لقد وصل عدد المستوطنين في مطلع العام 2024 الى ما يقارب(525)ألف مستوطن في الضفة الغربية،موزعين على نحو (150)مستوطنة،وزهاء ما يقارب (180)بؤرة أستيطانية رعوية،وهم كتلة متنوعة فهناك ما يقرب من 36% من الحريديم المتشددون دينيا،ونحو 29% من العلمانيون،ونحو 35% من التيار التوراتي العقائدي الذي تنبعث منه المجموعات العنيفة،وقد تحولت تلك المستوطنات لدفيئات لتفريخ الفكر الأرهابي وتشكيل تنطيمات تحولت الى قوة ضغط وعدوان،لذلك تدور معركة مع المستوطنين في الضفة الغربية موازية لتلك المعركة التي تدورها رحاها في غزة،فقد زادت في الأونة الاخيرة بشكل كبير وغير مسبوق هجمات المستوطنين وعنفهم ضد سكان القرى والتجمعات البدوية في مناطق متفرقة من الضفة،وقد تطور ارهاب المستوطنين من مجرد اعمال ترتكبها مجموعات(سرية)في الثمانينيات،الى ثقافة شعبية يعتنقها غالبية سكان المستوطنات الأيدلوجية،ومشهد يومي ومرعب في قرى وتجمعات وشوارع الضفة الغربية،فسلطات الأحتلال الاسرائيلي تمارس أرهابا منظما في طول الضفة الغربية وعرضها،ولا تكتفي بتقطيع أوصال الضفة عبر الحواجز العسكرية والسواتر الترابية،بل تمارس سياسة الاقتحامات للمدن والقرى والتجمعات الفلسطينية بشكل شبه يومي،وسط قتل وهدم المنازل،وبذات الوقت تشجع وتتشارك مع المستوطنين في اعتداءاتهم اليومية.
وفي هذا السياق لا بد من الأشارة بأن التنويع الأيدلوجي والفكري في مجتمع المستوطنين،يجعل من الصعب تفكيك الأستيطان والانسحاب من الضفة الغربية،فقد تمازجت تدريجيا الخطط الأسرائيلية التي تدعو الى الأستيطان لأسباب أمنية،وتلك التي تدعو للأستيطان لأسباب قومية تتعلق (بالحق الألهي) الممنوح لليهود في الضفة الغربية،فأصبح المشروع الأستيطاني اليوم كتلة اجتماعية متنوعة تقوده فئة تعتقد بأن الضفة الغربية هي الجزء الأساس من ((أرض أسرائيل)) ومنها يبدأ الخلاص،وأن عليهم ان يقوموا بتطهيرها من الفلسطينين،الأمر الذي يؤشر لتطور الصهيونية الحريدية العنيفة التي تدعو الى مواصلة تنفيذ الهجمات ضد الفلسطينين،ويمثل الوزير المتطرف بتسلئيل سموترتيش هذا التيار السياسي،فهو لا يتوانى ولا يتحرج دبلوماسيا من اطلاق دعوات لقتل الفلسطينين وتهجيرهم ومحو القرى، وما يلقى أذانا صاغية ومتيقظة من قبل غلاة المستوطنين.
لقد تطورت عقيدة لدى المستوطنين مفادها بوجوب الرد على اعمال المقاومة الفلسطينية بشكل عنيف،ويأخذ دور المستوطنين نوعين،الأول : الرد عبر تشييد بؤرة أستيطانية جديدةـ، والثاني أعمال ارهابية تتمثل في تخريب ممتلكات فلسطينية او الحاق اضرار جسدية او قتل فلسطينين،هذه الردود ليست جديدة ولكنها تحولت الى عقيدة راسخة ومدعومة من منظمات المستوطنين ومؤسساتهم،وما يصب الزيت على النار تداخل المناطق بين المستوطنون والفلسطينيون بشكل معقد يصعب فصله،كما أن المستوطنات الأكثر عقائدية مقامة بين القرى الفلسطينية،ومحاذية للتجمعات الفلسطينية،الامر الذي يجعل هجمات المستوطنين قابلة للتنفيذ،أضف الى ذلك التنسيق الواضح والتعاون بين الجيش الأسرائيلي ومجموعات المستوطنين،وهذا مرده يعود كون العديد من ضباط وعناصر لواء (كفير)العامل في الضفة الغربية هم من خريجي المدارس الدينية للمستوطنين،لذلك يعمل الجيش الأسرائيلي لحماية المستوطنين عند تنفيذهم هجمات ضد الفلسطينين.
