صدى نيوز - خاطبت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" السيد تيدبال بينز مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحالات الإعدام خارج نطاق القانون، بخصوص استمرار عمليات حرب الإبادة الجماعية التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، بما فيها الإعدامات الميدانية منذ السابع من أكتوبر 2023.
وبينت الهيئة في مخاطبتها أنه منذ ما يقرب من سبعة أشهر، أدى العدوان العسكري الإسرائيلي إلى انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان بحق المدنيين، تصل إلى حد الإبادة الجماعية، حيث قتلت قوات الاحتلال ما يقرب من 36.000 فلسطيني، من بينهم 70% من النساء والأطفال، وأصيب أكثر من 75.000 آخرين. وهناك حوالي 10,000 شخص في عداد المفقودين، و2,000 شخص اختفوا قسراً، ويخشى أن يكونوا في مقابر جماعية.
ووفق جميع المعطيات المخالفة للقانون الإنساني الدولي، طالبت الهيئة المستقلة السيد بينز وبموجب اختصاصه، التحقيق في جرائم القتل واتخاذ إجراءات عاجلة للتحقيق في الانتهاكات الصارخة لهذه التي ارتكبتها وترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، والدفع لاتخاذ إجراءات فعالة لمحاسبة مرتكبي الجرائم ومنفذي الأوامر، وتحقيق العدالة للضحايا. وإجراء تحقيق شامل ومستقل في المقابر الجماعية التي تم اكتشافها بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من مناطق في قطاع غزة. واتخاذ موقف حازم ازاء الجرائم المرتكبة وتبني موقف قوي تجاه عمليات القتل الواسعة التي تنفذها، وتنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي والتي تستهدف المدنيين الفلسطينيين، وخاصة عمليات الإعدام والتصفية الجسدية في قطاع غزة.
واستندت الهيئة في مخاطبتها لشهادات شهود العيان والتوثيقات التي جمعتها من الميدان، وإلى تقارير منظمات حقوقية مختلفة، وفيما يتعلق بعمليات الإعدام الميدانية والمقابر الجماعية، أوضحت المخاطبة أنه ومنذ بدء الإبادة الجماعية المتواصلة في قطاع غزة فقد استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلية المدنيين الفلسطينيين بشكل منهجي كجزء من حملة لتجريدهم من إنسانيتهم واستئصالهم من خلال القتل والتهجير، مبينة أن الشهادات الموثقة تكشف عن نمط من الإعدامات الميدانية في إطار السياسات العسكرية الإسرائيلية، وتشير التقارير إلى قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي بإعدام مئات المدنيين الفلسطينيين ودفنهم في مقابر جماعية، واجه خلالها الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و16 عاماً عمليات إطلاق نار مميتة سواء في منازلهم أو مع أسرهم أو أثناء محاولتهم الهروب عبر الطرق التي زعم الجيش الإسرائيلي بأنها "مناطق آمنة" بعد إجلائهم قسراً من منازلهم.
وهذا ما أكدته مقاطع فيديو صادمة لعمليات الإعدام الميدانية للمدنيين، بينهم نساء وأطفال وعزل، استهدفهم قناصة الاحتلال، فقد بينت اللقطات التي التقطها الصحفيون والمدنيون في غزة بوضوح أن قوات الاحتلال تطلق النار عمداً على المدنيين العزل دون أي سبب أو مبرر، الأمر الذي وثقته العديد من منظمات حقوق الإنسان في غزة، كون قوات الاحتلال استهدفت لقد قصفت قوات الاحتلال المنازل، واعتقلت المدنيين بشكل تعسفي، ونفذت عمليات توغل برية أدت إلى إعدامات ميدانية في مراكز اعتقال مجهولة.
وأشارت المخاطبة إلى الشهادات المتعلقة بعمليات إعدام جماعية وعمليات إطلاق نار تعسفية داخل المنازل والمباني السكنية وفي المدارس ومراكز الإيواء، فوفق شهود العيان والشهادات التي جمعتها الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان فإن عشرات الفلسطينيين تم إعدامهم ودفنهم جماعياً وكان من بين الضحايا رجال ونساء وأطفال وشيوخ، تُركوا ينزفون حتى الموت، وفق نمط وعمليات إعدام ميدانية ممنهجة للسياسات العسكرية الإسرائيلية، ففي جباليا وغيرها من المناطق قامت القوات الإسرائيلية بحفر حفر كبيرة، ووضعت مدنيين أحياء فيها، ثم أطلقت النار عليهم ومن ثم دفنهم بالجرافات.
فعلى سبيل المثال، ففي 7 أيار/مايو، أمرت قوات الاحتلال الإسرائيلي السكان الفلسطينيين بإخلاء المناطق الشرقية من مدينة رفح باتجاه منطقة المواصي غرب مدينة خانيونس، قبل أن تشن ضربات عسكرية في رفح، الأمر الذي يشكل تصعيداً غير مسبوق في أعمال الإبادة الجماعية التي يواجهها قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، فتداعيات هذا الهجوم وخيمة، وتنذر بمزيد من المجازر وسفك الدماء وآلاف الضحايا في منطقة مكتظة بالسكان بما يزيد عن 1.4 مليون فلسطيني، تم تهجير معظمهم قسراً وتعسفاً من مدنهم ومخيماتهم في قطاع غزة، وهناك مخاوف كبيرة من حدوث المزيد من عمليات التهجير خارج قطاع غزة أو وقوع المزيد من المجازر.
