدمها للشرب أو الطبخ على حد سواء. ويعد إجراء حملات التثقيف الصحي لرفع مستوى الوعي حول أهمية نظافة الغذاء والماء، والصرف الصحي المناسب، والتعرف المبكر على أعراض أمراض الجهاز الهضمي من أهم الوسائل المتبعة في تخفيف العبء الناجم من هذه العدوى.
ومن التدابير الأساسية للازمة للوقاية خاصة لدى فئة الأطفال هو تنفيذ برامج التطعيم ضد الأمراض التي يمكن الوقاية منها مثل التهاب الكبد الفيروسي من النوع A و التي تؤدي الى التقليل من حالات تفشي المرض أثناء الحروب.
أما فيما يتعلق بالعلاجات التقليدية والعشبية والتي يمكن اللجوء اليها في ظل شح الموارد وانهيار النظام الصحي. نورد بعض الوصفات العلاجية التي يمكن استخدامها:
الزنجبيل: يُعتبر الزنجبيل مضادًا للتقيؤ طبيعيًا، ويمكن استخدامه لتخفيف الغثيان والقيء المصاحبين للأمراض المعوية.
الثوم: يُعتبر الثوم من الأعشاب الطبيعية التي تمتلك خصائص مضادة للبكتيريا والفيروسات وطارد للديدان والطفيليات، ويمكن استخدامه لمكافحة العدوى المعوية بشكل فعال.
البابونج: يُستخدم البابونج لتهدئة الجهاز الهضمي وتخفيف الالتهابات، مما يجعله خيارًا ملائماً لتخفيف الآلام والتقليل من الانتفاخ المعوي.
الزعتر: يُعتبر الزعتر من الأعشاب ذات الخصائص المضادة للبكتيريا والمضادة للالتهابات، ويمكن استخدامه لعلاج التهابات الجهاز الهضمي.
الكمون: يُعتبر الكمون مفيدًا لتحفيز الهضم وتخفيف الانتفاخ والغازات المعوية، كما أن له خصائص مضادة للبكتيريا.
القرنفل: يُستخدم القرنفل لتخفيف آلام المعدة وعسر الهضم، ويُعتبر مضادًا للبكتيريا والفطريات.

وفي الختام، لا بد من الإشارة الى أن انتشار أمراض الجهاز الهضمي خلال الحرب في غزة يشكل تحديًا كبيرًا على الصحة العامة، ويتفاقم بسبب البنية التحتية الضعيفة ومحدودية الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية. ويجب أن تركز الجهود المبذولة من قبل المنظمات الدولة والهيئات المحلية لمعالجة هذه القضايا على تحسين الصرف الصحي، وضمان الوصول إلى المياه النظيفة، وتعزيز التثقيف الصحي، وتنفيذ برامج التطعيم. بالإضافة إلى ذلك، فإن دمج العلاجات التقليدية والعشبية في ممارسات الرعاية الصحية قد يوفر فوائد تكميلية في إدارة أمراض الجهاز الهضمي وحماية صحة السكان.