يظهر جليا بأن ما يقوم به المستوطنون من اعتداءات لا تصنف في أطار التصرفات الفردية او الحوادث المعزولة،بل هو عمل منظم يجد الدعم والتشجيع من اوساط سياسية في حكومة وكنيسيت الاحتلال،ومن اوساط متنفذة في شرطة وجيش حكومة الاحتلال الأسرائيلية،فالمستوطنون يتخذون من البؤر الأستيطانية الرعوية ملاذات أمنة بحماية جيش الاحتلال وفرق الطواريء التي شكلها وسلحها الوزير المتطرف أيتمار بن غفير،ففي العام المنصرم أدت هجمات المستوطنين المتكررة ضد السكان الفلسطينين الى تهجير (28)تجمعا بدويا ودفعهتم الى الرحيل القسري،وتشمل هذه التجمعات (270)عائلة بعدد يقدر حوالي 1600 فردا، وفي الثلث الأول من عام 2024 تعرضت التجمعات البدوية ل(700)اعتداء من قبل عصابات المستوطنين، وتم تهجير تجمعين بدويين في منطقة الأغوار الوسطى في الضفة الغربية،وصادرت سلطات الأحتلال في نفس العام ما يقارب (5052466)دونما في الضفة الغربية،تحت مسميات(محميات طبيعية،أوامر استملاك،أوامر وضع يد) أصدرت خلالها (32)أمرا بوضع اليد، و(4) أوامر أستملاك،وأمري اعلان اراضي دولة،و (4) أوامر لتعديل حدود محميات طبيعية،علما بأن هناك الكثير من أعمال عنف المستوطنين مرت دون توثيق،كتلك التي تشمل التخويف او المضايقة والتي تحدث شعورا عميقا بانعدام الأمان لدى الفلسطينين.
لقد أخذت جرائم وعنف عصابات المستوطنين منحى تصاعديا ضد الفلسطينين، خاصة أولئك الذين يسكنون في المناطق المصنفة (ج)حسب اتفاقية اوسلوا 1993،وتنطلق هذه الهجمات في غالبيتها من بؤر أستيطانية رعوية،وأزدادت حدتها بعد 7 اوكتوبر وتسليح (17000)الف مستوطن منذ ذلك الوقت،وتشكيل ميليشات مسلحة من المستوطنين وأطلاق يدهم من قبل جيش الاحتلال مما يعنى أن هناك (جيش مسلح من المستوطنين في الضفة الغربية) وهو جيش موازي لجيش الأحتلال الأسرائيلي،ويعود السبب في ارتفاع حدة الهجمات الى الخلفية الأيدلوجية والفتاوي التي نشرها الحاخام يتسحاك غينزبورغ والتي تتحدث عن فكرة الأنتقام من الفلسطينين سواء عن طريق أرتكاب المجازر على طريقة باروخ غولدشتاين،او احراق ممتلكات باعتبار ان هذه الجرائم هي(التجسيد العميق للفعل اليهودي الخالص)،بالأضافة انتشار الأرهابية بين المستوطنين في الضفة الغربية والمستقاة من كتاب (عقيدة الملك)للحاخامين يتسحاق شابيرا ويوسيف والتي تؤكد على أنه في الحرب على مصير أرض أسرائيل ينبغي قتل الأغيار،فالأغيار الذين يطالبون بهذه البلاد لأنفسهم ،يريدون سلبها من اليهود،وأن أفضل الأغيار في فترة الحرب هو الميت،أضف الى ذلك بأن ارهاب المستوطنين المنظم هو أداة لردع الفلسطينين ويترافق مع عمليات جيش الاحتلال الأسرائيلي لقمع المقاومة الفلسطينية ويعتبر فعلا مساندا في ترهيب الفلسطينين.
مما سبق نخلص الى القول بأن الضفة الغربية تشهد حالة حرب مفتوحة مع جيش الاحتلال الأسرائيلي ومع جيش المستوطنين المسلح الموازي لجيش الأحتلال،وانه لا بد من تشكيل ودعم لجان الحراسة والحماية الشعبية بعد الهولوكست التي ارتكبها المستوطنين ضد القرى الواقعة شرق محافظة رام والله،وسياسة التطهير العرقي التي تمارس ضد التجمعات البدوية، وتوفير مقومات الصمود والبقاء للقرى والتجمعات الفلسطينية التي تقف على خط النار وهو خط الواجب العالي في دفاعها عن الأرض التي هي المحور الرئيسي للصراع مع الغزاة الصهاينة،ووضع هذا الملف في سلم اهتمامات الحكومة الفلسطينية الجديدة،وتخصيص موازنة لهذا الغرض،والمطالبة بأقرار نظام دولي خاص لحماية الفلسطينين،وتقديم الملف للمحكمة الجنائية الدولية،وأدراج منظمات المستوطنين التي تمارس العنف على قائمة الأرهاب العالمي،والتحول العاجل للتعامل مع هذا النوع من التهديد المتصاعد،فالضفة الغربية اشبه ببرميل بارود بلغ ذروة قابليته للأنفجار.