تحويل المستشفيات لمقابر جماعية
لقد وثقت منظمات حقوق الإنسان في قطاع غزة ما يزيد عن 140 مقبرة جماعية أو عشوائية أو مؤقتة، وكان الاكتشاف الأخير في مستشفى ناصر بخانيونس، عندما تم العثور على مقبرتين جماعيتين تحتويان على مئات جثث المدنيين، ومن المرجح أن العشرات منها تم إعدامها ميدانياً. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 700 جثة مدفونة في المنطقة المجاورة، كما نفذ الجيش الإسرائيلي عمليات إعدام خارج نطاق القضاء لمحتجزين، ودفنهم في مقابر جماعية، وفي يناير/كانون الثاني 2023، تم العثور على مقبرة جماعية تضم 30 جثة مكبلة الأيدي ومعصوبة الأعين في إحدى مدارس بيت لاهيا، مما يدلل على الاعتقال قبل الإعدام.
أما في مستشفى ناصر فقد ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وهددوا الطواقم الطبية والمرضى والجرحى، ومنعوهم من العلاج وحشروهم في مبنى ضيق، وقصفت أقساماً وأحرقت أخرى وقتلت بعض المرضى. وفي جريمة ضد الإنسانية، اقتادوا قسراً العديد من الأطباء والعاملين الطبيين إلى جهات مجهولة، وتم التعرف على تسعة منهم في عداد المفقودين، ويعتقد أن العديد منهم أُعدموا ودُفنوا.
وفي ذات السياق أعلن الدفاع المدني بغزة اكتشاف مئات الجثث في مقابر جماعية بمستشفى ناصر عندما اقتحمت القوات الإسرائيلية المستشفى في مارس/آذار 2024، وانسحبت منه في أبريل/نيسان. وتعرف الأقارب في وقت لاحق على الجثث، وأفاد شهود عيان أن قوات الاحتلال نقلت الجثث ودفنتها بالتراب لمنع التعرف على أصحابها. كما اتهم الدفاع المدني في غزة قوات الاحتلال بدفن الجثث في أكياس بلاستيكية لإخفاء أدلة التعذيب قبل الإعدام، وتعرض مجمع الشفاء الطبي، الأكبر في قطاع غزة، للاقتحام مرتين خلال العدوان، آخرها في مارس/آذار 2024 حيث تمت محاصرته وجرف العديد من أقسامه بالجرافات، وعثر الفريق على مقبرتين جماعيتين وفيهما عشرات الجثث، بينها نساء وأطفال، وعليها آثار إعدام، وتم تقييد أيدي بعضهم وتجريدهم من ملابسهم، مما يشير إلى إعدامهم بدم بارد.
وفي الثامن من أيار الجاري تم اكتشاف مقبرة جماعية جديدة تضم 49 جثة في مستشفى الشفاء، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، وبذلك يصل إجمالي عدد المقابر الجماعية التي تم العثور عليها في المستشفيات إلى سبعة مقابر: ثلاثة في الشفاء، وثلاثة في مستشفى ناصر بخانيونس، وواحدة في مستشفى كمال عدوان شمال غزة.
وبينت المخاطبة وجود شبهات لسرقة الأعضاء من الفلسطينيين الذين قتلتهم القوات الإسرائيلية، فخلال ديسمبر/كانون الأول 2023، تسلمت الجهات الرسمية في غزة جثث ورفات 80 شخصًا قتلوا خلال العمليات البرية الإسرائيلية، مع وجود تأكيدات بوجود تغييرات كبيرة على الجثامين المستلمة وعلامات على سرقة الأعضاء، بما في ذلك إزالة الجلد وهناك شكوك حول قيام سلطات الاحتلال بإنشاء بنك للجلود.
وذكّرت المخاطبة أن القانون الدولي الإنساني يشدد على احترام الموتى، ويفرض التزامات الدفن الفردي للضحايا، فقد مارس الاحتلال سياسية اجرامية في انتهاك حرمة الموتى على نطاق واسع خلال الحرب على غزة، بشكل يعكس توافر النية والقصد في المعاملة المهينة للفلسطينيين وانتهاك حقهم في الحياة بأبشع الطرق، بما يتعارض مع اتفاقية جنيف الرابعة، فقد عكست الإعدامات الميدانية في مجملها موقفاً استعمارياً وعنصرياً يستهين بحياة الفلسطينيين. وفضحت مستوى التعليمات والدعم من القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين لقواتهم، فجميع انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي ما هي إلا جزء من تاريخ طويل من القمع والاضطهاد المنهجي من قبل إسرائيل ضد الفلسطينيين، مما يظهر ازدراء صارخ لكرامتهم وحقوقهم الأساسية.