نؤكد مرة أخرى أن انتقادنا لحركة حماس ليس لأنها تمارس المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، فالمقاومة حق مشروع لكل شعب يخضع للاحتلال والشعب الفلسطيني الخاضع كله للاحتلال إن تخلى عن حق المقاومة فإنه يتخلى عن حقه في وطنه. كما لا ننتقد حركة حماس لأنها حركة إسلامية، فمع تحفظنا على أية حركة سياسية في مجتمع غالبيته من المسلمين تصف نفسها كحركة إسلامية لأن هذا معناه إخراج كل من لا ينتمي لهذه الحركة من جماعة المسلمين، ومع ذلك فالمشكلة لا تكمن هنا. كما يمكن تفهم سعى حركة حماس لمنافسة منظمة التحرير على تمثيل الشعب الفلسطيني لأنه في النهاية فالشعب هو الذي سيقرر من يمثله.
المشكلة تكمن في شكل وتوقيت مقاومتها ومرجعيتها وممارستها خارج إطار استراتيجية وطنية توافقية، كما تكمن في مرجعية حركة حماس كجماعة إخوان مسلمين قرارها بيد هذه الجماعة وليس قرارا وطنيا مستقلا ثم انتقال قرارها لمحور المقاومة التي تقوده إيران، كما تكمن المشكلة في التناقض بين خطاب حماس وشعاراتها من جانب وممارساتها على الأرض من جانب آخر، وفي توظيف الدين خارج سياق الشريعة ولشرعنة ممارسات بعيدة عن جوهر الدين وتكفير كل من يخالفهم الرأي، والأهم من ذلك في شبكة تحالفاتها الخارجية ومراهنتها على حلفاء خارجيين ثبت بالواقع أنهم يعملون لمصالح دولهم وليس من أجل فلسطين.
لا شك أن التحالفات والأحلاف تؤخذ بعين الاعتبار عند حساب قوة الدولة، فالدول تعظم من قوتها بتمتين تحالفاتها مع دول صديقة بينهم مصالح مشتركة ومتوافقة سياسياً وايديولوجيا حتى الدول الكبرى تسعى لسياسة الأحلاف، ولنا في التحالف الداعم لأوكرانيا في حربها مع الروس، وتحالف واشنطن والغرب مع إسرائيل في حربها العدوانية على الشعب الفلسطيني نموذجاً للتحالفات الحقيقية.
نفس الأمر ينطبق على حركات التحرر الوطني في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. صحيح أن كفاح الشعوب ووحدتها في مواجهة الاستعمار نقطة مركزية في تحررها من الاستعمار ولكن دعم حلفائها ووقوف شعوب العالم الحر والأمم المتحدة الى جانبها عجَّل بالنصر، فما كانت فيتنام أن تنتصر على الفرنسيين ثم الأمريكان لو لم يكن شعب فيتنام موجدا في جبهة تحرير فيتنام ويسانده الاتحاد السوفيتي والصين ووقوف الرأي العام العالمي حتى الأمريكي إلى جانبه، نفس الأمر يمكن أن يقال عن جبهة تحرير الجزائر وبقية حركات التحرر.
المشكلة عند حركة حماس أنها لم تُحسن اختيار من تتحالف معهم لتحقيق أهدافها سواء في مواجهة العدو الصهيوني أو مواجهة خصومها السياسيين في فلسطين والإقليم، بل إن بعض هؤلاء الحلفاء المفترَضين تقربوا من حركة حماس ليس ايماناً بمشروعها المقاوم بل لخدمة مصالحهم الاستراتيجية في المنطقة والتي تلتقي أحياناً مع مصالح الغرب وإسرائيل كما هو الأمر مع إيران وتركيا، وبعضها تقرب منها بتكليف من واشنطن لتدجينها وتوجيه مسارها بما يعزز الانقسام الفلسطيني ويحرف بوصلة النضال الوطني كما هو الأمر مع قطر.
منذ ظهور حركة حماس ونحن نكتب نطالبها بتوطين نفسها وخطابها السياسي، بمعنى أن تكون جزءاً من الحالة الوطنية وفك ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين وحلفائها الإقليميين، ومنها مقالنا المعنون: (هل ستسير حركة حماس على هدى إخوان مصر والأردن) المنشور في شهر يوليو 2011 ومقالنا المعنون: (في الوطنية الفلسطينية متسع للجميع) المنشور في أغسطس 2013، كما دخلت عام 2015 في نقاشات موسعة حول الموضوع مع بعض قيادات حماس وخصوصاً د. غازي حمد و د. أحمد يوسف في بيتي في تزامن مع حوارات المصالحة في القاهرة ووصلت حواراتنا إلى مرحلة متقدمة، وبدأت حركة حماس تستعمل وتتقبل بعض المصطلحات والرموز الوطنية إلا أن قيادة الخارج المرتبطة بالأجندة الخارجية والتي كانت تراهن على المدد المليوني من العالم الإسلامي قطعت الطريق على توطين حركة حماس كما أفشلت كل حوارات المصالحة الوطنية وراهنت على محور المقاومة الإيراني وعلى قطر وتركيا بدلاً من المراهنة على الشعب والقوى الوطنية الفلسطينية.
