بغض النظر عن نتائج العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والمآلات المؤلمة لآثاره على مستوى القضية الفلسطينية برمتها وعلى حياة الفلسطينيين في قطاع غزة بشكل خاص، فإن القوى الفلسطينية "السياسية والاجتماعية" تحتاج إلى النظر بعمق لمستقبل الفلسطينيين والفلسطينيات بما ينسجم مع مصلحتهم وليس المصالح الفئوية الضيقة التي ترعاها القوى السياسية اليوم.
وهذه القوى "الفصائل الفلسطينية" عليها أن تستلهم أولاً: من تجارب الشعوب والثورات التي تشبه حالة القضية الفلسطينية القائمة على التحرر من الاستعمار (مثل الجزائر وفيتنام...الخ) التي أشارت بوضوح إلى أن الوحدة الوطنية هي العنصر الأساسي لقوى الثورة والمقاومة للتغلب على المستعمرين وبطش قوتهم العسكرية وغزوهم الثقافي الاستعماري، وثانياً: من تجارب أنظمة الحكم ما بعد الغزو أو الربيع العربي أو البيريسترويكا في الاتحاد السوفيتي وانهيار أنظمة الحكم في دول حلف وارسو (العراق ومصر وليبيا ودول أوروبا الشرقية في بداية سنوات التسعينات من القرن الماضي) التي أظهرت أن الاندماج الوطني "الاندماج المجتمعي" هو أساس الاستقرار في الدولة وحماية المجتمع ومنجزاته من آثار الارتدادات المتعلقة بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية أو التغيرات على مستوى نظام الحكم "النظام السياسي" كما حدث في العراق وأفغانستان بعد الغزو الأمريكي على سبيل المثال.
وهي بكل تأكيد تحولات عميقة في أنماط حياة المجتمع بأشكالها وأبعادها المختلفة التي عادة ما يصاحبها اختلالات في توازن القوى المجتمعية القائمة وبروز فئات اجتماعية واقتصادية وسياسية ترتكز على الدعم الخارجي كالاستعمار، أو على تجارة الحرب، أو على القوة المادية "المسلحة" باستمرار هيمنة جهة الحكم القديمة أو نشوء قوى سياسية عسكرية جديدة؛ لاغتصاب سلطة الحكم دون النظر للمصلحة العامة أي مصلحة المواطنين جميعاً. الأمر الذي يؤدي، على الأغلب، إلى بروز مجموعات متطرفة تستخدم العنف المادي في مواجهة نظام الحكم المتشكل أو البنى الاجتماعية المتولدة حديثاً، أو حدوث اضطرابات اجتماعية واقتصادية تدخل الدولة في دوامة الاضطرابات الاجتماعية والتضخم والبطالة التي تؤثر في قدرة الدولة على استيعاب هذه التغييرات واطالة أمد فترة التعافي منها، أو الدخول في حرب أهلية بين المجموعات السياسية - العسكرية والقبلية على الحكم تُهلك قدرة المجتمع على الصمود والحياة لسنوات عديدة تتراوح بين عشرة إلى عشرين سنة. وفي كل الحالات يدفع الشعب أثمانا إضافية ليست ضرورية من أبنائه ومقدراته ومن الوقت المهدور لاسترجاع الزمن والتعافي.
اليوم، إن كلمة سر سرعة تعافي الشعب الفلسطيني من الكارثة التي حلت به الناجمة عن العدوان الإسرائيلي تكمن بقدرة القوى السياسية على استخلاص العبر من تجارب الشعوب الدول؛ لوضع أسس الاندماج الوطني "الاجتماعي" وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على قاعدة المصلحة الوطنية التي تلبي حاجات المواطنين وتطلعاتهم في الاستقلال الوطني والعيش في دولة ديمقراطية قائمة على الحرية والمساواة وتضمن التعدد والقبول بالاختلاف وانتقال سلس لإدارة الحكم وتسخير مقدرات لمصلحة المواطنين وحدهم.