فكيف يمكن لحركة مقاومة إسلامية ترفع شعارات عدم الاعتراف بإسرائيل وتحرير فلسطين أن تتحالف مع تركيا العضو في حلف الأطلسي وذات الأطماع التوسعية في المنطقة العربية والتي تربطها مع إسرائيل علاقات دبلوماسية وأمنية وتجارية متطورة لم تؤثر فيها حتى حرب الإبادة على غزة ولو على مستوى قطع العلاقة الدبلوماسية أو مجرد سحب السفير وهي اليوم تساوم حركة حماس على نزع سلاحها مقابل استمرار سلطتها في غزة؟!!
وكيف يمكن لحركة مقاومة تسعى لتحرير فلسطين كما تزعم أن تتهرب من الوحدة الوطنية وتسعى للتحالف مع إيران تحت عنوان (وحدة الساحات ومحور المقاومة) وهذه الدولة يقودها نظام يتصرف بعقلية فارسية شيعية معادية للعرب ويثير الفتنة المذهبية في المنطقة وكان سبباً في تدمير خمسة دول عربية العراق واليمن وسوريا ولبنان بالإضافة للسلطة الفلسطينية، بتواطؤ مع واشنطن واسرائيل، وهو نظام لم يطلق مباشرة ولو رصاصة واحدة على العدو ولم يحرك ساكناً للدفاع عن القدس والمسجد الأقصى ومواجهة قطعان المستوطنين والتزم الصمت خلال ستة أشهر من حرب الإبادة على غزة ولم يتحرك إلا بعد استهداف قنصليته في دمشق من خلال المسرحية الهزلية بقصف إسرائيل بمئات المسيرات والصواريخ العبثية ورد إسرائيلي مدروس ومسرحي على أصفهان، وهو تصعيد غطى على حرب الإبادة في القطاع ؟!!
وكيف نصدق حركة حماس عندما تزعم إنها تسعى لتحرير فلسطين فيما هي تتحالف مع قطر التي تحتضن أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة وتشتغل وكيلاً لواشنطن والغرب لإثارة الفتنة والفوضى في المنطقة وحتى داخل دول الخليج كما جرى خلال فوضى ما يسمى الربيع العربي وقد اعترف سفير قطر لدى واشنطن في أكتوبر 2023 بأن قطر استضافت قيادة حماس بناء على طلب واشنطن، وفي حرب الإبادة الراهنة تلعب دور الوسيط بين المجرم والضحية، وهي اليوم وبعد افتضاح دورها تطلب من حماس مغادرة أراضيها بطلب من واشنطن!
تحالفات حماس المشبوهة وصناعة الانقسام وحروبها وصواريخها التي أودت ولو بطريقة غير مباشرة بأرواح عشرات الآلاف وأضعافهم من الجرحى وتدمير غزة، تثير كثيراً من التساؤلات حول الهدف من نشأتها ودورها الوظيفي في فلسطين والمنطقة.
كنا نتمنى ألا تصل الأمور الى هذ الحد سواء بالنسبة لحركة حماس أو بالنسبة لكل القضية الوطنية، ولكن وقد كان ما كان ولأن حرب العدو على فلسطين لن تتوقف حتى وإن توقفت حرب غزة فالعدو سيواصل حرب الإبادة في الضفة، فهل ستخضع حركة حماس لصوت العقل وتعزز تحالفها الوطني مع منظمة التحرير الفلسطينية دون حساسية من كون هذه الأخيرة تعترف بإسرائيل، فقد أبدت حماس استعداداً للاعتراف بإسرائيل كما أنها تحالفت مع دولة تركيا التي تعترف بإسرائيل ومع قطر التي وإن كانت لا تعترف رسمياً بها فهي تقوم بدور وظيفي في خدمة إسرائيل وواشنطن لا يقل عن دور الدول المطبعة؟ .
من حق حركة حماس البقاء كحركة مقاومة لا تعترف بالعدو وهذا من حقها، ولكن عليها ترك العمل السياسي الرسمي كسلطة وحكومة، ولا تكرر تجربة 17 سنة من محاولة التموقع كسلطة وحكومة تحت الاحتلال وفي نفس الوقت ترفض الاعتراف بالاحتلال وتتصرف كحركة مقاومة مسلحة ترفع شعارات تدمير إسرائيل وفلسطين من البحر الى النهر[ii1] !.